رئاسة الجزائر لمجلس الأمن الأممي: مكاسب دبلوماسية ملموسة ودور محوري على الساحة الدولية
عزّزت الجزائر، خلال رئاستها لمجلس الأمن الأممي لشهر يناير 2025ـ حضورها على الساحة الدولية كطرف مؤثر وفاعل في مراكز صنع القرار داخل المحفل الأممي. بعد انتزاعها لمكاسب دبلوماسية ملموسة بفضل مقاربتها القائمة على المرافعة عن القضايا العادلة والحرص على إيجاد حلول سلمية للنزاعات والإسهام في رسم معالم نظام دولي يكرِّس السلام المستدام في العالم.
وقد شكّلت عهدة الجزائر على رأس الهيئة الاممية نقطة تحول جوهرية في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية التي ألقت بكل ثقلها في التعاطي بفعالية مع القضايا الدولية والإقليمية كصوت قوي مرافع عن الشعوب المضطهدة. وذلك تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.
فعلى صعيد الشرق الأوسط، أخذت الدبلوماسية الجزائرية على عاتقها زمام المبادرات بالدعوة إلى عقد اجتماعات من أجل الدفع بالحلول السياسية تحت مظلة الأمم المتحدة. متمسكة بمبادئها القائمة على احترام سيادة الدول ورفض التدخلات الأجنبية، حيث نجحت في تمرير العديد من القرارات وصفت بعضها بـ”السابقة” في تاريخ المحفل الدولي.
وفي هذا السياق، عقدت الجزائر 16 اجتماعا منها لقاءات طارئة تصدرها العدوان الصهيوني على قطاع غزة, اذ رافعت بجرأة عن الشعب الفلسطيني، وفضحت بشاعة إبادته على مرأى ومسمع العالم، وأدانت تهديداته بإغلاق وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، مشددة على ضرورة تثيبت وقف الاطلاق في غزة، بما يساهم في إطلاق مسار سياسي تحت رعاية أممية لإيجاد تسوية عادلة ونهائية لهذا الملف الشائك.
وفيما يتعلق بلبنان وسوريا واليمن، طالبت الجزائر بنصرة هذه الدول التي تتعرض لأزمات نتيجة لتداعيات عدوان الاحتلال الصهيوني على فلسطين والوقوف إلى جانبها أمام اعتدائه المتواصلة.
وانطلاقًا من مبادئها في الدفاع عن إفريقيا من داخل المنبر الأممي وإسماع صوتها عاليا في المحفل الدولي، نظمت الجزائر 9 اجتماعات تناولت التحديات الأمنية والاقتصادية التي تؤرّق دول القارة.
وبهذا الخصوص، دعت الجزائر إلى حوار شامل في السودان يضمن انتقالا سياسيا سلسا وينهي نزاعًا يعَدُّ “من أعنف النزاعات في قارة إفريقيا”. معربة عن رفضها “المطلق” للتدخلات الخارجية التي أطالت أمد الأزمة بهذا البلد.
كما كان للملف الليبي نصيبُه من جهود الدبلوماسية الجزائرية التي تمكنت بفضل حنكتها من انتزاع قرار تاريخي بإعادة استثمار الأصول الليبية المجمدة في المنظمات المالية الدولية والحفاظ عليها لدعم استقرار الشعب الليبي. فيما واصلت الدفاع باستماته عن القضية الصحراوية في اطار احترام الشرعية الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة.
وبمبادرة من الجزائر، توِّج الاجتماع رفيع المستوى حول مكافحة الإرهاب في إفريقيا الذي ترأسه وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، بتكليف من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ببيان رئاسي في سابقة تمثل “اعترافا” على أعلى مستوى دولي يكرّس دور رئيس الجمهورية بصفته “نصير الاتحاد الإفريقي للوقاية من الإرهاب”.
وفي خطوة حاسمة، اعتمدت لجنة مكافحة تمويل الارهاب بمجلس الأمن الدولي ما يعرف بـ”المبادئ التوجيهية للجزائر”، ما شكَّل “إرثا ملموسا لهذه العهدة” و”إسهاما تاريخيا” في تعزيز السلم والأمن الدوليين.
ومن هذا المنطلق، أشار السيد عطاف إلى “المسؤولية الكبرى” الملقاة على الجزائر في مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بمكافحة آفة الارهاب في إفريقيا, محذرا من أن التهديد الذي يشكله الإرهاب على القارة “ارتفع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، في تطور حقيقي بين الجماعات الإرهابية في القارة”.
وحرصًا منها على الاطلاع بدورها بكل “مسؤولية وتفانٍ”، عملت الدبلوماسية الجزائرية على إقحام ملفات أخرى ضمن أجندتها على مستوى مجموعة A3+ وتتعلق بالأوضاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية وكولومبيا مرورا بهايتي وميانمار، داعية إلى ضرورة تقديم الدعم الدولي للتوصل إلى تسوية سياسية لهذه النزاعات المستعصية.
وقد كانت رئاسة الجزائر لمجلس الأمن طيلة شهر كامل ناجحة بكل المقاييس، وهذا باعتراف دولي ثمَّن جهودها المُضنية وبصمتها المميزة في إدارة الملفات العالقة وتحقيق توافقات دولية حولها. بينما أثبتت الجزائر-التي تنهي عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن في 31 ديسمبر الجاري-مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة في القرارات الاممية الوازنة داخل المنبر الأممي، لتبرهن بذلك على أن ولايتها كانت فعلًا “ولاية الوفاء لقيم ومبادئ العدالة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة, مثلما أراد رئيس الجمهورية”، وفق ما صرَّح به عطاف.