الذهــب الــمـرهــون لـلـبــيــع

البنوك الخاصّة بالرّهن تشهد تدفّقا من طرف العائلات مع حلول شهر رمضان
كشف مصدر مسؤول ببنك التنمية المحلية، عن أن مصالح هذه الأخيرة تُحضّر لتنظيم عملية بيع بالمزاد العلاني للجواهر التي تم رهنها على مستوى الـ”بي دي آل”، مفيدا أن عملية البيع ستخصّ هذه السنة الجواهر التي رُهنت عام 1999 على أن يتم تعميم العملية على مستوى باقي الوكالات عبر الوطن.وفي المقابل، أفاد المرجع ذاته، أن الجواهر التي ستعرض في المزاد العلاني بعدما تعذّر على أصحابها استرجاعها بسبب ارتفاع قيمة الفوائد، ستُعرض على المواطنين، كما سيتم توجيه 3 استدعاءات رسمية للمالكين لها لحضور العملية.وأكد مصدر ”النهار”، أن بنك التمنية المحلّية يعرف إقبالا كبيرا للأمّهات من أجل الرهن من أجل الحصول على قرض لتغطية مصاريف الشهر الفضيل، قبل أن يعود ويوضّح أن البنك ذاته لا يحجز على الجواهر وإنّما يعرضها في مزاد علاني.
الأمّهات ”تضحّي” بذهبها مقابل 1000 دج للغرام لتوفير ”لقمة” في رمضان
وعلى ضوء هذا، قامت ”النهار”، بجولة استطلاعية على مستوى وكالة بنك التمنية المحلية بالرويسو وبساحة الأمير عبد القادر، أين التقينا بسيدات وأمّهات، قالت ”المعيشة غالية.. الخدمة ما كانش.. عندي ليتامي لازم ياكلوا ويشربوا ومعنديش شكون يعاوني… سنسلة ذهب بـ11 غرام.. قيّموهالي بمليون و200 واش ندير بيها، نروح نبيعها وخلاص”…هكذا ردّت بعض الأمّهات التي قالت إن غلاء المعيشة دفع بهنّ إلى بيع أو رهن جواهرهن حتى تتمكّن من توفير أدنى شروط الحياة من أكل وشرب، خاصة مع حلول شهر رمضان الذي يتطلّب ميزانية خاصة.. ميزانية تعجز العائلات الجزائرية عن سدّها لتلجأ إلى الاستنجاد بالبنوك المختصّة في رهن الذهب، من بينها بنك التنمية المحلية الكائن بالرويسو الذي يعرض على المواطنين رهن جواهرهم مقابل مبلغ مالي يعدّه بعضهم زهيدا، في حين يجده بعضهم الأخر الحل الوحيد الذي يُمكّنهم من التضحية بجواهراهم مقابل إمكانية استرجاعه.وفي هذا الإطار، وبعد أن تمكّنا من التسلّل إلى داخل البنك، صادفتنا عجوز طاعنة في السن جالسة في الطابور، كانت ترتدي حجابا رماديا وخمارا أبيض، واضعة نظارات ومرتدية خفّا، هذه العجوز التي كانت جالسة وهي مطأطئة الرأس مربّعة اليد؛ تنتظر دورها.. في بداية الأمر تردّدت في الحديث إليها؛ لأني لمحتها شاردة الذهن، لكن وبعد أن همستها خفية من أن ينكشف أمرنا من طرف الحراس، سألتها عن سبب جلوسها في الطابور فقالت، ”جيت مع عروستي”، ثم سكتت.. أعدت عليها طرح نفس السؤال، فقالت، ”جيت مع عروستي؛ جات ترهن ذهبها”، هذه الأخيرة وبمجرد سماعها لي، استدارت وراحت تتحدّث، ”يا ختي المعيشة غالية.. ما لحقتش.. عليها جيت نرهن ذهبي باش ناكلوا”، غير أنه وفي هذه الأثناء تدخّل عون الأمن وقام بإخراجنا من قاعة الانتظار، أين بقينا في الخارج نترقّب خروج بعض السيّدات، وما هي إلا لحظات لتخرج سيّدة مهرولة تصاحبها سيدة أخرى، فتقرّبت منهن للسؤال عن سبب وجودها بالبنك، فقالت، ”جيت مع عجوزتي ترهن ذهبها”، وكانت تقصد العجوز التي التقيناها سابقا، ”عجوزتي مسكينة تربّي اليتامى وليس لها مدخول، لذلك صاحبته لترهن ذهبها”.. وغير بعيد عنها، استوقفتنا سيّدة أخرى كانت ملامح التوتر والقلق بادية على وجهها، حيث ردّت بعد تبادل أطراف الحديث معها، أنها متأسّفة لأنها لم تفلح في رهن العقد الذهبي، وأوضحت، ”عندي سنسلة بـ11 غرام.. قوموهالي بمليون و200”، تسكت ثم تقول، ”مليون و200 واش ندير بيها.. نروح نبيعها وخلاص، على الرغم من أنها عزيزة عليّا”، قبل أن تعود وتوضّح، ”واللّه غير عييت.. الخدمة ما كانش حتى باش نخدم منظّفة ما لقيتش واش ندير.. كلّش غالي والدراري لازم يشبعوا خاصة في رمضان”.
