أسرار اتفاقـية إيفـيان في وثائـق المخابـرات

الاتفاقـــية منحت الحصانة لجـنود الاحتـلال الفـرنسي من العــقاب
السفير المصري في موسكو زوّد البريطانيين بكل التفاصيل حول اتفاقية إيفيان
السوفيات تفاجأوا بحجم تنازلات الوفد الجزائري.. ولولا معارضة بومدين وجيش التحرير لكانت التنازلات أكبر
تكشف ”النهار”، بعضا من مضامين اتفاقية إيفيان، مثلما ورد في تقرير سري للمخابرات البريطانية، قامت بإعداده بناءً على معلومات ثمينة قدّمها السفير المصري في الاتحاد السوفياتي آنذاك. يقول التقرير السري للمخابرات البريطانية المؤلف من 4 صفحات، والمؤرخ في الثالث من شهر أفريل عام 1962 إن اتفاقية إيفيان التي توّجت مفاوضات إيفيان بسويسرا، نصّت في أولى بنودها؛ على اتفاق وقف إطلاق النار، حيث تقرّر بموافقة وفد الحكومة الجزائرية المؤقتة والوفد الفرنسي، المشاركين في المفاوضات، أن يبدأ وقف إطلاق النار يوم 19 مارس من عام 1962 على أن يتبع ذلك عفو شامل عن كافة عناصر جيش وجبهة التحرير الوطني من المساجين والمطلوبين، في غضون 20 يوما، إلى جانب اعتبار جبهة التحرير الوطني منظّمة سياسية شرعية.وبالنسبة للمرحلة الانتقالية، قالت الوثائق السرية للمخابرات البريطانية، إن الجزائريين والفرنسيين اتفقوا على أن يتم إجراء استفتاء لتقرير المصير في غضون 6 أشهر بعد وقف إطلاق النار، على أن يتم حرمان 30 ألفا من المجاهدين من جيشي الحدود في تونس والمغرب من المشاركة في الاقتراع.وكانت اتفاقية إيفيان تنص أيضا على وجوب تنظيم انتخابات عامة لاختيار مجلس وطني خلال 3 أسابيع من إعلان استقلال الجزائر، ونقل السيادة من سلطات الاحتلال الفرنسي إلى جيش التحرير الوطني.وفيما يتعلّق بمحور حول الحريات الفردية، تضمّنت اتفاقية إيفيان، حسب الوثائق البريطانية منع متابعة ومعاقبة أي فعل أو سلوك جرى ارتكابه أو رأي تم التعبير عنه قبل إجراء الاستفتاء على تقرير المصير، وهو ما يعتبر بمثابة شكل من أشكال الحصانة الممنوحة لفائدة قادة وجنود الاحتلال الفرنسي؛ لتجنّب متابعتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب.وكان المثير أيضا في بعض ما تضمنتّه بنود اتفاقية إيفيان، هو عندما تحدّثت عن حقوق الأقليات الأوروبية التي منحت لها حرية الاختيار بين البقاء في الجزائر وحمل الجنسية الجزائرية أو الاحتفاظ بالجنسية الفرنسية. وفي هذا الإطار، نصّت الاتفاقية على وجوب تشكيل محاكم خاصة يخضع لها المعمّرون الأوروبيون الذين يختارون البقاء في الجزائر، مع ضمان إشراكهم في الإدارة والحكومة على كافة المستويات، وهو ما يطرح السؤال حول سرّ اهتمام فرنسا برعاياها الذين يختارون التجرّد من الجنسية الفرنسية وحمل الجنسية الجزائرية.أما بالنسبة للمعمرين الذين يختارون الرحيل عن الجزائر والعودة إلى فرنسا، فإن الاتفاقية نصّت على السماح لهم بنقل ممتلكاتهم وأموالهم معهم، غير أن الاتفاقية لم تنصّ على الاطلاق على عودة المعمّرين ومطالبتهم باسترجاع ممتلكات بعد مضيّ سنوات.أما في الشقّ العسكري، تضمّنت بنود اتفاقية إيفيان التزام الحكومة الجزائرية المؤقتة بضمان بقاء الجيش الفرنسي في الجزائر لمدة 3 سنوات بعد الاستقلال، مع الشروع خلال تلك الفترة في سحب القوات بالتدريج، على أن يُسمح ببقاء 80 ألف جندي في الجزائر بعد مضيّ السنة الأولى بعد الاستقلال.وفيما يتعلّق بقاعدة المرسى الكبير والقواعد العسكرية في الجنوب، إلى جانب المطارات العسكرية، فقد نصّت الاتفاقية على وجوب التزام الجزائر ممثّلة في الحكومة المؤقتة، بأن تحتفظ فرنسا بتواجدها العسكري في قاعدة مرسى الكبير بوهران لمدة 15 سنة قابلة للتجديد، إلى جانب استمرارها في إجراء التجارب النووية في الصحراء الجزائرية لمدة 5 سنوات، واستغلال المطارات والمدارج العسكرية في بعض المناطق لفترات قابلة للتجديد.ونصّت اتفاقية إيفيان على أنه في حالة تسجيل خلاف بين الجزائر وفرنسا، فإن الطرفين سيلجآن إلى الإحتكام للقضاء الدولي ممثّلا في محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع.وقد تضمّنت الصفحة الأخيرة من الوثائق البريطانية السرية، تعليقات ومعلومات حول ردود الأفعال في العواصم الدولية إزاء اتفاقية إيفيان، حيث نقلت الوثيقة عن السفير المصري في العاصمة السوفياتية موسكو آنذاك، قوله، إن السوفيات تفاجأوا بحجم التنازلات الكبيرة التي قدّمها وفد الحكومة المؤقتة المشارك في مفاوضات إيفيان، لتضيف الوثيقة؛ أنه لولا تخوّف أعضاء الحكومة المؤقتة من ضغط وردّة فعل العسكريين من قادة جيش التحرير الوطني، مثل هواري بومدين، على تلك الشروط، لكانت تنازلات الوفد الجزائري أكبر بكثير.