على الرغم من أني ضحيت بالغالي والنّفيس لأجله إلا أنه يحمّلني مسؤولية خلعي لوالده

لم يكن إقدامي على طلب الخلع منه إلا بعد أن استحالت حياتنا معا، فهو مثال للرجل المستهتر اللاّمسؤول، الذي اكتشفت فيه بعد زواجنا على الرغم من قصة الحب العنيفة التي جمعتنا؛ أنه لا يصلح ليكون زوجا ولا حتى أبا للطفل الذي كنت أحمله في أحشائي، فآثرت على نفسي أن أدفع مبلغا معتبرا حتى أستعيد حرّيتي، فعدت خائبة إلى بيت ذويّ الذين حذّروني من مغبّة الزواج مرة أخرى من رجل قد لا يعجبني فأنهج معه نفس ما انتهجته مع زوجي الأول الذي سرعان ما اختفى من الوجود بعد الفضيحة التي ألمت به وبعائلته، فكيف له وهو الرجل الذي لا ينقصه شيء أن تخلعه امرأة وتجعله في مصاف المطلّقين.إلا أن المشكلة التي أودّ أن أطرحها عليك سيدتي لا تتعلّق بطليقي الذي لم يعد له في حياتي مكان، بقدر ما هي مشكلتي مع فلذة كبدي الذي ولما بدأت الأمور تتضح له، أصبح يبحث عن والده فأخبرته بالحقيقة التي كنت الأحرى بإخباره بها حتى لا يحرّفها له آخرون،لأجده وقد تحوّل إلى عدو لي، حيث إنه اتّهمني بأني كنت السبب في جعله يتيما وأبوه على قيد الحياة.مثل هذه الكلمات طعنت قلبي في الصميم، فتحاملت على نفسي ورحت أبحث عن طليقي لدى عائلته التي أظنّها كانت تتحيّن ضعفي لتردّ لي الصاع صاعين، فعلى الرغم من فرحتهم العارمة باحتضان حفيدهم الذي لم يعرفوا عنه شيئا منذ ولادته، والذي سعد هو أيضا بعثوره على أهل أبيه، إلا أني تفاجأت به ينقلب عليّ رأسا على عقب؛ حيث إنه بات يحمّلني مسؤولية أنه يحيا ناقصا من دون أب يسند عليه ويتفاخر به أمام أترابه، صدّقيني سيدتي، لم أخل نفسي يوما في مثل هذا الموقف الموجع، حيث إني كرّست كل حياتي وشبابي فداءً لفلذة كبدي الذي بدا لي اليوم مستنكرا لكل ما قمت به في سبيله، حيث أنه تجرّأ ووصفني بالمتكبّرة والمتعجرفة واللاّمسؤولة؛ لأني لم أصبر على طيش والده الذي عاد إلى جادّة الصواب وأصبح مثالا للإستقامة والمسؤولية، عكسي أنا التي دفعت المال لأستعيد حرّيتي التي ما هي إلا دليل على لا مسؤوليتي. الأدهى في الأمر سيدتي.. هو أن ولدي وبإيعاز من والده يرغب في أن ينتقل للعيش مع من حرم من حنانه منذ أن رأى النور وهذا لم أتقبّله بالمرّة.سيدتي.. أنا في حالة يرثى لها من الضياع والبؤس، فأنا لا أقبل وفي أي حال من الأحوال بأن يأخذ طليقي فلذّة كبدي بعد أن استثمرت فيه سنوات شبابي وكل ما ادّخرته من مال من عملي حتى أعوّضه النقص والحرمان، حيث إني لعبت دور الأم والأب في وقت واحد، وحرمت نفسي من أن أعرف السعادة وطعمها، وها أنا أجني النار والرماد بدل الورد والسعادة، فماذا في وسعي فعله سيدتي للخروج من هذه الحيرة.
المعذّبة من الوسط.
الرّد:
ليس هناك ما هو أصعب في الحياة من النكران والجحود، خاصة إذا ما وجدناه من طرف من هم أقرب إلينا من أنفسنا، فلذات أكبادنا الذين ومن فرط الدلال ومن كثرة ما نمنحهم من كل غال ونفيس نجدهم لا يشبعون ويتّهموننا بالتقصير.أنت حقا أختاه في موقف لا تحسدين عليه، حيث أنك خلعت زوجك وأنت في ريعان الشباب، وقد تعرّضت لخيار من ذويك؛ قمع فيك كل أمل في الحياة، حيث إنهم أجبروك على عدم التفكير في الزواج، فرحت تصبّين كل ما لديك من طاقة وأمل في سبيل ابنك الذي وما إن أصبح يعي حقيقة الأمور؛ إلا وبدا في تحميلك مسؤولية كل الحرمان الذي عاشه ونال منه.أكثر ما عليك فعله الآن؛ هو محاولة التماسك وعدم الانفعال بالشكل الذي يؤثّر عليك بالسلب؛ مما قد يجعلك تندمين، ولتبدئي قبلا بالسماع لرغبات طفلك، حتى تتمكّني من وضع يدك على مربط الفرس، فقد يكون كلام ابنك نابعا من عمق تفكيره وأحاسيسه، كما قد يكون كما ذكرته بإيعاز من أهل زوجك الذين يحاولون سياسة ليّ الذراع معك ثأرا منهم لما أقدمت على فعله مع ابنهم. ومتى أدركت منبع المشكلة كنت قادرة على التصرّف، فإن لمست من ابنك حقا رغبته الملحّة في أن يكون إلى جانب والده، فأنت مضطّرة لقبول الأمر ولو كان ذلك إكراها، حيث إنه لا يجوز لك أن تحرميه من أن ينهل من قلب أبيه بعض الحب والحنان زيادة على ما قدّمته له، أما إذا اكتشفت العكس، وبأن رغبة ابنك نتيجة مطالب هي من حشو أفكار؛ لها من الأبعاد ما يضرّكما معا، فما عليك إلا التحرّك لقطع دابر هذه المحاولات التي ترمي في مجملها إلى زعزعة كل ما بنيته طيلة سنوات.ولتنتظري كل شيء من طليقك أختاه، حيث إنه سيكون في وسعه مقاضاتك بسبب حرمانك له من إبنه، كما أنك قد تصدمين بأن يختار فلذّة كبدك والده ليعيش إلى جانبه وإلى الأبد؛ فتخسري كل شيء، ومن هذا المنطلق أنصحك على الرغم من صعوبة الموقف من فتح باب الحوار مع والد ابنك حتى تتمكّني من تحديد رغباته ومعرفة أهدافه والوصول إلى حلّ يخدمكما معا، حتى لا يتشتّت بال طفلك أو يكون عرضة للأذى النفسي، خاصة وأنه متمدرس ويمرّ بفترة حساسة.لا تقلقي وتمسّكي بمطلبك في الحفاظ على ابنك في حالة ما إذا وجدت زوجك لايزال على حاله من الطيش والعبث، لكن من دون أن تحرميه من حقه في حنان الأب الذي عاد من جديد وظهر في حياتك، وأنت مرغمة على تقبّل الوضع كيفما كان والتأقلم معه أيا كانت نتائجه وكان الله في عونك للوصول إلى برّ الأمان.
ردّت نور