إطـارات ومسـؤولون ..''قـمارجية' '

أقدم مراهن بمضمار ”القمار”: ”حصَّلت ثروة بـ22 مليارا ولا أملك 200 دج في جيبي”
سائق بـــ”ايتوزا” قمّر على حصان وفاز بـ120 مليون بضرية حظ
نوان، حسنة، نريمان، يماني، ريح المحراش، تاج راسي، لالة هانية وآخرون….هي ليست أسماء لأشخاص عاديين وإنما هي أسماء لخيول عربية أصيلة وأخرى بربرية، منها ما هو مولود ومربى في الجزائر، ومنها ما هو مستورد من فرنسا وإنجلترا، خيول تصنع الحدث كل يوم سبت بميدان سباق الخيل الكائن بالخروبة، من خلال استقطابها لعدد كبير من” المقامرين والطمّاعين المتكاسلين والعاطلين”، الذين يسعون إلى كسب الملايين أو حتى الملايير من خلال اتخاذهم من ”القمار” أو ”اللوتري” مجالا للربح السهل والسريع، ولأن المال المكتسب ”حرام” فإن العديد من هؤلاء يخرجون خائبين وفي جيوبهم بعض الدينارات التي لا تتجاوز 200 دينار جزائري، وكما قال بعضهم ”دراهم الريح يديهم الريح”.قبل إعدادي لهذا الروبورتاج، كنت أظن أن سباقات ”القمار” أو ”اليناصيب” في الجزائر قد أكل عليها الدهر وشرب، خاصة وأن المجتمع الجزائري يراها من باب الدين وتحريم الله عز وجل لكل أنواع القمار، غير أن الواقع ناقض كل ما سبق، حيث كشف مضمار سباق الخيل بالخروبة أن ”القمار ”في الجزائر له روّاده من الأغنياء والفقراء، في ظاهرة مباحة وأبوابها مفتوحة بكل حرية ومزدحمة بـ”القمارين” الذين تعلقوا بالربح الخيالي، في الوقت الذي كان فيه من الواجب كسب المال من الحلال وبالطرق المشروعة النظيفة الخالية من الشبهة والريبة.
فك شيفرة رموز أوراق الربح تبدأ عند ”عمي حميدوش” والقمار بـ10 دينار
قبل حضور السباق الذي احتصتنه ميدان الخروبة يوم السبت، قصدنا في الصباح الباكر بائعا معتمدا لليانصيب الوطنية، هذا البائع الذي تجاوز عقده السابع والمعروف بعمي ”حميدوش”، اتخذ من أحد المقاهي القديمة والشعبية الكائنة بباب الزوار طاولة صغيرة مصنوعة من الخشب فحوّلها إلى فضاء لبيع التذاكر، وجدنا عددا من الأشخاص متوسط أعمارهم بين 20 و50 سنة، الكل منهمك في محاولة فك شيفرة رموز أوراق ”الربح” التي اشتروها من عند عمي حميدوش، تركيز عال وعيون مصوّبة مثل سهام حادة على الأوراق المستطيلة، ما وقفنا عليه هو أنه يكفي فقط جرة قلم بسيطة لتصبح ثريا في خمس دقائق، أو العكس الذي لا يحبّذه جميع المقامرين ويقابلونه دائما، بتكشيرة وعقد للحاجبين، فضلا عن ”البصق” في الهواء، تخمينات أولية تختلط مع خبرة اكتسبوها في هذا المجال وهواية يعتمدها البعض حرفة يدرّ من خلالها أموالا سريعة، لكن بعد أن ”يخسر” أموالا متتالية، ابتداء من 10 دينار جزائري إلى ما فوق أو كما يقولون ”زيد الما زيد الدقيق”.
