إعــــلانات

هكذا نجا الجنرال العماري من رصاص «الجيا» ومن قنابل السلطة

هكذا نجا الجنرال العماري من رصاص «الجيا» ومن قنابل السلطة

لعيايدة خطط لاغتيال الجنرال العمّاري لكنه فشل لأن ملامح وجهه كانت غير معروفة

 الفريق توفيق مدين أراد إنجاح المفاوضات مع «الأيياس» فكلّف الجنرال اسماعيل بها لثقته فيه

العماري تحدى قنابل الجيش وقال سأزور تاكسانة حتى ولو أمطرت السماء حجارة

الجيا خططت لاختطاف بنات العماري ومقايضتهن بلعيايدة

 أن تفكر في البحث عن حياة رجل مخابرات قوي، وأن تحقق في التفاصيل الدقيقة من طفولته إلى مماته فهو من باب المعجزات في الجزائر، بسبب الصورة النمطية المعروفة عن جهاز المخابرات والتي لا تخرج عن نطاق الخطر والخوف والسرية. تجسد هذا الكلام ونحن بصدد البحث عن رأس الخيط في حياة إسماعيل العماري، حتى خُيل لنا أن شبحه لا زال يطوف بعد مماته  .التحقيق حول حياة الرجل اللغز أخذ من الوقت حوالي 3 أشهر، ضم شهادات أفراد عائلة الجنرال، وأمير وعناصر من الأيياس، وكذلك جيران الجنرال الراحل وأصدقائه.

حي بلفور.. الكل يعرف لكن ممنوع الكلام

بداية القصة كانت يوم ذهبنا إلى حي بلفور الشعبي بالحراش في العاصمة، مهد إسماعيل العماري، أين ولد وتربى، وفيه ترعرع. دخلنا مقهى الشهاب، المكان الذي كان يجمع العماري بأصدقائه، لكن جميع من سألناهم التزموا الصمت، واتخذوا من المثل القائل «أحفظ الميم تحفظك» شعارا لهم. عاودنا الكرة في نفس المقهى مرات عديدة، حتى استطعنا الوصول إلى أحد الأشخاص المعروفين في الحي، والذي أبدى لنا استعدادا للتعاون معنا، فأصبح مع الوقت دليلنا في الحي، وراح يعرفنا بأصدقاء الجنرال، ومنزليه، لكن ما إن أفصحنا عن هويتنا والمهمة التي نحن بصدد القيام بها، حتى انصرف الجمع ورفضوا التحدث. قصدنا بعد أن نزلنا على حي بلفور، مصنع الأدوية بأولاد فايت، والذي تملكه إحدى بنات الحاج إسماعيل، وتم الاتفاق بعد أخذ ورد، على تسجيل شهادة مطولة عن حياة الوالد، لكن دون أن تظهر أي من بناته على الشاشة، فكان ذلك، وكانت أول خطوة نحو تجسيد التحقيق لنتفاجأ بعد بث إعلان التحقيق من رد فعل عائلة الجنرال، وطلبها بإلغاء الإعلان، وحذف الحوار.. لنرجع بعد ذلك إلى نقطة الصفر.

جيران العماري.. نحن أولى بالكلام عن الجنرال

كان طلب بنات الجنرال حذف حوارهن بمثابة رجوع إلى نقطة الصفر، فعاودنا الكرة مرة أخرى نحو حي بلفور، علّنا نظفر بشهادة مميزة. وعند الوصول إلى مقهى الشهاب، كان وقع الإعلان على الجيران قويا، حيث تغيرت نظرة سكان بلفور تجاهنا، وأصبح مرحبا بنا عكس الزيارات السابقة. وتم الاتفاق مع بعض الجيران على تسجيل شهادات مطولة، تبرز حقيقة الرجل وما قام به في الحي. في نفس الفترة، قمنا باتصالات مع أشقاء الحاج اسماعيل العماري، عمي حميد شقيق المرحوم الذي أبدى استعداده لإعطاء معلومات لكن دون تصوير، أما يوسف فقد وافق على الحوار لكن بشروط، أهمها انتقاء المتحدثين، فما كان منا سوى الموافقة.

