مساجين ينصحون الحراقة بمراجعة حساباتهم ..ويتوقون لشمس الحرية مجددا
“الحرقة خطوة نحو المجهول وانتحار دون أسباب “،” ربي يهدي الحراقة” ، ” الجزائر تسع الجميع ولن نجد وطنا أحسن منها “
هذه ليست تصريحات لجمال ولد عباس وزير التضامن الوطني بل هي لشباب وشابات رمت بهم الأقدار خلف القضبان بالمؤسسة العقابية للحراش وان اختلفت اهتماماتهم إلا أن آمالهم واحدة وهي العودة والاندماج مجددا في المجتمع.
كانت الساعة أمس تشير إلى حوالي منتصف النهار عندما وصلنا إلى المؤسسة العقابية بالحراش وكان أول شيء لمحناه وجود الكثير من الأشخاص عند المدخل كلهم قدموا لزيارة احد ذويهم الذي يقضي عقوبته بذات المؤسسة .
استقبلنا “م العايب” نائب المدير وكانت وجهتنا الأولى نحو العيادة المكان الذي يمر به كل سجين جديد من اجل الخضوع للمراقبة الطبية أين يتم عرضه على طبيب عام بالإضافة إلى طبيب نفسي من اجل تكوين ملف خاص به وفي حال ما إذا كان يعاني من أي مرض يتم معالجته قبل تحويله إلى الداخل. وأكد الدكتور بلعباد أنه لا توجد أي تفرقة بين المساجين الذين يعاملون نفس المعاملة بغض النظر عن وضعية كل واحد منهم داخل المؤسسة وأكد ذات المتحدث أن العيادة توفر تغطية شاملة و24 ساعة على 24 ساعة وحتى خلال المناسبات والأعياد و لكل المساجين وربما أكثر من تلك التي توفرها بعض المؤسسات الصحية في الخارج ، بل حتى أن المرضى الذين يتعذر معالجتهم في الداخل يتم نقلهم إلى المستشفيات أين يتم معالجتهم بسرعة كبيرة وأوضح ذات المتحدث أنه لم يصادفه أي مشكل داخل المؤسسة مع المرضى عكس ربما بعض زملائه الذين يعملون في مؤسسات أخرى خارج السجن .
وتضم عيادة المؤسسة العقابية للحراش صيدالية خاصة تزود المرضى بالإضافة إلى مخبر لإجراء التحاليل الطبية وكذا قاعة للأشعة من اجل فحص المرضى وكذا قاعتين مخصصتين للمرضى الذين يتطلب مكوثهم في العيادة وتزامن دخولنا إلى هناك وقت الغذاء أين كان البعض منهم يتناول وجبته بينما كان البعض الأخر منهمك في متابعة فيديو كليب لكاظم الساهر عبر التلفاز.
السجن… العودة إلى الدراسة
توجهنا بعد ذلك نحو قاعة النشاطات الاجتماعية التي تظم عدة اختصاصات مثل الموسيقى والحلاقة والدهن وكانت البداية من قاعة الإعلام الالي أين صادف تواجودنا هناك مع أجراء آخر امتحان وخلال حديثنا مع ” عمي صالح ” الذي يشرف على التدريس هناك أكد أن هناك نحو 30 شخص يزاولون دراستهم في الإعلام الالي كما أن الكثير منهم يملك مؤهلات تسمح له بالعمل في أي مؤسسة عقابية عند انقضاء مدة عقوبته بل أن البعض ممن اشرف عليهم في ذات المكان هم الآن إطارات في العديد من المؤسسات والبنوك الوطنية
وبقاعة الإعلام الالي كان لنا حديث مع أول سجين ” ل.ع ” البالغ من العمر 35 سنة والذي قضى مدة أربع سنوات ونصف بالسجن ولم يتبقى عن انقضاء عقوبته سوى ست أشهر أين أكد انه استفاد من تجربته هناك كيف لا وهو المتحصل على شهاده الباكالوريا بامتياز ماكان ليتحصل عليها لو كان خارج اسوار السجن و قد مكن له ذلك من الالتحاق بمعهد التكوين المتواصل اختصاص قانون المال والأعمال. و من خلال كلامه بدى وانه مطلع على كل ما يحدث خارج السجن من خلال الجرائد التي أكد انه يطالعها باستمرار وتحدث ” ل.ع” بمرارة عن موضوع الحرقة أين أكد أن من يقدم على ذلك يرمي بنفسه نحو المجهول بالنظر لنهائيات المأساوية التي لقيها اغلبيه من أقدم على الهجرة السرية داعيا في نفس الوقت الشباب الذي يفكر في مغادرة البلاد إلى التفكير جيدا في عواقب الفعل الذي سيقوموا به لان الجزائر فيها كل مقومات النجاح فبقليل من الاجتهاد فقط سيتمكنون من تحقيق أحلامهم.
