إعــــلانات

هــذا مــا ورّثــه الإرهـــاب للـــــجـــزائـــــــريــــــين

هــذا مــا ورّثــه الإرهـــاب للـــــجـــزائـــــــريــــــين

لا شك أن للعشرية السوداء وجرائم الإرهاب في الجزائر، أثر كبير في طبيعة المجتمع الجزائري اليوم، ومظاهر العنف التي تشهدها ملاعب الجزائر ومختلف المدن، زيادة على حروب العصابات التي تشهدها العديد من الأحياء الجديدة خلال عمليات الترحيل الكبرى، فضلا عن المسيرات والاحتجاجات التي كثيرا ما تتحول إلى أعمال عنف وشغب ومواجهات مع مصالح الأمن  .

 دراسة تحليلية للدرك حول تأثير العشرية السوداء على الشباب تكشف: أطفال من مواليد التسعينات.. قتلة ومروجو مخدرات ولصوص!

أغلب جرائم القتل تم ارتكابها من قبل شباب بين 20 و25 سنة

مواليد 95 أكثر استهلاكا للمخدرات

كشفت دراسة تحليلية أعدتها مصالح الدرك الوطني، تخص ظاهرة العنف، جرائم القتل السرقات والمتاجرة بالمخدرات، أن 40 بالمائة من المتورطين في هذه الجرائم مولودين خلال العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر بين سنوات 90 و95.وتحدثت الدراسة عن المستوى المحلي الذي عرف، خلال العقدين الأخيرين، تحولات اقتصادية «مؤثرة»، تبعتها تغيرات اجتماعية عميقة، حيث أن التخضير والتحول في نمط المعيشة والحراك الجغرافي الهائل والتفاعل مع التكنولوجيا الجديدة ووسائل الاتصال السريع والمواصلات، انعكس كل ذلك في بروز جيل جديد من الشباب، البعض منهم تفاعل بشكل إيجابي والآخر أثرت عليه بشكل سلبي، مما أدى إلى سلوكات منحرفة مرفوضة اجتماعيا.وحسب ذات الدراسة التحليلية، فإن العشرية السوداء خلّفت نتائج أثرت في الجيل الجديد، الذي عاش ظروف اجتماعية قاسية، سدّت الطريق أمامه وأدت به إلى الخروج مبكرا من المدرسة وأصبح لا يتمكن من إشباع حاجياته الأساسية، هذه الظروف جعلت فئة من الشباب التي ليس لها نضج فكري واعي وغير محروسة اجتماعيا، تواجه مرحلة فراغ في محيط الحياة وفي نفس الوقت أمام ظواهر إجرامية مختلفة، كتعاطي المخدرات، السرقات، أعمال العنف وجرائم القتل. وشملت الدراسة التحليلية التي قامت بها مصالح الدرك بعض الجرائم الأكثر اقترافا، منها جرائم القتل والعنف، ترويج المخدرات والسرقات من طرف الفئة الشبانية التي مسها التسرب المدرسي وكانت أكثر عرضة للمتابعات القضائية، خاصة في العقد الأخير، وقد عادت الدراسة إلى نسب الإجرام المسجلة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وذلك من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية وراء انتشار هذا النوع من الجرائم المرتكبة من قبل هذه الفئة. وبيّنت الدراسة التي اعتمدت على 1139 عينة من الأشخاص المتورطين، أن الأشخاص الأكثر اقترافا للجرائم ومحل متابعات قضائية، هم الأشخاص الذين تنحصر أعمارهم ما بين 1990 و1995 حيث بلغ عددهم 457 شخص بنسبة 40.1 من المائة. وكشفت ذات الدراسة، أن الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم أغلبهم بدون مهنة «بطالين»، حيث بلغ عددهم من إجمالي العينة 662 شخص، بنسبة قدرة بـ58.12 من المائة. وبخصوص السن الأكثر عرضة لارتكاب جرائم العنف، تبين أن الأشخاص المولودين بين 1990 و1995 هم الأكثر ممارسة للعنف بأنواعه، حيث سجل 141 حالة بنسبة 36.2 من المائة، وهي أعلى نسبة مقارنة بالأشخاص الذين ولدوا في السنوات الأخرى، فيما تبين أن أغلب المتورطين في هذا الإجرام عزاب وغير مسبوقين قضائيا. وفيما تعلّق بجرائم القتل المسجلة، في ثلاث سنوات الماضية، سجل 25 قضية المتورطين فيها 39 شخصا، حيث سجل ارتفاع في سنة 2012 وارتفاع ملحوظ خلال سنة 2013، وكانت أغلب جرائم القتل المقترفة على أشخاص لا يتجاوز سنهم 20 سنة كانت جميعها بدوافع مادية، كما أن أغلب جرائم القتل تم ارتكابها بها من طرف أشخاص مولودين بيت 1990 و1995 مستعملين في ذلك أسلحة بيضاء. كما سجل أن الأشخاص ذوي المستويات الدنيا والذين تم إخراجهم من المدرسة في سن مبكرة، خاصة في الطور الثاني، هم الأكثر اقترافا لجرائم القتل وذلك بنسبة 64.1 من المائة، في وقت ينحصر ارتكاب جرائم السرقة في فئة المولودين بين سنوات 1990 و1995، بسبب الظروف المعيشية المعاشة ونقص الرقابة الأسرية. وكشفت الدراسة، أن سن مرتكبي الجريمة في الفئة المولودة ما بين سنوات 1990 و1995 مرتفعة، وهذا راجع إلى تأثر هذه الفئة بالظروف الاجتماعية المعاشة التي مروا بها في العشرية السوداء وقلة المتابعة الأسرية والتوجيه الاجتماعي والخروج المبكر من المدرسة، وهو ما سهم في انحرف هذه الشريحة.