من الكشافة إلى الجبل قصة رجل يعشق السرية

لا يختلف اثنان أن نور الدين، كما كان يطلق عليه أيام الثورة عشق ثورة نوفمبر، والتحق بها وهو في 17 من عمره، بعد أن قاوم المستعمر في صفوف خلايا الثورة السرية في بلفور، يروي عمي السعيد صاحب ورشة الكهرباء الذي اشتغل فيها العماري بعد انقطاعه عن الدراسة، كيف كان يأخذ سيارة عمي السعيد للقيام بعمليات في ساحة الشهداء وساحة أول ماي. يوسف شقيق إسماعيل، يتذكر جيدا كيف داهم الاستعمار الفرنسي منزل العائلة في بلفور بحثا عن ابنهم، لكن نور الدين أفلح في الإفلات من المستعمر والاختباء في المقبرة المجاورة للمنزل. بعد تفكيك خلية بلفور، وانقطاع الاتصال بين إسماعيل ومسؤوليه، هرب العماري من حيه نحو جبال الأخضرية، بحثا عن الثوار، ليسقط في يد جيش التحرير وهو لا يعرف من الأسماء إلا بن يوسف، تذكره لهذا الاسم أنجاه من مقصلة الشك، ليتوج بالانضمام لصفوف الثوار، حسب ما يروي لنا بن يوسف. وقد ارتبط اسم نور الدين العماري بالعديد من العمليات على غرار عملية تصفية عملاء الاستعمار في منطقة الكاليتوس، وعملية قتل أحد قيادات الجيش الفرنسي بساحة أول ماي.

اكتشفه قاصدي مرباح وشجعه علي تونسي

بعد الاستقلال، لم يجد العماري مبتغاه في جهاز الشرطة، بسبب حبه للعمل السري، وتفضيله العمل في الخفاء، فلم يعمر كثيرا في سلك الشرطة حتى تم استدعاؤه من طرف الأمن العسكري، وهذا بعد اقتراحه من طرف عمي السعيد حملات، صاحب الورشة الذي عمل عنده أيام الطفولة، ليقف أمام المرحوم علي تونسي، قاصدي مرباح نور الدين زرهوني، ويبرز قدراته التي مكنته من الظفر بمسؤولية ميناء الجزائر، ليرسل بعدها إلى روسيا ويتكون تحت إشراف قادة المخابرات الروسية « كا جي بي «، كما يشهد عمي السعيد وشقيقه يوسف. أما بالنسبة لعلاقة الجنرال الراحل بلعبة كرة القدم، فقد تجمع الشهادات على أن إسماعيل تدرج في صفوف فريق حيه الشهاب، وقدم الكثير لهذا النادي المتواضع، فبفضله استطاع الشهاب الظفر بمقر ثابت، كما كان يشرف على تنظيم حفلات الفريق الراقية والتي كانت تنافس حفلات الأندية الكبرى. رشيد العيد ومحمد بن إيدير ومسعود محمد، مؤسسو النادي الذين كانوا رفقة إسماعيل، لا يفوتون أية فرصة لإرجاع جميع ما تحصل عليه النادي لإسماعيل.

العماري والبحر.. قصة عشق

عرف عن الجنرال الراحل حبه للبحر، وتمتعه رفقة أصدقاء حيه بالإبحار على متن الزوارق، خاصة وهو مسؤول في ميناء الجزائر حيث كانت جميع الوسائل متاحة له، لكنه لم يحرم أبدا سكان بلفور من هذه الصلاحيات. عمي ناجي صديقه الحميم يحكي كيف كان يخرج معه إلى الميناء، وكيف كانوا ينظمون رحلات شواء أسبوعية في شواطئ الجزائر العاصمة، ويتذكر جيدا يوم أن عانقه قاصدي ظنا أنه إسماعيل، للشبه بينهما، ما يبرز حب مرباح للعماري وإعجابه به.

الهجوم على فيلا بلفور والرحيل نحو السعيد حميد

في بداية التسعينات، وبعد أن ارتقى العماري في الرتب، أصبح قليل الظهور، وبدأ عمله يتسم بالسرية، حتى أصدقاؤه في بلفور حرموا من رؤيته.. منزله في بلفور، كان بمثابة ساقية للفقراء، حيث كان يسمح للجيران بتعبئة الماء من حنفية وضعها خصيصا لهم، الأمر الذي سمح للإرهابيين باختراق الحي، ومعرفة تفاصيل المنزل. وحسب ما يقصه شقيقه يوسف، فإنه في يوم من الأيام هجم الإرهابيون على المنزل فلم يجدوا سوى الحراس، فأطلقوا النار على الحارس وأردوه قتيلا، واستطاعوا الوصول إلى سلاحي كلاشينكوف ملكا للجنرال، واستحوذوا عليهما. يرى شقيق المرحوم أن هذه الحادثة كانت سببا في رحيل العماري من بلفور إلى إقامة قادة الجيش بـ«السعيد حمدين»، خوفا على عائلته، في ظل غيابه ليوم كامل عن المنزل، لكن في ظرف أسبوعين ألقى الجنرال بفضل حنكته ودهاءه القبض على خلية الإرهابيين في بلفور، وتمكن من استرجاع سلاحيه. وفي الجزء الثاني من التحقيق التلفزيوني الذي قامت به قناة «النهار» ، والذي يُبث غدا الأربعاء ابتداء من العاشرة ليلا، تم تناول قصة الاتصالات التي  كانت تجري في سرية بين مصالح الأمن العسكري، وقادة الجيش الإسلامي للإنقاذ، والتي تطورت إلى مفاوضات، ويحوي هذا الجزء تصريحات مثيرة من طرف أمير الأيياس سابقا مدني مزراڤ، إضافة لمحاولة عبد الحق لعيايدة قتل الجنرال اسماعيل العماري، لكن هذا الأخير نجح في إسقاطه في شباكه.