العميد لن يسقط وزياني الاحسن في الجزائر
وفي ذات السياق أكد ” خ.م” 38 سنة ابن مدينة بومرداس أن الدولة وفرت إمكانيات كبيرة للشباب تفوق بكثير الإمكانيات المتوفر في دول آخر لذا فان من يفكر في ركوب البحر والمغامرة عليه بمراجعة حسابه ، كما أكد الأمور تحسنت كثيرا في الجزائر منذ وصول السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم لذا فقد تمنى أن يتم تعديل الدستور من اجل بقائه في الحكم لعهدة ثالثة من اجل إكمال مسيرة البناء الوطني التي شرع فيها منذ تسع سنوات. ومثل سابقه فان ” خ.م ” استغل فترة سجنه من اجل إكمال مسيرته الدراسية أين تحصل الموسم الماضي على شهادة البكالوريا وبمعدل 11.20 ولم يتبقى عن مدة عقوبته سوى سنة واحدة بعدما قضى منها أربع سنوات . وبعيدا عن الدراسة أعرب ذات المتحدث عن عشقه الكبير لمولودية الجزائر النادي الذي يشجعه منذ الصغر اين أكد ان عميد الأندية الجزائرية سيتمكن من تجاوز الفترة الصعبة التي يمر بها حاليا ولن يسقط الى القسم الثاني بالنظر للإمكانيات التي تملكها التشكيلة.
ولم تثنيه فترة السجن عن متابعة كل الأخبار الرياضية لما أكد ان زياني هو الأحسن حاليا في الجزائر كما لم يخفي اعجابه بالنادي الملكي ريال مدريد الذي يتابع أخباره عن كثب بالإضافة الى النجم ديغوا مارادونا الذي يبقى لاعب غير عادي ولن تنجب الكرة لاعب مثله مستقبلا على حد تعبيره.
عيد ميلاد داخل زنزانة
ومن قاعة الإعلام الالي كانت وجهتنا نحو فرع الدهن أين كان مجموعة من المساجين منهمكين في طلاء الجدار وعلامة الحيوية بادية على وجوههم وتحدث إلينا بالنيابة عنهم ” م.ر ” ابن مدينة براقي والذين احتفل أول أمس فقط بعيد ميلاده الثلاثين أين قامت إدارة المؤسسة بهذه المناسبة بالسماح له بزيارة عائلية مقربة سيما وانه رزق خلال شهر أكتوبر الماضي بابنته الثانية. وأكد ” م.ر ” انه تعل الكثير من الأشياء الايجابية منذ دخوله إلى السجن الذي اعتبره مؤسسة تعليمية وليس مؤسسة عقابية كيف لا وهو الذي تغيرت نظرته للحياة وتمكن من تحسين مستواه التعليمي بعد المساعدة التي وجدها من جميع المؤطرين هناك أين أكد انه بعد خروجه من السجن لن يقطع صلته بكل من مدة له يد العون هناك. وانتهز ابن مدينة براقي فرصة تواجدنا هناك للحديث هو الأخر على موضوع الحرقة الذي أسال الكثير من الحبر ودموع أكثر مؤخرا أين نصح هو أيضا الشباب الذين فقدوا الأمل بمراجعة حسباتهم وتقبل الواقع مثلما هو، ذلك أنهم لن يجدوا وطنا آخر يحتضنهم أكثر من الجزائر.
