المستشفيات الجزائرية تحت رحمة الشيوخ !

رئيس مصلحة طب الأطفال بمستشفى مصطفى باشا عمره 80 سنة.. وتساؤلات حول أسباب تهميش الدكاترة الشباب
أعمارهم تجاوزت سقف السبعين، ولايزلون يتولون رئاسة المصالح على مستوى المستشفيات، بعضهم تدهورت حالتهم الصحية لدرجة عجزهم عن الحراك والإشراف على مراقبة ما يجري في مصالحهم، والبعض الآخر يقصد المستشفى بحفاظات للبالغين، على الرغم من وجود أساتذة في الطب في ريعان الشباب، إلا أنهم يصلون سن التقاعد، ولا يتولون رئاسة المصالح، لأن الشيوخ الذين يحكمونها لا يبرحون مكانهم. وبالنظر لعدد الكبير للأساتذة رؤساء المصالح الهرمين في السن، الذين يتحكمون في تسيير المستشفيات كلها، لدرجة أن المديرين الذين يتوالون على تسييرها لا سلطة لهم عليهم، ارتأت ”النهار”، معالجة موضوع رئاسة المصالح والشيوخ الذين يتولون تسييرها منذ أزيد من ثلاثة عقود، لدرجة ان الأساتذة الشباب المقدر عددهم بـ250 أستاذ لم يتجاوزوا سن الـ 45 سنة، في انتظار توليهم لمنصب رئاسة المصالح، الذي لا يخضع لمبدأ التداول. وفي هذا الشأن، تشير وثيقة تحصلت عليها ”النهار”، تتضمن بالتفصيل أسماء وتواريخ ميلاد أساتذة الطب الجامعيين على مستوى مستشفيات العاصمة، إلى أن 18 رئيس مصلحة هم من مواليد الثلاثينات، فيما يقدر عدد الأساتذة الذين تجاوزت أعمارهم 60 سنة 150 رئيس مصلحة، لايزالن إلى غاية يومنا هذا يسيّرون مصالح حساسة جدا، ومن بينهم من يتولون رئاسة المجالس العلمية، التي تحولت لحلبة مصارعة لتصفية الحسابات بين الأساتذة، الذين لم تتم إحالتهم على التقاعد بالرغم من أن القانون واضح في هذا الشق.
17 بروفيسور تجاوز السبعين بمستشفى مصطفى باشا
الأمثلة كثيرة لا عد ولا حصر لها، فالمستشفى الجامعي مصطفى باشا الجامعي، الذي يضم أزيد من 40 مصلحة، يضم 17 رئيس مصلحة تجاوزوا السبعين حسب الوثيقة، أكبرهم من مواليد 13 ديسمبر 1932، إذ يتولى رئاسة مصلحة طب الأطفال، وكذا رئيس مصلحة أمراض الأعصاب بذات المؤسسة الذي هو من مواليد 24-12-1932. أما المستشفى الجامعي لمين دباغين، فيضم أربعة أساتذة تجاوزت أعمارهم السبعين عاما، لم تتم إحالتهم على التقاعد ،وفي السياق ذاته، يضم مستشفى نفيسة حمود الجامعي بارني سابقا، 5 أساتذة تتراوح أعمارهم ما بين 69 و73 سنة.
مديرو مستشفيات ”خضرة فوق الطعام”..!
وعلى الرغم من أنه من المفروض أن تكون قرارات مديري المستشفيات هي الفاصلة، إلا أنهم تحولوا إلى ”خضرة فوق الطعام” بأتم معنى الكلمة، إذ يتحكم فيهم الأساتذة الشيوخ بحكم أقدميتهم ودرجتهم العلمية، لدرجة أن المدير العام ليست لديه أية صلاحية عليهم. وفي هذا الشأن أكد مديرو المستشفيات والمؤسسات الاستشفائية ممن تحدثت إليهم ”النهار”، أنه لاحول ولا قوة لهم أمام الضغوطات التي تمارس عليهم، حيث يتكتلون ضمن جماعات ضاغطة تبسط نفوذها عليهم، بطريقة لا تسمح لهم بالاعتراض على مطالبهم، والنتيجة تكون تزويد مصالحهم بأحدث العتاد الطبي وأحسنه.