العماري ولعيايدة.. « تروح تروح وتطيح في يدي «

بعد هروب عبد الحق لعيايدة إلى المغرب سنة 1994، كُلف العماري رفقة وفد من الأمن العسكري بإعادته والتحقيق معه.. وهنا يسرد عمي ناجي صديق المرحوم كيف حكى له الجنرال عن جلب العيادة، هذا الأخير وبعد رؤيته للجنرال تكلم قائلا: «كنت أعرفك عن طريق الراديو فقط». أما شقيقه يوسف، فكان حذرا جدا في حديثه عن أمير الجيا، خاصة بعد تذكره ليوميات حي بلفور التي حاول فيها لعيايدة قتل العماري، وكيف كان يترصد له، لكن إسماعيل نجا من محاولة الاغتيال لكون لعيايدة كان يجهل ملامح الجنرال، وهو الأمر الذي دفع الجنرال الراحل حين تم جلب لعيايدة من المغرب لزيارته في زنزاته ومقابلته بعبارة: « أنا هو إسماعيل العماري «.

لعيايدة: ما أعرف عن إسماعيل أنه عدوي.. وأبلغته بمحاولة اختطاف بناته

قصدنا منزل عبد الحق لعيايدة، أمير الجيا، وحاولنا إقناعه بتسجيل شهادته حول الجنرال إسماعيل العماري، فرد قائلا: « كل ما أعرفه عن إسماعيل أنه عدوي «، فسألناه إن كان قد أمر بقتله أو حاول ذلك، فنفى، لكنه ذكر أن مجموعة من إرهابيي الجيا حاولت اختطاف بنات العماري لمقايضتهم بلعيايدة أيام اعتقاله، إلا أن الأخير رفض هذه العملية. في شهادته حول سيرة الرجل الراحل، قال مدني مزراق أمير الأيياس أن فكرة المفاوضات بين جماعته والسلطة تعود إلى الفريق توفيق مدين، الرجل الذي أوفد له المجاهد موسى عيساني وهو من أعيان منطقة جيجل، والمحامي بشير مشري، حينها بدأت الاتصالات بين الطرفين، لتتحول إلى لقاءات بمنطقة بني خطاب في أعالي جبال تاكسنة بولاية جيجل، ليدخل على الخط مبعوث الفريق توفيق، وهو العقيد أيوب أحد أبناء المنطقة، وكان ذلك شهر أفريل من سنة 1995.

الرجل اللغز.. يستلم الملف

وفي بداية سنة 1997، يقول مدني مزراق، إنه بعد سنتين من تكليف العقيد أيوب وعقده للقاءات متواصلة مع قيادة الجيش الإسلامي للإنقاذ، كلف الفريق توفيق الجنرال إسماعيل العماري بملف المفاوضات، وبدأ الاتصال بين مدني وإسماعيل، واتفق الطرفان على اللقاء وجها لوجه، وبعد أخذ ورد تم الاتفاق على مكان اللقاء بمنطقة الخناقة، وهي منحدر سفلي خلف منطقة منحوس بجبال تاكسانة، في بيت قديم يعود للعهد الاستعماري. فاروق، أمير المنطقة الأولى في الأيياس، والذراع الأيمن لمزراق، يتذكر جيدا كيف سبق أول لقاء بين مدني والعماري قصف عنيف للمناطق التي كانت تدور فيها لقاءات العقيد أيوب بمزراق، حيث أحرقت القذائف كل المنازل. مزراق هو الآخر لم ينس ذلك اليوم، وقال أنه قام بالاتصال بالعميد العماري مخبرا إياه بالحالة الأمنية، فما كان من العماري إلا مفاجأته بالعبارة التالية: «سأحضر إلى تاكسانة حتى لو أمطرت السماء حجارة». يواصل فاروق شهادته، نزل العماري في مطار جيجل، وانتقل إلى مديرية الاستعلامات والأمن بجيجل، ومن هناك تم نقله عن طريق سيارة تابعة للأيياس على الأغلب «غولف» من الجيل الثالث خضراء اللون، ملك للجيش الإسلامي للإنقاذ، لم يكن العماري وحيدا، بل كان رفقة بعض الحرس.

