مذكرات عمي احمد رجل الشرطة المشهور – الحلقة الثامنة
انتشر الخبر سريعا ليتبدد الخوف لدى المناصرين و المشجعين من احتمال توقيفهم من قبل الشرطة , و بعد ما اطمئن العديد منهم بدأوا يتوافدون على الملعب و قبل نهاية المباراة بقليل
لاحظنا تواجد حوالي ألف شخص على الأقل في مدرجات الملعب على وجه التقريب .
في يوم الخميس التالي كان الدور لاتحاد العاصمة لإجراء مباراة بملعب بولوغين , و قد كات المدرجات قد امتلأت عن آخرها , و فجأة ترآى إلينا أحد الأشخاص يطوف على طول تماس الملعب يحي الجمهور و رد الجمهور عليه بالتحية مرددا “رأس كابوس المجاهد” و قد ردد الشعار جمع غفير بصوت واحد , كنت أعرف الشخص المعني بأنه إنسان بسيط و متواضع و عليه فقد اتجهت إليه لمعرفة نواياه و إخراجه من داخل الملعب , حينها خيم هدوء كبير المدرجات فالكل كان بانتظار ما سأقوم به بالضبط و حينما دنوت منه و اقتربت على مستواه سألته عن نواياه بالضبط و عما يقوم به داخل الملعب ثم قمت باصطحابه الى غرف تغيير ملابس اللاعبين لاتحاد العاصمة أين خرج ليلتحق بمدرجات المناصرين , حينها صفق الجمهور طويلا و أثنى على شخصي لأنني قمت بخطوة ملفتة للنظر , و الجدير بالذكر أن المكنى ب”راس كابوس” و نعني به مجازا رأس المسدس كان شخصا معروفا جدا في حي باب الوادي و قد تم توقيفه خلال الأحداث التي عرفها الحي بعد ان كان يحاول ارتكاب أعمال تخريب و عنف وقد ساهم الفعل الذي قمت به تجاهه بخفض حدة التوثر و انشراح الوضع , فقد فهم الجميع بأنه لا مجال للخوف من احتمال أي توقيف أو إجراء ضدهم من قبل الشرطة .
الاحتفال بذكرى 11 ديسمبر 1960 في سنة 1988
بعد مرور شهرين على حوادث 5 أكتوبر بدأت العاصمة تستعد للاحتفال بذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960 , و لهذا الغرض نظم آنذاك اجتماع عمل جمع كافة رؤساء أمن الدوائر و رؤساء الأقسام و المصالح المركزية على مستوى المحافظة المركزية برئاسة المرحوم الحاج صدوق , وقد تطرق الاجتماع في جدول أعماله على وجه الخصوص كيفية تغطية و تأمين الاحتفالات الخاصة بمظاهرات 11 ديسمبر 1960 , حاج صدوق الذي افتتح الجلسة طلب من كل الحاضرين بتقديم كافة المعلومات التي كانت بحوزتهم حول الاحتفالات , فكانت المعلومات المقدمة في مجملها تثير القلق فقد كانت الروايات المقدمة تهويلية بل ذهب البعض منها الى توقع إعادة تكرار ما حدث في 5 أكتوبر.
حينها رفعت يدي لأطلب الإذن بالتدخل و اقترحت لأكون متطوعا لضمان تغطية و تأمين الاحتفالات , و التمست أن ينوبني في مهمتي الضابط خالدي أحمد . المرحوم حاج صدوق و مباشرة بعد تدخلي سارع الى الرد بالإيجاب على التماسي و قال لي بالحرف الواحد ” خذ ما تشاء من الرجال و لكن يجب أن تسير التظاهرة بصورة عادية و أن تؤمن على أكمل وجه , إذ أن السلطات المحلية ستكون حاضرة في الاحتفالات” رفعت الجلسة بعد ذلك , و خرجت برفقة الضابط خالدي لترتيب الأمور و اتفقنا على وضع الترتيبات الضرورية لضمان أمن التظاهرات.
ثم جاء يوم الحادي عشر من ديسمبر , قررت في ذلك اليوم النزول من بيتي باكرا و توجهت مباشرة الى حي بلكور لتأدية صلاة الفجر هنالك بأحد المساجد المحاذية من المحافظة التابعة للدائرة السابعة , بعدها توجهت الى أحد المقاهي لتناول فطور الصباح , في تلك الأثناء وصل الضابط خالدي رفقة رجاله , فقمنا باجتماع مصغر , حيت تلقى الجميع التعليمات اللازمة و ما يتعين القيام به , لنقوم بعدها بمعاينة الأماكن المخصصة للتظاهرات , حيث تم إيفاد عدد من المتخصصين في تفكيك القنابل و المتفجرات , و بعد انتهاء المعاينة , قام أفراد الشرطة بالانتشار في المكان و حول محيطه المباشر و بمحاذاة النصب التذكاري , وقام أفراد من الأمن باعتلاء أسطح المنازل أيضا و تأمين الطريق المؤدي الى المكان المخصص بالتظاهرات و قد امتد من “الموسي” و قسمة المجاهدين الواقعة أمام مقبرة سيدي امحمد .
