وقفة مع النفس

تكون الغيبة بذكر الآخرين بما يكرهون من صفات موجودة فيهم، والحقيقة هي أن الغيبة ليست حكرا على النساء فقط أو على مجتمع واحد فحسب، بل هي طبيعة موجودة في نفس الإنسان، إن هذه العادة القبيحة تحمل الإساءة للآخرين من دون علمهم، وهي تدل على الضعف، فالإنسان القوي الواثق من نفسه ومن قدراته والمنفتح ذهنيا، يعرف أن لكل إنسان حقه في أن تحترم كرامته وأن لا يتم المساس بها أبدا، وبهذا فأنت عندما تغتاب أحدا فأنت تسيء إلى نفسك قبل كل شيء وتقلل من قدرها .
إن الناس دائما يعرفون أن من يغتاب الآخرين أمامهم فإنه قد يذهب ويغتاب هؤلاء أيضًا أمام أناس آخرين، فتضيع الثقة في العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص، وتصبح رؤية الشخص الذي يغتاب أمرا غير محبب. والغيبة تعطي انطباعا بأن الذي يغتاب هو إنسان فارغ لا هدف له في الحياة سوى تصيّد أخطاء الآخرين ونقدهم وترديد ما يقولون بسخرية، عكس الإنسان الناجح الواعي الذي يضع أمامه أهدافا يحققها، ولا وقت لديه لهذه الأشياء، ناهيك أن الله حذرنا من أن نسخر من الآخرين، فربما يكونون خيرا منا عند الله ونحن لا نعلم، وبذلك نكسب السيئات.
تفكك الغيبة العلاقات الاجتماعية وتنشر البغض والكراهية بين الناس، ليس فقط بينك وبين الذي تغتابه، بل أيضا بينك وبين أولئك الذين تغتاب أمامهم، فاسأل نفسك دائما قبل الحديث عن أي شخص، هل ما سأقوله يمكن أن يؤذي الشخص الذي أتكلم عنه أو يشوه سمعته؟ وهل سيكون الشخص الذي أتحدث عنه سعيدا إذا سمعني؟ وهل سأكون أنا سعيدا عندما أعيد التفكير فيما سأقوله عن هذا الشخص؟ إذا كنت على وشك ذكر شخص ما بسوء، فتخيل أنه من الممكن أن يكون واقفا خلفك، وأنه قد يأتي بينما تكون أنت تتحدث عنه، أو ضع نفسك مكانه وتخيل ما يمكن أن يشعر به هذا الشخص.
من المهم أن تتذكر أن أفضل رادع للغيبة هو عن طريق تذكر عقاب الله سبحانه وتعالى وغضبه على الذين يغتابون ويذكرون الآخرين بسوء، فأنت في غنى تام عن الإثم الذي سيلحق بك في حال اغتبت الآخرين، حتى وإن كانت هذه الصفة موجودة فيهم فعلا، فاحرص على تجنبها لأنك لا تدري، لربما تدور الأيام وترتكب أنت نفس الفعل الذي كنت تنتقده في شخص ما، وهو أمر وارد جدا إذا ما اغتبت الآخرين، وتذكر أن عليك الاستعانة بالله سبحانه وتعالى بأن يساعدك على التخلص من الغيبة والابتعاد عنها، وأن تدعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء: «اللهم اجعل كتابي في عليين، واحفظ لساني عن العالمين»، ردد الدعاء دائما كلما تذكرت أو كلما هممت بغيبة أحد.
@ ناصح