مزراق: أطراف في السلطة كانت تعمل على إفشال الحوار والمفاوضات

رغم عدم رغبة بعض الأطراف في السلطة المفاوضات وعملها على إفشاله في أولى خطواته، وهذا عن طريق قنبلة أماكن اللقاء، إلا أن العماري أبدى شجاعة كبيرة وحضر اللقاء الموعود في الخناقة، اللقاء الأول حسب مزراق كان لكسب ثقة لكلا الطرفين، فأمير الأيياس تعمد المشي قبل العميد حتى يطمئنه، وخيره بين الحوار معه فقط أو بحضور عناصر القيادة الوطنية للجيش الإسلامي، وتمخض عن اللقاء الأول وضع خريطة لتواجد عناصر الأيياس، وخطة وقف إطلاق النار ليتوج باتفاق هدنة. وبعد إتفاق الهدنة، توالت اللقاءات بين مدني مزراق وإسماعيل العماري، لكن تم تغيير المكان نحو منطقة ذراع الديسة، وقد انصبت معظم اللقاءات على دراسة مشروع المصالحة الوطنية في شقيه التقني الإداري وشقه المعنوي يقول مزراق. وقد شهدت اللقاءات المتتالية، حراسة أمنية مشددة من طرف عناصر الأيياس، خوفا من التشويش عليها يقول « سعيد « أحد مسؤولي الأمن في جبال بني خطاب. ويردف صلاح الدين المكلف بالحراسة في النقطة الأولى إن الأيياس كانت تخشى من تشويش الجيا على المفاوضات، وخلق مشاكل للطرفين سواء النظام أو الأيياس. وإذا كانت الأيياس تخشى من تشويش الجيا على المفاوضات، فإن الحاج إسماعيل كان يخشى من تشويش بعض أجنحة السلطة الرافضة للحوار مع الأيياس، وهو ما كان يزعجه ويقلقه، ويفسر مزراق هذا الطرح من خلال كلام الحاج له، حين أعلمه أنه سيستقيل فور رجوعه من جبال تاكسانة. وأضاف مزراق أن جماعة في السلطة استنكرت على العماري ذهابه بعيدا في المفاوضات مع الجيش الإسلامي، ليرد عليهم الجنرال أن قضيته مع رجال.

يوسف العماري: علمنا بسفره إلى جيجل عن طريق شقيقه الطيب رحمه الله

عائلة العماري لم تكن تعلم بسفر الجنرال إلى جيجل، حيث كان يخرج من المنزل باكرا، ولم تكن تبدو عليه أية علامات سوى القلق أحيانا، لكن أصدقاء شقيقه الطيار الطيب رحمه الله، أخبروا شقيقه بأن إسماعيل يستقل الطائرة من المطار العسكري ببوفاريك نحو جيجل وهو ما كشفه لعائلته.

هدايا بين العدوين الحميمين

المفاوضات وطدت علاقة الرجلين، وأصبحا يتبادلان الهدايا، فبعد الاتفاق على وقف إطلاق النار نزل العماري إلى منزله وهو محمل بالعسل الحر والكرموس الجيجلي، لكنه عاد في المرة التي تلاها إلى تاكسانة وهو يحمل صينية حلوة البقلاوة وسلمها لمزراق، في إشارة إلى أن كلاهما أطعم الآخر «ملح الدار» كما يقال. جميع الروايات التي جمعناها في هذا التحقيق، اتفقت على أن الجنرال إسماعيل، كان مقيما للصلوات، وأنه أدى فريضة الحج مرتين، واعتمر عشرات المرات، ولم يعرف عنه شربه للخمر، وهو ما أكده شقيقه يوسف وصديقه ناجي وجاراه رشيد ومسعود. كما أضاف مزراق، أن الجنرال صرح له بعدم اعتراضه عن حكم الإسلاميين للجزائر، ورحب بما تحمله الديمقراطية. ويواصل أمير الأيياس شهادته بالقول بخصوص ملف المصالحة الوطنية، أن  العماري واجه مشاكل جمة في السنوات التي تلت عام 2000، حيث كان يتصل بي ويقول لي بالحرف الواحد: « يا عمر، أنا وأنت في شاشية وحدة، إذا كلاونا ياكلونا في اثنين». ويضيف مزراق « كلمته يوم مرض الرئيس في 2005، وأخبرته أنه يجب إعلام الشعب بحقيقة مرض الرئيس وإمكانية مواصلته للعمل أو عجزه «، فرد علي قائلا: « الرئيس سيكون يوم السبت في الجزائر «، وهو الأمر الذي حصل.

 

 

 

 

رابط دائم : https://nhar.tv/ois9p
إعــــلانات
إعــــلانات