الذهب المرهون لا يُحجز بعد انقضاء المدّة ولكن نسبة الفوائد تتضاعف
وفي المقابل، سعت ”النهار”، إلى الاستفسار عن عملية الرهن والمراحل التي تمرّ بها على مستوى بنك التنمية المحلية الكائن مقرّه بالرويسو، لكننا قوبلنا بعراقيل حالت دون وصولنا إلى المديرة؛ بدعوى أن هذه الأخيرة مريضة وغادرت مكتبها، غير أنه على الرغم من ذلك توصّلنا إلى ”سرقة” بعض المعلومات من إحدى الموظّفات التي أفادت أنه وخلال هذه الفترة، خاصة مع اقتراب حلول شهر رمضان؛ تعرف وكالتهم تدفّقا كبيرا للعائلات التي تقوم برهن ذهبها حتى تتمكّن من اقتناء الحاجيات الخاصة بالشهر الفضيل، مشيرة إلى أن الغرام الواحد الخاص بعميلة الرهن يُقدّر بـ1000 دينار جزائري.وعن سيَران العملية، فقد أشارت محدّثتنا، إلى أنه وبعد التأكّد من سلامة الحواهر التي لابدّ أن تكون حاملة لدمغة العنب، يتم وزنه لتقدير المبلغ المالي الذي يُسلم إلى صاحبه، وعليه يتم إبرام عقد مدّته 3 سنوات، يُشترط فيه أن يقوم الزبون بتسديد الفوائد أو كما يُعرف بـ”التجديد” كل 6 أشهر؛ على أن تكون نسبة الفوائد بـ4 من المائة، لكنه في حال انقضاء المدّة المحدّدة بـ3 سنوات، وصاحب الجواهر لم يتقدّم من أجل استرجاعه؛ يتم إرسال إعذارات بهدف تسوية الوضعية، مؤكدة أنه في هذه الحالة لا يتم الحجز وإنّما تتضاعف نسبة الفوائد.
مصلحة الرّهن تعرف ازدحاما في رمضان ومصلحة الاستخراج تنتعش في الأعياد
وفي المقابل، قالت إحدى الموظّفات، إن مصلحة القرض على الرهن تعرف إقبالا كبيرا من طرف العائلات؛ خاصة في رمضان، وباقي المناسبات في حين تتوقّف عملية استخراج الذهب المرهون من طرف مالكيه، مشيرة إلى أن عمليات الاستخراج تنتعش أكثر وأكثر خلال الأعياد، حيث تلجأ العديد من السيّدات إلى استرجاع الجواهر التي ترهنها لترتديها كحلّة في الأعياد.
بنك التنمية المحلية لا يردّ
حاولت ”النهار” الاتّصال في العديد من المرّات بمسؤولي بنك التنمية المحلية لمعرفة تفاصيل أكثر حول عملية البيع في المزاد العلاني، وكذا الحصول على إحصائيات حول رهن العائلات للجواهر؛ غير أننا لم نتمكّن من ذلك.