هذا ما فعله الإرهاب بالمجتمع الجزائري

الشارع يتحول إلى دور حضانة.. وآباء ضد الدراسة خوفا على أبنائهم  

حوّلت مرحلة التسعينات وما عرفته من إرهاب طبيعة المجتمع الجزائري، وكان لها الأثر الكبير في ما يعيشه المجتمع اليوم من أعمال عنف في الملاعب والشوارع وغيرها من الإحتجاجات والمسيرات، التي كثيرا ما تتحول إلى صراعات ومواجهات عنيفة بين المواطنين قوات مكافحة الشغب، فضلا عن الأعمال التي تشهدها الملاعب الجزائرية. وأظهرت دراسة أكاديمية على مستوى جامعة العلوم الإجتماعية والإنسانية تحوزها «النهار»، أن الفترة الممتدة بين 1992 و2000 ساهمت في تغيير سوسيولجية المجتمع الجزائري، حيث غطت الأحداث التي عرفتها الجزائر أو ما يسمى بالعشرية السوادء على النجاحات الاقتصادية والإجتماعية والرياضية التي كانت في طور التجسيد آنذاك. وتضمنت الدراسة حالات أشخاص عاشوا في تلك الفترة، حيث تخص الحالة الأولى معلم كان يدرّس في إحدى المدارس الإبتدائية على مستوى ولاية جيجل، تؤكد أن هذا الشخص الذي كان يقطع مسافات كبيرة من أجل الوصول إلى مدرسته يتفاجأ كل يوم بتسجيل غياب زملائه والتلاميذ الذين يدرسون عنده، وعند الاستفسار يتفاجأ بأن 3 من زملائه في العمل قاطعتهم مجموعة إرهابية وقامت بقتلهم، وهو نفس المصير الذي لاقاه 5 تلاميذ من قسمه. وقد دخل الأستاذ في حالة نفسية رهيبة انتهت بعزله عن التدريس، مما أثر على محيطه العائلي، أين كان يقوم بكل شيئ من أجل منع أبنائه من الدراسة والنتيجة هي خروج ابنه الأول من قسم السنة الخامسة ابتدائي وابنه الثاني من قسم السنة ثانية متوسط. وقد توصل تحليل حالة هذا الشخص إلى أن الجو العام الذي كان يعيشه الأستاذ وحالة الخوف التي كانت تصاحبه من وقت خروجه من المنزل إلى وصوله المدرسة، ثم سماعه بمقتل أناس مقربون من محيطه العملي، ساهمت مساهمة كبيرة في إسقاط هذا الخوف على أبنائه، إذ وبالرغم من تحسن الأوضاع الأمنية إلا أن مخيلته وحالته النفسية كانت تراوده لا شعوريا في كل مرة، وهو ما ساهم بطريقة غير مباشرة في إفشال مشوار ومستقبل أبنائه في الدراسة، وهذا نظرا للثقة التي افتقدها جراء الفترة العصيبة التي كان يعيشها. أما الحالة الثانية، فتتمثل في سيدة   تقطن بحي ديار الشمس بالجزائر العاصمة كانت سنة 1995 تدرس في السنة الثانية ثانوي شعبة الرياضيات وكانت نابغة في هذه المادة، إلا أن الظروف العصيبة وكثرة الإنفجارات التي كانت تهز العاصمة حينها أجبرت عائلتها على إرغامها على التوقف عن الدراسة، وبعد سنوات عاشت الفتاة حالة هستيرية بسبب عدم إيجادها منصب عمل، أين حمّلت المسؤولية للإرهاب الذي منعها من تحقيق حلمها بأن تكون عالمة فيزياء وذكرت الحالة في الدراسة: «أن اللوم لا يقع على العائلة بقدر ما كان وراءه إرهابيون عرقلوا مصير الطلبة الناجحين والمتفوقين».

