الهجرة من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا… تسونامي يرعب الإنجليز
علنت الحكومة البريطانية قبل عام أن عدد المهاجرين العاملين بالمملكة المتحدة بلغ ثمانية مائة ألف شخص، رقمٌ ضخم قارب المليون إلا أنه لم يكن صحيحا؛
فالحكومة أخفت العدد الحقيقي للمهاجرين الجدد تخوفا من ردة فعل الشارع البريطاني الذي فقد مئات الآلاف من الوظائف؛ وصار حصوله على سكن بسعر مقبول من سابع المستحيلات خصوصا في العاصمة لندن؛ فالهجرة الكبيرة غيرت الكثير من نمط عيش الإنجليز حيث تحوّل بلدهم إلى قبلة للمهاجرين من جميع دول العالم، بما فيها دول بعيدة كأستراليا والأرجنتين وجنوب إفريقيا والصين.
المهاجرون بالأرقام:
حسب الأرقام الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة على لسان وزيرة العمل كارولين فلينت فإن عدد العمال الوافدين والمسجلين لدى وزارة الداخلية بلغ مليونا ومائة ألف شخص! كارولين طمأنت الإنجليز بأن سوق العمل لا يزال بحاجة إلى المزيد من اليد العاملة ويتوفر عل ستة مائة وستين ألف منصب شاغر فلا داعي للقلق.
ورغم التوافد الكبير لليد العاملة منذ عملية توسيع الإتحاد الأوروبي شرقا فإن اليد العاملة الأجنبية تشكل نسبة ثمانية إلى تسعة بالمائة من أصل تسعة وعشرين مليون ومائة ألف عامل بريطاني. ويبلغ عدد الوافدين من دول أوروبا نصف رقم المليون الذي أُعلن عنه, أما النصف الثاني فيشمل عمالا هاجروا إلى بريطانيا من كندا؛ الولايات المتحدة، استراليا، نيوزيلاندا، وجنوب إفريقيا.
أوروبا الشرقية والوافدون الجدد:
تشير أرقام المركز الوطني البريطاني للإحصاء الصادرة في خريف هذا العام إلى أن ستة عشر ألف مهاجر من أوروبا الشرقية يصلون إلى بريطانيا كل شهر منذ توسيع الإتحاد الأوروبي في ماي عام ألفين وأربعة وقد وصل عدد إلى أربعة مائة وسبعة وعشرين ألف مهاجر، كما تشير أيضا إلى أن نسبة أربعة وستين في المائة من المهاجرين القادمين من دول أوروبا الشرقية يستحوذ عليها البولنديون فيما يمثل اللتوانيون نسبة أحد عشر في المائة ويتقاسم النسب المتبقية مواطنو دول مثل بلغاريا، رومانيا، المجر، تشيكيا، وغيرها من دول ما اصطلح عليها أوروبا الجديدة.
الإحصائيات تقول إن عدد البولنديين الذين انتشروا في كل المدن البريطانية وصل إلى ثلاثين ألف مهاجر باحث عن العمل في أسكوتلاندا وحدها، وفي مدينة gedling التي تقع في الوسط تعدى رقم البولنديين ألفين وثلاثة مئة مهاجر في تلك المدينة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها مئة واثني عشر ألف نسمة.
لكن وزارة العمل اعترفت بأن هؤلاء يعملون خمس مرات أكثر مما يعمل الإنجليز , وتبقى العاصمة لندن تضم أكثر نسبة للمهاجرين، وفي ظل عدم تسجيل أنفسهم لدى وزارة الداخلية فإن الأرقام على أرض الواقع تفوق بكثير الأرقام المعلنة.
المهاجرون الجدد لا يرتكزون في مدينة واحدة فهم أشبه بالبدو الرحل في سعيهم وراء العمل غير أن مدن مثل : London, Northampton, boston تشهد كثافة عالية لهؤلاء نظرا لاستقرار سوق العمل , وحسب الإحصائيات فإن نسبة أربعة وتسعين في المائة من أعمار المهاجرين تتراوح ما بين ثمانية عشر وأربعة وثلاثين عاما.
وظائف شاغرة:
يحترف البولنديون إلى جانب الألبان حرفة البناء؛ فالعاصمة لندن تحتاج على الأقل إلى مليون سكن لتلبية حاجيات الطلب على السكنات في المنظور القريب , خصوصا وأنها تتأهب لاستضافة أولمبياد عام ألفين واثني عشر، وأمام احترافية البولنديين العالية في مجال البناء والدهن والسباكة فإنهم سيطروا على هذه السوق منذ أعوام، بل تعدى الأمر إلى تأسيسهم شركات متوسطة الحجم تعنى ببناء المنازل والمحلات، وبما أن هؤلاء أقلية وسط بحر من المهاجرين فإنهم يجلبون أبناء بلدهم للعمل في هذه الشركات لممارسة الاحتكار وصد الأقليات الأخرى أمام دخول هذه السوق.