المناظير لمراقبة السباق والخيل ”يماني” يشارك ضمن فئة ”زبدة الخيلة”
وصلت رفقة الفريق التقني إلى ميدان سباقات الخيل بالخروية، وعند مداخله سيارات مركونة وحاملة لتقريمات مختلفة من العاصمة، البليدة ، تيزي وزو وتمنراست، خلف أسواره رجال، كهول وأطفال، من بينهم المالكون الأصليون للخيل، تراهم في حلة برجوازية واضعين لمناظير سوداء ويقفون بعيدا عن المدرجات تجنبا لاختلاطهم بفئة ”القمّارين”، من بينهم ”موال” فوق العادة، كان يرتدي قميصا ناصع البياض وسروال جينز أزرق واضعا حزاما بنيا وحذاء بنيا لامعا، معلقا في رقبته منظارا كبيرا، عند محادثتي راح يبتسم فظهر سنه الذهبي ليقول” ”لم أشارك في هذا السباق وإنما حضرت لمراقبة خيولي للمشاركة بها في السباق الذي سينظم الأسبوع القادم”، وفي الجانب الآخر، المربّون الذين يراقبون تحركات الفرسان وكيفية ”سرج” خيلهم، فالقلق والتوتر يطغيان على ملامح وجوههم وترقّب حذر ومنافسة شرسة، فهذا السباق شهد إقبالا جماهيريا كبيرا.ومن بين المربين مالك الخيل ”يماني”، الذي شارك في السباق الثاني الذي شارك فيه ”زبدة الخيلة”، فـ”يماني” فاز بجائزة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة خلال جوان المنصرم، وهو الذي فاز في السباق باحتلاله المرتبة الأولى، متفوقا على الخيل ”ماليبو، تاج راسي، ريح المحراش وتلمحارش”.
مراهنون يتهافتون نحو السياج والخيل 13 يبخّر أحلامهم بخسارته
قبل دقائق معدودة من اطلاق صافرة البداية، احتشد المقامرون بالقرب من مضمار السباق، ليس لمجرد رؤية عدو الخيل والتمتع به بل ليراهنوا على الجواد الذي يظنون أنه قد يظفر بالسباق ليعود ذلك عليهم بمال مضاعف من عملية المراهنة، وبمجرد إطلاق إشارة البدء تسابق المتفرجون نحو السياج المحيط بالمضمار لمراقبة الخيول من أقرب مسافة ممكنة، خاصة وأن المضمار احتضن ثلاث سباقات أهمها السباق الثالث الذي شارك فيه 13 خيلا عربيا أصيلا مولودا ومربى في الجزائر، وكانت المنافسة في هذا السباق كبيرة، لأن المال فيه وفير والأحصنة المشاركة معروفة وتعد المفضلة لدى المراهنين، من بينهم الخيل الحامل لرقم 13، 2، 11، و7 وهو الخيل الملقب بـ”جوال 2” إلى جانب الخيل نريمان، خباب وغيرهم، ففي هذا السباق كل الأنظار كانت مصوبة حول الرقم 13 الذي راهن و”قمّر عليه” أغلب الحضور والذي كان يمتطيه الفارس دوداري الذي لم يتجاوز عمره 13 سنة، هذا الأخير الذي حضر من ولاية الجلفة رفقة والده والذي كان أصغر الفرسان المشاركين في السباق، لكن وبنهاية السباق كانت المفاجأة فالحصان ”جوال 2” خسر ودخل في المرتبة الخامسة، في حين فاز الخيل الحامل لرقم 2.وعلى ضوء هذا، تقربت ”النهار” من أحد المواطنين المشاركين في السباق، أين أكد أنه حضر من ولاية البليدة خصيصا من أجل السباق، كونه من المدمنين عليه، وقال إنه ”قمّر” بـ200 دينار جزائري على أمل فوزه بمبلغ مغر، مفيدا أنه لعب على خمسة خيول من بينهم رقم 13 وكله يقين من انه لن يفوز، مرجعا السبب إلى التلاعب الذي تشهده مثل هاته السباقات، حيث أكد أن الخيل ذاته لا يمكن له أن يفوز في هذا السباق حتى يتمكن من المشاركة في السباق القادم، قبل أن يعود ويوضح أن حضوره السباق سيكون بمثابة الجرعة التي ستكفيه أسبوعا كاملا يقضيها في نشاط وحيوية، بالرغم من أن مشاركته كانت فاشلة.