رئيس الشبكة الوطنية لحماية الطفولة «ندى» عبد الرحمان عرعار لـ“النهار”: انعدام مراكز ومؤسسات شبابية لمتابعة هذه الفئة خلق جيلا عنيفا  

أوضح رئيس الشبكة الوطنية لحماية الطفولة «ندى» عبد الرحمان عرعار، أن تنامي ظاهرة العنف في أوساط الشباب والمراهقين تعود بالدرجة الأولى إلى عدم المتابعة منذ الصغر لهذه الفئة، خاصة الجيل الذي عايش فترة الإرهاب والدمار التي كانت في الجزائر سنوات التسعينات، وهو الأمر الذي جعل الشباب الآن يخرجون مكبوتاتهم في شكل عنيف خاصة في الملاعب. وأشار عرعار إلى أن معظم شباب هذا الجيل لم يعش فترة طفولته بسبب الإرهاب والصدمة التي سببها له، ما جعله يعيش فترة صعبة أدت إلى فقدانه لطفولته وضربه في شخصيته وتكسير روابطه مع مجتمعه، مؤكدا أن انعدام المتابعة لهذا الجيل في طفولته تسبب في إخراجه لهذه المكبوتات في شكل عنيف، مضيفا أن الجزائر لا تتوفر على مراكز خاصة لإعادة بناء شخصية ضحايا الآفات الاجتماعية والعنف الاجتماعي، التي تعمل على إعادة ربط ضحايا الإرهاب من الأطفال بمجتمعهم واستدراك ما فاتهم من فترة طفولتهم. وأضاف عرعار أن الأسباب التي أدت إلى جنوح هذا الجيل للعنف وممارسة أفعال خطيرة متعددة ولا يمكن حصرها في انعدام المتابعة النفسية لهم فقط، مؤكدا أن المجتمع والأسرة لهما دور كبير في ربط الشباب بالمجتمع، إضافة إلى ضرورة إعادة بناء المنظومة الاجتماعية التي تعيش انكسارا في الجزائر، حيث لا يوجد ترابط بين مؤسساتها بداية من الأسرة مرورا بالشارع، وذلك من أجل فرض الاستقرار في المجتمع وخاصة في صفوف الشباب. وأشار رئيس شبكة «ندى» إلى أن الشباب الآن أصبح يأخذ مقوماته من الشارع بدل الأسرة والمؤسسات المجتمعية الغائبة، وهو الأمر الذي أثر عليه وجعله يأخذ مقومات سلبية حولته إلى آلة للعنف، خاصة أن معظم شباب هذا الجيل قد عايش فترة الإرهاب من دون متابعته نفسيا واجتماعيا، ما جعله يبني مقوماته بنفسه انطلاقا من مبادئ خاطئة.

 وجدوا فيها الأمن والاستقرار: الطب والقضاء وسلك الشرطة.. أحلام جيل العشرية السوداء