حرفةٌ أخرى عزف عنها الإنجليز ووجد فيها المهاجرون الجدد مصدرا للرزق هي العمل بالحقول وجني المحاصيل، ويتنافس على هذه الحرفة مهاجرون مستواهم التعليمي متدني ويأتون من بلدان عدة إضافة إلى بولندا فأغلبيتهم من الدول التي انضمت إلى الإتحاد الأوروبي مطلع هذا العام وهي رومانيا وبلغاريا .
هذا عن الشباب أما بالنسبة للإناث سواء من بولندا أو دول أخرى وعلى رأسها لاتفيا و ليتوانيا و تشيكيا فإن العاملات يتوزعن بين العمل كنادلات في الحانات والمقاهي والمطاعم أو كخادمات للبيوت حيث أصبح أصحاب المحلات يفضلون البنات من أوروبا الشرقية لخدمة زبائنهم واستغنوا عن خدمات الرجال من الإسبان والإيطاليين والفرنسيين وحتى الجزائريين , حيث يلعب الجمال الفيزيولوجي دورا هاما في جلب الزبائن وجودة الخدمة, كما أن تلك المهاجرات يشتغلن دون كد, ويقبلن بأبخس الأسعار، فالوضع الاقتصادي في بلدانهن سيئ , فهن يقبضن أجورهن نقدا دون دفع الضرائب.
أما عن الماهية فأقل أجرة يتقاضينها لا تقل عن سعر خمسة جنيهات ونصف في الساعة , ما يساوي نحو سبعة إلى ثمانية أورو.
المهاجرون يفرضون ثقافتهم
نظرا للعدد الهائل من المهاجرين الذي يصل شهريا إلى بريطانيا خصوصا إلى العاصمة لندن, فقد بدأ المهاجرون يشكلون تجمعاتهم الخاصة بهم , ففي أحياء في شمال لندن نلاحظ تواجدا كثيفا لهؤلاء المهاجرين , وفي بعض الأحيان لا يسمع اللندنيون إلا اللغة البولندية أو الليتوانية فيبدو وكأن الشوارع خلت من الإنجليز, هذه الوضعية الجديدة أفرزت واقعا جديدا, فبالإضافة إلى المطاعم والمقاهي والحانات التي يتجمع فيها المهاجرون , ظهرت محلات وسوبر ماركات تختص في بيع السلع والمأكولات الخاصة بهم , حتى أن البولنديين يستمتعون بقضاء إجازتهم الأسبوعية في المركز البولندي الضخم في شارع كينغ ستريت kings st شمال لندن, والذي يحتوي على قاعات مسرح وسينما وأخرى مخصصة للنشاطات الاجتماعية بمختلف أنواعها هذا ناهيك عن الإذاعات المحلية التي تنتشر كالفطر وتهتم بمشاكل تلك الجاليات .
الجريمة والدعارة وأشياء أخرى
الحديث عن العمال المهاجرين يقودنا إلى مشاكلهم التي بدأ ينزعج منها أهل البيت , فليس كل المهاجرين يكدون لتحسين أوضاعهم الاجتماعية , فشرطة اسكوتلانديارد بين الفينة والأخرى تقوم بعمليات اقتحام لمحلات تحمل عناوين مثل تقديم الماساج أم الخدمات العامة والهجرة, لتكتشف أنها محلات للدعارة, فهناك عصابات تقوم بخطف البنات القاصرات وحتى الأولاد في دول أوروبا الشرقية وتجلبهم إلى بريطانيا بغرض استعمالهم في ما يسمى بتجارة الرق، وتشكل هذه العصابات جزءا من مافيا دولية تحترف التجارة في الرق الأبيض.
ولتبيض الأموال حيز في نشاط تلك العصابات القادمة من بلغاريا وروسيا والصين التي تُخفي الأموال المسروقة في تجارة شراء وبيع العقارات أو في تداول الأسهم في البورصة أو في شراء النوادي الرياضية الإنجليزية, وتعتبر جزيرة جيرسي jersey الإنجليزية ( موناكو بريطانيا) المعفاة من الضرائب جنة لهؤلاء ومنطلقا لعملياتهم المشبوهة .
الحكومة غير قلقة
رغم كل هذا فإن الحكومة البريطانية غير قلقة وتنظر إلى هجرة اليد العاملة إلى بريطانيا عاملا مهما في ازدهار الاقتصاد، فهؤلاء المهاجرون يعملون في وظائف رفضها الإنجليز, كما أن أي مهاجر يحتاج إلى دفع تكاليف السكن والنقل والأكل والضرائب وهي كلها أموال ترجع إلى الخزينة البريطانية بصيغة أو بأخرى ما يضمن الدورة الاقتصادية السليمة.