أطباء وسيدات أعمال يملكون أكثر من 50 خيلا
في إطار إعدادنا لهذا العمل الصحفي، كشف لنا أحد المربين والمالكين للخيل ”شلالي سيد علي” أنه ومن بين المالكين الأثرياء مدير جريدة ناطقة باللغة الفرنسية، هذا الأخير الذي يتوفر على 50 خيلا في الجزائر وستة خيول في فرنسا، إلى جانب صهر وزير الصناعة شريف رحماني المالك لأكثر من 41 خيلا، إلى جانب أطباء ورجال أعمال وحتى سيدات أعمال من بينهم الآنسة ”ع” المالكة لأزيد من 20 خيلا، مشيرا إلى أن عملية التكفل بهذه الأحصنة تتم من خلال تأجير إسطبلات، كل إسطبل به 10 أجنحة، ويؤجر الإسطبل الواحد من 5 آلاف إلى 6 آلاف دينار جزائري شهريا.من جهة أخرى، أشار محدثنا إلى أنه مالك لخيلة من بينهم الخيل ”نوان” البالغ من العمر 9 سنوات، حيث قال إنه شارك في السباق الأول الذي ضم خمسة خيول كلها عربية أصيلة، شريطة أن تكون الأحصنة المشاركة لم تسجل ربحا بـ23 مليون سنتيم خلال الستة أشهر الأخيرة.
”قمارجي” فاز بـ22 مليارا ولا يملك 200 دج في جيبه لأن ”دراهم الريح يديهم الريح”
كان من الصعب علينا الحديث إلى ”قمّارين ” أو ”مراهنين”، بدعوى أنهم يرفضون التصريح، بحكم أن القمار حرام ويخافون من اكتشاف أمرهم من قبل عائلتهم، لأن أغلبهم يشاركون في مثل هاته السباقات في الظلام، غير أن إلحاحنا للظفر باعتراف حي، قادنا الى أحد القمارين المعروفين والقدماء في ميدان الخروبة، هذا الأخير الذي لم يتوان في كشف المستور، حيث أوضح أن سباقات الخيل كان لها طعم آخر في السنوات الماضية، غير أن طغيان التزوير والرشوة جعل سباقات الخيل تأخذ منحى خطيرا، بتدخل ”أصحاب الشكارة” الذين يتحكمون في عالم الخيل، كما أنه لم يخف أنه ”قمارجي” كبير ومن هواة الخيل، مشيرا إلى أنه و منذ أن دخل هذا العالم حصّل ثروة قدرت بـ22 مليارا، لكنه لم يفلح يوما ولم يرى الخير، فالمال الذي يفوز به يتبخر بطريقة عجيبة بصرفه في التفاهات والأسفار، قائلا إنه يعلم يقينا أن المال المكتسب حرام، مردّدا عبارة ”دراهم الريح يدّيهم الريح”.من جهة أخرى، كشف محدثنا الذي راح يوجه انتقادات لاذعة للقائمين على مضامير السباقات وكذا مسؤولي الرهان الرياضي، بالتلاعب بالأموال من خلال إبرام صفقات مع الفرسان ومع الملاك، وأنه بصفته ”مدمنا” على مثل هاته السباقات، يحصل له في العديد من المرات أن لا يجد المال الكافي كي ”يقمّر” به، ما يدفع به إلى الاستدانة من أصدقائه، لعل وعسى يكسب مالا يدر عليه ثروة.