الحلم العودة للرياضات القتالية
ومن فرع الدهن إلى فرع المحاسبة أين وجدنا الجميع منهمك في متابعة الأستاذ وهو يلقي الدرسة وكان من بينهم ” ل.ف ” ابن حي بوروبة الشعبي صاحب ال 30 سنة والذي تمكن الموسم الماضي من الحصول على شهادة التعليم المتوسط وهو ما سمح له من الاستفادة من تقليص عقوبته على اعتبار أن القانون الخاص بالمساجين ينص على الإنقاص من عقوبة أي سجين يتمكن من الحصول على شهادة وذلك قصد تشجيع نزلاء المؤسسات العقابية على بذل مجهودات من اجل تحسين مستواهم العلمي والذي يساعد على إعادة إدماجهم في المجتمع بعد انقضاء مدة عقوباتهم.
وأكد ” ل.ف ” أن كل الشروط متوفرة للمساجين من اجل إكمال تعليمهم مشيرا في ذات السياق انه استرجع الرغبة في التعليم التي افتقدها منذ سنوات والفضل في ذلك يعود إلى المعاملة الجيدة التي لقيها منذ دخوله إلى سجن الحراش. وأكد ذات المتحدث انه بعد قضائه لفترة العقوبة سيعود إلى ممارسة الرياضات القتالية التي يعشقها كثيرا والتي كان بإمكانه أن يذهب فيها بعيدا بالنظر للمستوى الذي وصل إليه في هذه الرياضات قبل دخوله إلى السجن بشهادة جميع المدربين الذي تتلمذ تحت أيديهم. تركنا فرع المحاسبة واتجهنا نحو قاعة كمال الأجسام المجهزة بكل الوسائل الحديثة لممارسة هذه الرياضة التي يعشقها كثيرا الشباب الجزائري ومن سوء الحظ فقد وجدنا الجميع قد غادر القاعة باستثناء المدرب الذي يشرف على تدريبات الرياضيين أين أكد لنا أن القاعة مفتوحة لجميع المساجين الذين بإمكانهم مزاولة هذه الرياضة وفق برنامج خاص ، مشيرا في ذات الوقت أن الكثير من المساجين لم يكونوا يولون أي أهمية لهذه الرياضة سوى بعد دخولهم إلى هناك.
حنين الى العودة للعائلة..صرخة سجينة
بعد انتهائنا من قاعة الذكور، كانت وجهتنا القادمة الجناح الخاص بالنساء والذي تقيم به ما بين 150و 200 امرأة من بينهم بعض النساء الأجانب والذين يتم ضبطهم بالخصوص في قضية الهجرة الغير شرعية وكانت محطتنا الأولى هناك قاعة الإعلام الخاصة بالنساء أين التقينا بالسجينة المدعوة “س.م” صاحبة الـ28 ربيعا، وكانت ملامح وجهها تدل على غدر الزمان، ، اقتربنا منها لنسألها عن وضعيتها على مدار أربع سنوات قضتها في سجن الحراش، فكان جوابها صريحا خاليا من أية مجاملة اتجاه مسؤولي السجن الذي تقضي فيه عقوبتها، أين أكدت على حسن المعاملة التي تلقاها رفقة باقي زميلاتها، من قبل الإدارة، مبرزة بأن المعاملة الجيدة التي تلقاها جعلتها لا تحس بمرارة البقاء وراء القضبان. وأكدت لنا محدثتنا أنها لا ترغب بشيء سوى الخروج من السجن، والالتحاق بعائلتها التي قالت أنها اشتاقت إليها كثيرا مع أنها أظهرت شجاعة كبيرة في رفع التحدي لإتمام فترة العقوبة التي لم يبق منها سوى سنتين. وللتنويه بالمجهودات التي بذلتها خلال الفترة التي تقضيها في السجن، حرصت محدثتنا على أن تبين حيازتها على شهادة الإعلام الآلي في الحراش، وعبرت عن رغبتها الكبيرة وطموحها في أن تجد منصب شغل بعد خروجها، حتى تتمكن من إظهار الإمكانيات التي تتمتع بها.