مجالس علمية استشارية تتحول إلى مجالس تنفيذية
وبحكم أقدمية الأساتذة رؤساء المصالح المتقدمين في السن، يتولى هؤلاء رئاسة المجالس العلمية بالمستشفيات الجامعية، والطبية بالمؤسسات الاستشفائية، وعلى الرغم من طابعها الاستشاري، إلا أنها تحوّلت إلى مجالس تنفيذية تتخذ القرارات التي تكون من صلاحية الإدارة العامة، وفي غالب الأحيان تتحول إلى مجلس تأديبي، لتصفية الحسابات بين الأساتذة، وفي هذا الشأن أجمع مديرو المستشفيات، ممن تحدثت إليهم ”النهار” على أنّهم عاجزون عن مساءلة أي أستاذ، كونهم ”مافيا” حقيقة يجب تفاديها، لا يمكن تسليط أي نوع من العقوبات عليهم.
وزارتا الصحة والتعليم العالي غير معنيتين بملف تقاعد أساتذة الطب
من جانبها حاولت ”النهار” الاتصال بكل من وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات للاستفسار حول ملف تقاعد أساتذة الطب، إلا أن مصدرا مأذونا رفض الكشف عن هويته اعتبر المسألة حساسة، ومرتبطة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كون الأستاذ الاستشفائي الجامعي يعمل في المستشفى ويشرف على تكوين أطباء جدد، نفس الإجابة تلقتها ”النهار” عند الاتصال بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ليبقى الملف معلقا إلى اجل غير مسمى.
الأستاذ ناصر جيجلي، رئيس نقابة أساتذة الطب:”لابد من إحالة الأساتذة الكبار في السن على التقاعد ولكن بشروط”
من جهته، أكد البروفيسور ناصر جيجلي، رئيس النقابة الوطنية للأساتذة والأساتذة المحاضرين في العلوم الطبية، أنه لابد من مناقشة سن التقاعد الخاص بالأساتذة، المحدد بـ65 سنة. وقال البروفيسور من خلال الحوار القصير الذي أجرته معه ”النهار”، أن العملية لابد من أن تتم، لكن ليس بطريقة عشوائية.
يتولى في الوقت الحالي العديد من الأساتذة الطاعنين في السن رئاسة مصالح حساسة، ما موقفكم حيال ذلك؟
بالفعل، المسألة واردة، إذ يوجد أساتذة في الطب رؤساء المصالح تجاوزوا السن القانونية للعمل، ولابد من أن تتم إحالتهم على التقاعد، وأود أن أؤكد أن الأمر لا يجب أن يقتصر على أساتذة الطب فقط، بل لابد أن يشمل كل الفئات التي وصلت إلى سن التقاعد، وفي هذا الشق لابد من تطبيق القانون، وأن يحال كل أستاذ بلغ سن التقاعد المحدد بـ 65 سنة، إذ تجاوزه العديد منهم، لأنه من غير المقبول أن يتولى أستاذ رئاسة مصلحة إلى الأبد.
كان من المفروض أن تتم برمجة مسابقة رئاسة المصالح الشهر الماضي، إلا أنه تقرر تأجيلها إلى موعد آخر، لماذا؟
صحيح، تقرر تعليق المسابقة، والكل يرمي الكرة إلى مرمى الطرف الآخر، فوزارة الصحة تقول إن الموضوع قيد الإنجاز، ووزارة التعليم العالي تقول الشيء ذاته، ولكي يتولى رؤساء مصالح جدد مهامهم، لابد من فتح المناصب في كل المستشفيات، وتسوية وضعية الأساتذة، الذين لا يجب إحالتهم على التقاعد مباشرة وبشكل عشوائي، لان الجزائر تملك أساتذة لامعين في الطب، وخبرتهم الكبيرة في المجال لاتضاهى.
ولكن هل القدرات العقلية للأساتذة تسمح لهم بالعمل إلى غاية السبيعين؟
بالتأكيد، وأود أن أنوه إلى نقطة هامة، هو أنه يوجد رؤساء مصالح لم يصلوا سن التقاعد ويعانون من مشاكل واضطرابات لا تسمح لهم بمزاولة مهامهم، بالإضافة إلى ذلك نحن لانطبق القوانين، لأن الأساتذة لابد أن يكونوا محل تقييم ومساءلة، ولكن الواقع عكس ذلك.