كل كيلو يعادل مسافة في سباق الخيل.. والرصاص لبلوغ الفارس الوزن القانونية
”كل كيلو يساوي مسافة في سباقات الخيل” هكذا رد علينا محافظ السباق الدولي إبراهيم عبد العزيز، حيث أوضح أنه كلما كان وزن الفارس قليلا وخفيفا كلما كانت حظوظه في الفوز مع الخيل الذي يمتطيه كبيرة، قائلا إن هناك معايير لابد من احترامها، خاصة فيما يتعلق بوزن الفارس، حيث أشار إلى أنه وخلال كل سباق يتم وزن الفرسان وفي حال ثبت فارق في الوزن المحدد يجب عليه معادلته، وعن الطريقة التي تتم بها المعادلة، فقد أوضح أنه إذا تبين نقص في الوزن، يطلب من الفارس بإضافة أكبر قدر من الرصاص يوضع في حامل، ناهيك عن الحزام والسرج، ليتم فيما بعد إعادة وزنه حتى تمنح له الموافقة للمشاركة في السباق، قائلا إن الفرسان الذين لا يحترمون الوزن يخضعون الى عقوبات تتمثل في غرامات مالية.
؟65 بالمائة من عائدات السباق تكون لفائدة ”المراهنين” وسائق بـ”ايتوزا” فاز بـ120 مليون سنتيم
من بين الأشخاص الذين تمكنوا من تحصيل ثروات فاقت 120 مليون سنتيم، من خلال المشاركة في سباقات الخيل، سائق بشركة النقل ”ايتوزا”، هذا الأخير الذي فاز بمبلغ 120 مليون سنتيم بمجرد ضربة حظ وذلك عام 2007 حيث وفي هذا الإطار، أفاد الناطق الرسمي باسم المدير العام لشركة سباق الخيل والرهان المشترك شعبان بوجمعة أن مصالحه سجلت ”فائزين” سيبقون في التاريخ، من بينهم سالف الذكر، إلى جانب بطالين وعاملين عاديين تمكنوا من ربح مبالغ مالية لا تقل عن 90 مليون سنتيم، مشيرا إلى أنه وبعد كل سباق تتم عملية تحصيل الأرباح، حيث توزع نسبة 65 بالمائة على المراهنين الذين فازوا في السباق، في حين تمنح النسبة المتبقية مناصفة بين المؤسسة، الفارس والمالك، قائلا بخصوص السباق الذي أجري يوم السبت، تم إحصاء ما قيمته 300 مليون كمداخيل أولية. وعن كيفية تنظيم السباقات، فقد أشار ذات المتحدث إلى أن المديرية التقنية هي من يشرف على كل سباق، في اطار برنامج ثلاثي.
رئيس لجنة الإفتاء بالمجلس الإسلامي الأعلى لـ”النهار”:الانتفاع والتمتع بالخيل مشروط بما يرضي الله أما ما ينظّم من مسابقات فهو ميسر وقمار ”محرم”
كشف رئيس لجنة الإفتاء بالمجلس الإسلامي الأعلى الشيخ محمد شريف قاهر، أن الإسلام حث على الرياضة وتقوية البدن وحرص أيضا على الترويح عن النفس، قائلا أن الخيل من أجمل مخلوقات الله ولكن الانتفاع والتمتع بها مشروط بما يرضى الله من اللهو المباح، أما ما ينظم فى عصرنا الحالي من مسابقات الخيل تدخل فى صور الميسر والقمار والرهان المنهى عنه والمحرم. وأفاد الشيخ قاهر في اتصال هاتفي مع ”النهار”، أن الإسلام ينظر إلى المسابقة على الخيل في أصلها نظرة الرضى والتحريض؛ لأنها تعد وسيلة لنشر القوة والفتوّة والرياضة، مشيرا إلى أنه في سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يفيد أن هذه المسابقة كانت معروفة، كما أن الفقهاء اشترطوا أن تكون المكافأة من غير المتسابقين، كأن يقول الوالي أو غيره من الناس من سبق فله كذا من بيت المال أو من بيتي، لما في ذلك من فضيلة التحريض على المسابقة والتقوّي، وكذلك يجوز أن يكون من أحدهما، فيقول إن سبقتني فلك كذا، وأما من الطرفين فلا، لأن عقد المسابقة على مال باطل.