لن أنسى ذكرى أمي، ولا أتقبل قرار والدي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد… سيدتي الفاضلة نور، لا أدري كيف أشكرك على هذه الصفحة الغراء التي لا أفوت يوماً دون أن أبحر في عمق هموم الناس، والاستمتاع برونق ما تقدمينه كحلول، وهذا بالذات ما جعلني أقصدك اليوم علني أجد عندك حلاً أتعامل به أمام رغبة أبي المفاجئة في الزواج…سيدتي نور، أنا شاب ترعرعت وسط عائلة متراصّة ومتماسكة، نشأنا على مبادئ الاحترام والود، مع أم أغدقت علينا الحنان لم تتردد يوماً عن التضحية من أجلنا وفي سبيل إسعادنا، وهي كذلك نفس عاطفة أبي التي مزج فيها بين القساوة أحياناً والحب في أحيان أخرى، همه الوحيد في ذلك تلقيننا دروس الحياة، وتدريبنا على مبادئ المسؤولية، لكن وللأسف شاءت الأقدار وأنا في الثلاثينيات من العمر أن أفقد من كانت سندنا ودعمنا، ومن كانت تمدنا بالقوة للسير قدماً نحو الأفضل.تأثرت كثيراً لتلك المصيبة التي حلت بنا، لم أتقبل وفاتها لكنه القضاء والقدر ولا حيلة لنا أمام مشيئة الله، لكن سيدتي ليس هذا هو بيت القصيد، فبعد أن بدأت جروحنا تلتئم عاد أبي ونبش فيها بقراره المفاجئ بالزواج. فلا أنا ولا أختي نتصور أن تخلف مكانة والدتنا - رحمة الله عليها- امرأة أخرى تصول وتجول في البيت كيفما شاءت، أمر لا أتصوره تماما سيدتي، هذا ما جعلني أتخذ موقفاً من أبي وأتحاشى كل احتكاك معه في البيت. فالعائلة التي كانت متراصّة تفرح لفرح الآخر وتحزن لحزنه، تشتّتت وأصبح لكل منا أنا وأختي وأبي عالمه الخاص. أنا مضطرب جداً سيدتي ولا أدري ما العمل؟ فأنا من جهة لا أتقبل فكرة زوجة الأب التي ستعكر صفو حياتنا، ومن جهة أخرى ليس بوسعي التخلي عن آخر ما أوصتني به أمي أختي الصغرى. سيدتي، راودتني كثيراً فكرة الهروب لكن إلى أين وأنا عامل بسيط؟ أرجوك أنيري دربي، وكيف لي أن أتصرف حيال هذا القرار؟
“ج” من العاصمة.
الرد:
أخي الفاضل، لقد تأثرت كثيراً لما احتوته رسالتك ولما أصاب عائلتك، فالأم حقيقة ركيزة البيت لما تمثله من أمان واستقرار وسكينة، لكن مهما كان الجرح فلا يجب أن نطلق العنان لحزننا فالحياة بالرغم من كل شيء تستمر، والزمن كفيل بأن يداوي تلك الجراح.أخي أنا أتفهمك كثيراً، وأقدر حزنك على أمك التي كانت لك بمثابة الأمل في هذه الحياة، وهذا من نبل أخلاقك، لكن كذلك ليس من حقك أن تقسو على والدك الذي ضحّى من أجل راحتك والذي صنع منك رجلاً بأتم معنى الكلمة كما أسلفت الذكر، أخي ضع نفسك مكانه، هل يوجد في الحياة من يفهم الرجل أكثر من زوجته؟ صدقني إن الزواج قبل أن يكون متاعا في الحياة هو ستر ومشاركة للآلام، حاول أن تتفهم هذا الوالد وأن تساعده في العثور على بنت الحلال التي تصونه وتصونك وأختك، بدل تعطيل الأمور واختلاق العراقيل التي قد تؤدي بوالدك إلى سوء الاختيار، وبالتالي عوض أن تسعدوا وتشعروا بالهناء تكون قد شاركت والدك في تنغيص أيامه وأيامك أنت أيضاً، لأنني على يقين بأنك ستتألم لألم والدك بالرغم من كل شيء، وهذا ما عليك أخذه بعين الاعتبار منذ الأول قبل الوقوع في الندم.أخي، اعلم أن قرار والدك باتخاذ زوجة بعد وفاة أمك لا يعني بالمرّة أنه لا يكنّ لها الود والاحترام، ثم من أدراك بأن هذه المرأة التي ستدخل منزلكم ستكون ذات أخلاق رفيعة تصونك وتصون أختك وتكون لكما بمثابة الأم الحقيقية؟ لمَ حكمت مسبقاً أنها لن تتفهمك ولا أختك، واعتبرتها زوجة الأب قبل حتى أن تدخل البيت؟ أعلم جيداً أن مكانة الأم عالية وحبها شعور فريد من نوعه، لكن هذا لا يعني أن من سيتخذها والدك زوجة ستكون غير صالحة أو مصدر تنغيص وتعكير في منزلكم.أخي، إن طاعة الوالدين من طاعة الله، تودد لوالدك وأفرحه بقبولك الفكرة، تقرب كذلك من أختك وكن لها الأخ والصديق حتى تصون الأمانة التي تركتها والدتك، وأرجع لها البسمة وضع يدك في يد والدك حتى لا تترك لمن ستكون زوجته في المستقبل الهوة التي تمكنها من استغلال والدك وجعله في صفّها، استعن بالله في قرار والدك وكن سنده ودعمه لإكمال نصف دينه، كما أنصحك أنت أيضاً بالتفكير في ذلك حتى تعم الفرحة والبهجة منزلكم مرّة أخرى.
ردت نور.