الجزائر تحتفل بذكرى نوفمبر المجيد.. 65 سنة على كسر قيود الاستعمار الغاشم

تحتفل اليوم الجزائر، بالذكرى 65 لاندلاع الثورة التحريرية، وهو التاريخ الذي اختاره الشعب الجزائري لإطلاق أول رصاصة مقاومة.
تاريخ الفاتح من نوفمبر 1654، لم يكن عاديا في تاريخ الجزائر، ولا العالم، في تلك الليلة قرر الجزائريون كسر قيود الاستعمار الغاشم، والتضحية لاسترجاع الحرية التي اغتصبها الاحتلال.
جاء قرار الثورة بعدما وصلت الحركة الوطنية الجزائرية سنة 1954 إلى طريق مسدود بسبب أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
وكان قرار إعلان الثورة التحريرية هو المخرج الوحيد تبنته مجموعة من العناصر الشابة المتحمسة لخيار الكفاح المسلح، خاصة مع ملاءمة الظروف الدولية والإقليمية وحتى الداخلية.
وأسفرت اجتماعات اللجنة الثورية للوحدة والعمل عن الاتفاق على خوض غمار الثورة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي والبدء الفعلي في التخطيط لها.
ودعت إلى عقد اجتماع لدراسة المستجدات الجديدة واتخاذ موقف موحّد لإنقاذ المشروع الثوري.
واتفق الجميع على دعوة أعضاء المنظمة السرية المُلاحقين من طرف الإدارة الفرنسية والمتواجدين عبر أنحاء الوطن والمؤمنين بحتمية الكفاح المسلّح.
وانعقد هذا الاجتماع التاريخي في النصف الثاني من شهر جوان 1954 بمنزل المناضل إلياس دريش بحي المدنية بالجزائر العاصمة، وحضره كل من: مصطفى بن بولعيد - محمد بوضياف – العربي بن مهيدي – مراد ديدوش – رابح بيطاط – عثمان بلوزداد – محمد مرزوقي – الزبير بوعجاج – بوجمعة سويداني – أحمد بوشعيب – عبد الحفيظ بوصوف – رمضان بن عبد المالك – محمد مشاطي – عبد السلام حباشي – رشيد ملاح – سعيد بوعلي – يوسف زيغود – لخضر بن طوبال – عمار بن عودة – مختار باجي – عبد القادر العمودي، وهي المجموعة المعروفة تاريخيا باسم مجموعة الـ22.
وخلص الاجتماع إلى عدة قرارات الحياد أوعدم الدخول في الصراع بين المركزيين والمصاليين، والعمل على توحيد الصفوف بلمّ شمل المناضلين المتنازعين، وتدعيم وقف اللجنة الثورية للوحدة والعمل في أهدافها الثلاثة: الثورة – الوحدة – العمل، تفجير الثورة في تاريخ تحدده لجنة مصغرة، وانتخاب مسؤول يتولى تكوين لجنة مصغرة، وتم انتخاب محمد بوضياف مسئولا وطنيا وتكليفه بتشكيل أمانة تنفيذية تقود الحركة الثورية وتطبّق القرارات المتخذة في اللقاء.
واعتبارا من سبتمبر 1954، باشرت لجنة الإعداد للثورة (لجنة الستة) في تكثيف تحركاتها واتصالاتها داخل البلاد وخارجها، وعقدت سلسلة من الاجتماعات بالعاصمة لدراسة نتائج الاتصالات والتحركات، وقضية التنظيم السياسي والعسكري، وقضية السلاح والأموال وكيفية الحصول عليهما، ومواصلة الاتصالات بالأحزاب للتعرف على مواقفها فيما يخص تفجير الثورة.
وتم الاتفاق على إعادة تسمية اللجنة الثورية للوحدة والعمل ليصبح اسمها الجديد جبهة التحرير الوطني، ويشترط أن يكون الانضمام في صفوفها فرديا وليس حزبيا، وتم تسمية جناحها العسكري بـ “جيش التحرير الوطني”.
وتم تحديد تاريخ اندلاع الثورة التحريرية، بليلة الأول من نوفمبر 1954 لعدة أسباب منها أن عددا كبيرا من جنود وضباط جيش الاحتلال الفرنسي كانوا يقضون عطلة نهاية الأسبوع، ويليها احتفالهم بعيد القديسين، وهنا برزت أهمية استغلال عامل المباغتة والمفاجأة.
ولم يتجاوز عدد المجاهدين في ليلة أول نوفمبر عام 1954 نحو 1200 مجاهد، مسلحين ببنادق صيد وبنادق أوتوماتيكية من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وبحوزتهم قنابل تقليدية وسكاكين وفؤوس وعصي.
واستهدفت الهجمات الأولى مراكز قيادية للجيش الجزائري في العديد من المناطق ومن أبرزها الثكنات العسكرية، ومخازن الأسلحة ومراكز الشرطة والدرك، مزارع المستوطنين والوحدات الصناعية والاقتصادية، شبكات كهربائية، شبكات هاتفية وأعمدتها، نسف الطرق والجسور، حرق وسائل النقل وإعدام بعض المتعاونين مع السلطات الاستعمارية.
وبلغ عدد العمليات ضد الأهداف الفرنسية ليلة الأول من نوفمبر 1954 نحو 30 عملية أسفرت عن العديد من القتلى والجرحى إضافة إلى خسائر مادية كبيرة.
وبالتزامن مع انطلاق الثورة، صدر أول بياناتها، بيان الأول من نوفمبر 1954، الذي يعتبر أول وثيقة للثورة الجزائرية، وجهته جبهة التحرير الوطني إلى الشعب الجزائري بجميع انتماءاته مساء 31 أكتوبر 1954 ووزّعته صباح أول نوفمبر، حددت فيه قيادة الثورة مبادئها ووسائلها، ورسمت أهدافها المتمثلة في الحرية والاستقلال ووضع أسس إعادة بناء الدولة الجزائرية والقضاء على النظام الاستعماري.
وأوضحت الجبهة – في البيان – الشروط السياسية التي تكفل تحقيق ذلك دون إراقة الدماء أو اللجوء إلى العنف، كما شرحت الظروف المأساوية للشعب الجزائري والتي دفعت به إلى حمل السلاح لتحقيق أهدافه الوطنية، مبرزة الأبعاد السياسية والتاريخية والحضارية لهذا القرار التاريخي.
وظل هذا البيان نبراسا للثورة الجزائرية التي دعمتها عدة دول عربية وفي مقدمتها مصر، التي قدمت دعما غير محدود سياسيا وعسكريا واقتصاديا وفنيا للثورة الجزائرية، أدى إلى مشاركة فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
إن احتفال الجزائر بهذه الذكرى من أهم ما تحرص عليه الأجيال المتعاقبة، لتذكر صورة ومعاني التضحيات التي قدمها الأجداد.