عن التشغيل
ما هي الأولويات الأكثر أهمية وإلحاحا للقطاع الأوسع من الناس، في المغرب العربي وفي الدول العربية عامة،
في العقد الأول من الألفية الميلادية الثالثة، الموافق لنهاية الثلث الأول من القرن الهجري الخامس عشر؟ سؤال طرحته على نفسي، ورغبت في الكتابة عنه، لأطرحه على القراء الأعزاء، قصد تعميق النقاش حوله وتبادل الأفكار ووجهات النظر في كل ما من شأنه خدمة بلداننا وشعوبها المبدعة النبيل. يبدو لي أن التشغيل هو الأولوية الكبرى لأكثر الدول العربية في هذه المرحلة.اقتصاديات العديد من الدول العربية تحقق الكثير من الإنجازات في ظروف صعبة،ووسط منافسة إقليمية ودولية قوية، وتوفر بذلك الكثير من مواطن الشغل. لكن ذلك ليس كافيا لإدماج عدد كبير من شبابنا العاطل عن العمل في دورة الشغل، وكثير من هؤلاء الشبان من أصحاب الشهادات الجامعية. كل ما يكتبه العاطلون عن العمل عن معاناتهم صحيح، ومن واجب المواطنين من ذوي الوظائف والأعمال والمشاريع الخاصة ألا يتجاهلوا هذه المعاناة كأنها لا تعنيهم في شيء، وكأنها مسؤولية حكوماتهم لوحدها. ومن مصلحة الحكومات ألاّ تحتكر التعامل مع هذه الأزمة التي تهم الوطن وأهله كافة. وعدم الإحتكار يعني واقعيا طلب الآراء والأفكار والمقترحات من الهيئات النقابية، ومن الأحزاب السياسية، ومن منظمات المجتمع المدني، ومن الكفاءات الوطنية وأهل الدراية والتخصص، ومن الجاليات العربية في الخارج. فكرت كثيرا في هذا الموضوع، وأقدم اليوم الاقتراحين الذين توصلت إليهما،متطلعا إلى إثراء النقاش حولهما مع القراء الكرام:
1 ـ الإقتراح الأول هو إقامة صندوق وطني للتضامن مع العاطلين عن العمل، تتكون ميزانيته من ضريبة طوعية تصاعدية يدفعها كل موظف أو عامل يحصل على مرتب أو مدخول شهري متوسط القيمة. يجب وضع نظام ضرائبي شفاف لتمويل الصندوق حتى لا يرى الناس فيه مجرد وسيلة جديدة من وسائل الجباية للدولة. ومن جهة أخرى يجب أن نصارح بعضنا البعض بأنه لا توجد وسيلة أخرى ناجعة لتحقيق التضامن الإجتماعي من دون الضرائب. المشكلة في العالم العربي أن الناس لا يثقون بالدولة في غالب الأحيان، ويرون فيها جهازا لتبديد المال العام، ولذلك يستبيحون هم أنفسهم المال العام،وينظرون لذلك، ويبررونه بأمثال شعبية ومقولات براغماتية لا تصح من الناحية الأخلاقية. وهناك آخرون يرون أن مسؤولية التشغيل تقع على عاتق الدولة وحدها. لكن من أين تحصل الدولة على المال؟ أليس من مواطنيها أولا عبر الضرائب؟ هناك حالة استثنائية تخص الدول البترولية. في بعض هذه الدول لا يوجد نظام للضرائب،ويستعاض عنه حاليا بفرض رسوم على كثير من الخدمات. والرسوم كلمة مرادفة للضرائب في نهاية المطاف. في كل الأحوال، لن تنجح هذه الفكرة من دون الشفافية الكاملة، ومن دون نزاهة حقيقية، وربما لن تنجح أبدا من دون نظام حقيقي للمحاسبة. ـ وبالإضافة إلى الضرائب كمصدر أول لتمويل الصندوق، أقترح أن يحصل الصندوق على دخل من حملات تبرع طوعية تنظمها وسائل الإعلام الوطنية، ومن تظاهرات ثقافية وطنية تنظم في المدن العربية أو في المدن الأجنبية التي تقيم فيه جاليات عربية كثيفة، ويكون عائد هذه التظاهرات للصندوق الوطني للتضامن معا لعاطلين عن العمل. (أواصل غدا إن شاء الله)