بزغ الفجر و مع اشراقات الشمس الأولى , بدا العديد من الأشخاص يتوافدون و سرعان ما التف حوالي شباب حي بلكور مستفسرين عن سبب قدومنا هنالك , كان هؤلاء الشباب في غالبيتهم من أنصار شباب بلكور , و كان استفسارهم بالخصوص عن حضورنا في ساعات مبكرة في النهار , فقمت بالإجابة بأنه عوضا عن مقابلة في كرة القدم فإنني قدمت برفقة الضابط لتغطية و تأمين مقابلة من نوع آخر و طلبت منهم ألا يتدخلوا في الأمر بلطف , فهم الجميع قصدي جيدا و كان من بين الجمع الأخوين “ياماها” من أشهر مناصري سباب بلكور وقد وعد الجميع بأنه لا شيئ سيحدث و أنهم سيتولون الأمر شخصيا لمساعدتي و تسهيل المهمة لي و أنهم مستعدون لتقديم أي مساعدة إذا لزم الأمر و إذا أقدم أي شخص على محاولة إثارة الفوضى و القلاقل .
على الساعة السابعة صباحا , أمرت باستقدام شاحنات التصليح بغرض نزع السيارات التي كانت متوقفة و مركونة في محيط النصب التذكاري و على مسار شارع بلوزداد و بالإضافة الى عدد من الأفراد و القوات التي جعلت كاحتياطي , على مستوى المكان المعروض ب”لعقيلة” فقد تم نشر عدد من سيارات الراديو التابعة للشرطة على طول شارع بلوزداد و دار الشعب اى غاية محطة البنزين الكائنة بمحاذاة حديقة التجارب بالحامة لضبط و تنظيم حركة المرور و تحويل مسارها في حالة الضرورة .
على الساعة الثامنة , و بينما كنت أستمع الى حديث الحاج صدوق و هو يتكلم عن طريق الجهاز اللاسلكي , طلب مني هذا الأخير تحديد موقعي , فطمأنته بأن كل شيئ على ما يرام و أن الأمور تسير على أحسن وجه , و دعوته للقدوم لتفقد المواقع بنفسه و هو ما قام به بالفعل لاحقا .
على الساعة العاشرة صباحا , بدأت الوفود المدعوة تصل و قد بلغتنا إشارة تفيد بأن أولى الوفود جاءت من جهة دار الشعب بينما وفد ثاني كان متجها صوب قسمة المجاهدين , و قمت مباشرة بإعطاء اوامر للسيارات التي كانت في الخدمة بالتكفل بهم و مصاحبتهم الى غاية ساحة 11 ديسمبر ,و مع وصول الوفود بدأت التظاهرات مع وضع إكليل من الزهور و قراءة الفاتحة , لتنتهي بعدها في جو من الهدوء , و على الرغم من ذلك بدا واضحا على الوفود الحاضرة القلق , اذ سرعان ما غادروا المكان .
في تلك الأثناء تم إشعارنا بمعلومات مقلقة من المحافظة المركزية بأن احتفالا آخر سينظم في ذات المكان من قبل أشخاص آخرين و تلقيت تعليمات حينها من الحاج صدوق بضرورة المكوث في عين المكان و بالتحلي باليقظة و منع أية تظاهرة جديدة يتم تنظيمها خارج تلك التي تم القيام بها .
و فور تلقي التعليمات الجديدة عكفت على تنظيم الأمور رفقة الضابط خالدي و اتفقنا على استبدال الأفراد الذين عملوا في الصباح بآخرين جاهزين , ليرتاح الأوائل و أما نحن فقد اكتفينا بتناول مأكولات خفيفة استقدمت من ثكنة باش جراح .
و اضطررنا للبقاء في المكان الى غاية وقت متأخر من الليل , و بعد أن تأكدنا بألا شيئ يحدث و تفاديا لإزعاج المواطنين و لفت الانتباه أكثر و إثارة التساؤلات ارتأيت الاتصال بالحاج صدوق و طلبت منه الإذن بإنهاء التدابير الأمنية التي أقيمت بالمكان , و في أعقاب الحصول على الموافقة طلبت من أفراد الأمن و الرجال الذين كلفوا بالمهمة بالعودة الى مراكز تجمعهم و قمت بالالتحاق بدوري بالمحافظة المركزية لتقديم تقرير مفصل و عرض حال عما حصل خلال ذلك اليوم في حي بلكور .
الانتخابات البلدية
خلال الانتخابات البلدية التي جرت في جوان 1990 , كانت أول دورة مراقبة قمت بها على مستوى حي باب الوادي مرورا ب “التاغارة” و قبلها عمدت الى التوقف بأحد مراكز الانتخابات بمدرسة “إقبال 2” و أول شيئ لفت انتباهي هنالك هو الحضور المكثف فقط لمناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين كانوا يعكفون على تقديم القهوة للأشخاص الذين كانوا يتوافدون على صناديق الاقتراع , و كان هؤلاء يوجهونهم للانتخاب على الورقة رقم 6 و التي كانت ترمز لقائمة المنتخبين المقترحين من قبل الحزب , و يجدر الذكر في هذا السياق بأنه لوحظ غياب ممثلي الأحزاب الأخرى لمراقبة مجريات الانتخابات بالمكتب, واصلت سيري الى حي “مناخ فرنسا” ثم الى شارع “تازايرت” , و بناء على ما شاهدته قمت بالاتصال هاتفيا برؤسائي المباشرين , قائلا لهم أنهم يتعين عليهم انتظار فوز كبير و عريض للجبهة الإسلامية للإنقاذ في هذه الانتخابات , و قد تأكدت توقعاتي بالفعل و تبين أن تحليلي كان صائبا , بعد عملية الفرز , حيث أفرزت النتائج فوزا كبيرا للجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي جاء في المقدمة متبوعا من بعيد بجبهة التحرير الوطني و جبهة القوى الاشتراكية .
و في مدرجات الملاعب , لم نعد نسمع بعدها سوى هتافات و شعارات مناصرة للجبهة الإسلامية للإنقاذ من قبيل “عليها نحي و عليها نموت ” أو ” فيس - فيس دولة إسلامية”.