السجينات الموجودات داخل مركز الحراش ليسوا بعيدات عن المجتمع الذي يوجد في الخارج بالقدر الذي يتصوره البعض، لاسيما وأن محدثتنا أفادتنا أنها تتطلع على مختلف الأحداث التي يعرفها العالم الخارجي من خلال الصحف الوطنية التي تصلها رفقة زميلاتها بصفة منتظمة، والتي تمكنها من التواصل مع الأحداث التي تجري في الخارج رغم إشارتها بأن المعاملة التي تلقاها داخل “المؤسسة العقابية للحراش” أخوية للغاية ولا تختلف كثيرا على تلك التي تلقاها في خارج أسوار السجن.
ومن قاعة الإعلام الالي كانت لنا زيارة قصيرة إلى قاعة تعليم الحلاقة الخاصة بالسيدات أين كانت القاعة تشهد حركة كبيرة من قبل الفتيات اللواتي كانا يتعلمن هذا الاختصاص ، قبل أن نلج بعد ذلك المكتبة الخاصة داخل جناح النساء والذي تشرف عليه أحدى السجينات والتي بدى من خلال حديثها أنها تملك مستوى تعليمي لاباس به حيث تحدثت عن الإقبال الكبير على المكتبة من قبل المقيمات هناك بما في ذلك النساء الأجنبيات حيث تزامن وجودنا هناك مع تواجد إحداهم -تبدوا بشرتها أنها إحدى الإفريقيات - منزوية لوحدها تطالع إحدى الكتب اهتمام كبير.
عشق خاص لمهنة المتاعب داخل السجن
محطتنا الأخيرة في سجن الحراش كان الفرع المخصص الطرز الذي أسس منذ 12 شهر ويشهد إقبال كبير من قبل السجينات أين كان لنا حديث مع أحداهن وهي ” ل.ن ” البالغة من العمر 28 سنة والتي تحصلت على شهادة الباكالويا وهي تدرس حاليا سنة أولى قانون واعمال أين أكدت أن أمنياتها هي أن تكون صحفية وهو الحلم الذي راودها منذ الصبا. ومثلما كان عليه الحال عند الذكور فان المقيمات في جناح النساء أكدوا أنهم على اطلاع واسع فيما يحدث خارج الأسوار بدليل أن ” ل.ن ” تحدثت هي الأخرى بمرارة عن الشباب الذي يقتل نفسه في البحر على الأمل تحقيق حلم الوصول إلى الضفة الأخرى ، أين أكدت أن الأمل الحقيقي موجود في الجزائر وما على هؤلاء الشباب سوى استغلال قدراتهم لبناء وطنهم عوض الهروب منه.
وقبل خروجنا من السجن كان لنا حديث مع ” م العايب” نائب المدير الذي رافقنا في جميع محطاتنا هناك أين أكد أن قانون تنظيم السجون مكيف مع المجتمع الجزائري أين تسعى الإدارة إلى تطبيق هذا القانون بحكمة ومرونة وفقا لتوصيات وزارة العدل التي شددت على ضرورة العناية الخاصة ومساعدة وهنا وجه ذات المتحدث نداء إلى كل الجمعيات للمساهمة في إعادة ادماج هؤلاء المساجين في المجتمع عند مغادتهم للمؤسسات العقابية.