 «مهنة القضاء مكّنتني من الحكم بالعدل» .. «كنت أرى في دخولي صفوف الشرطة متنفسا وحماية لعائلتي الصغيرة» .. «أنا طبيب، وأقسم باللّه أنني لن أترك شخصا يموت أمام عيني دون فعل شيء لإنقاذ حياته» .. هي بعض الشهادات التي وقف عليها أطباء نفسانيون ومعالجين للأمراض العقلية، تولّوا مهمة علاج حالات عايشت في صغرها العشرية السوداء وعشّشت فيها عقدة الألم، إذ لم يجدوا من وسيلة للخروج من الويلات التي عايشوها سوى عمل يضمن لهم الإستقرار والأمن. من خلال حديث «النهار» إلى الأخصائيين الذين عايشوا المرحلتين واحتكوا بجيل ما بعد العشرية، تبين أن أغلبهم احتكموا إلى الرغبة الجامحة في الانتقام لكن بأسلوب غير الأساليب التي تعودنا سماعها، فمنهم من أصبح طبيبا، ومنهم من اختار القضاء كمتنفس عن الفاجعة التي تعرضوا لها في التسعينات، إلا أن أغلبهم أجمعوا على أن كل الحالات التي استقبلوها يحاول أصحابها الهروب من شبح الماضي، الذي يدفعهم إلى ارتياد المراكز الصحية المتخصصة لعلاج أنفسهم، وتفادي وقوع ما لا يحمد عقباه.

درس الطب ليكفّر عن عدم قدرته على إنقاذ أمه

يكشف الدكتور «م.ك»، متخصص في الأمراض العقلية منذ 20 سنة، أنه في سنة 1998، بدأ في الإشراف على حالة الطفل «أيمن» الذي كان يعاني من نوبات هستيرية متكررة، يقول الدكتور: «كان أيمن هزيلا جدا، يبكي مرارا وتكرارا، عنيف جدا، لا ينطق سوى كلمة ماما، لم يكن سنه آنذاك سوى 14 عاما، توفيت أمه على مرأى منه، في مجزرة «بن طلحة»، حاول إنقاذها إلا أن مشيئة اللّه كانت أسبق، منذ ذلك الحين، والطفل مضطرب، همّه الوحيد هو إنقاذ حياة الناس»، واصل الدكتور بنبرة حزينة جدا: «قدّمت الاهتمام لذلك الطفل وكأنه ابني، لاحظت عليه ميوله الكبير لمهنة الطب، فدعّمته وساندته إلى أن بلغ أشده، ودخل كلية الطب والآن هو طبيب جراح يزاول عمله بأحد مستشفيات العاصمة، ولايزال يواصل جلسات العلاج إلى يومنا هذا، كون الجرح النفساني من الصعب شقاؤه»

دخول الشرطة حرّره من عقدة الإنتقام

أما الدكتور «ب.ط»، الذي عمل في مستشفى البليدة للأمراض العقلية، فكان هو الآخر شاهدا على جيل عايش الأزمة، وكبر وذرة الحقد مغروسة فيه، إلا أن العلاج المتواصل كان كفيلا بإنقاذه من دوامة رهيبة، تدفعه إلى التخلي عن فكرة الانتقام التي كانت تعتريه، يقول الدكتوركانت الحالة النفسية لـ«يزيد» معقدة جدا، كان يحمل معه سكينا أينما ذهب، لقد كان له رمزا للأمان .. هذا الطفل فقد كل أفراد عائلته في عمليات قتل في البليدة، حلمه كان الالتحاق بصفوف الشرطة .. وبعد مرور 15 سنة، أصبح يزيد محافظ شرطة، وهدفه الذي يعيش من أجله هو الدفاع عن عائلته ووطنه، جهاز الشرطة بالنسبة له، يمثل بر الأمان ودرعه الواقي الذي لطالما كان يبحث عنه وبتحقيق حلمه، تحرر يزيد من كل عقده».

البروفيسور «عباس زيري»، متخصص في الأمراض العقلية في مستشفى تيزي وزو

اختيار العمل في مناصب حساسة هو الإستقرار لجيل ما بعد العشرية السوداء

من جهته أوضح البروفيسور «عباس زيري»، متخصص في الأمراض العقلية في تيزي وزو، أن جيل ما بعد العشرية السّوداء، وجدوا في اختيار مناصب حساسة وهامة، متنفسا لهم عن الألم الذي تعرضوا له، مشيرا إلى أن الوظيفة تمثل بالنسبة لهم الأمان. وحسب الدكتور، فإن اختيار العمل في مجال القضاء يمثل لجيل ما بعد العشرية الاستقرار والأمن، وعدم التعرض للبطالة، كونها صفة لصيقة بالجزائريين قبل أية اعتبارات، خاصة وأن هذه الشريحة، كانت ضحية فترة عصيبة مرت بها البلاد، لكن شغلهم لوظائف هامة، مكّنهم من الخروج من العقدة التي كانوا يتخبطون فيها.              

 

 

رابط دائم : https://nhar.tv/w5ik6