الاحتراف في الجزائر.. بعقلية Avancer l'Arrière

جاء إعلان رئيس الرابطة الوطنية لكرة القدم محفوظ قرباج عن اقتراب شراء شركات عمومية لقرابة 12 فريقا من الرابطة الوطنية المحترفة الأولى، ليعيد إلى أذهان الجميع سياسة الإصلاح الرياضي التي أطلقها الرئيس الراحل هواري بومدين سنة 1977 من أجل تعزيز المنظمة الرياضية ونسخ تجربة الثورة الزراعية إلى ثورة رياضية، وبذلك العودة بـ 36 سنة إلى الوراء، بسبب عجز الأندية والفرق الجزائرية لكرة القدم خصوصا عن مجاراة الاحتراف الذي سطرته الاتحادية الجزائرية في ثالث موسم له.وتتجه الكرة الجزائرية نحو نسخة جديدة من سياسة قديمة طبقتها السلطات الجزائرية في جميع القطاعات، بما فيها قطاع الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا، وتقسيم الجمعيات إلى جمعيات رياضية محلية هاوية وأخرى رياضية تمثل النخبة، من خلال تدعيمها بالمؤسسات العمومية وتوفير كل الإمكانات المالية والبشرية من أجل تطوير الرياضة الجزائرية، حيث إن شراء سوناطراك هذا الموسم بفروعها الأربعة لأندية جزائرية على غرار مولودية الجزائر، مولودية وهران وشباب قسنطينة كان بمثابة الشرارة التي أشعلت غضب الفرق الأخرى التى كشفت عن رغبتها في أن يكون لها حق من أموال الدولة، رافضة التمييز، مما دفع السلطات لمحاولة تعميم الفكرة وهو ما اتضح جليا في تصريحات قرباج عن اقتراب شراء شركات عمومية لقرابة 12 فريقا الموسم القادم.
تخوف الشركات الخاصة من الاستثمار في الفرق سبب فشل الاحتراف
يعتبر فشل الاحتراف في ثالث موسم له في الكرة الجزائرية، السبب الرئيسي لعودة التفكير في السياسة القديمة، حيث لم تتمكن الأندية الجزائرية من إيجاد شركات خاصة تشتري أسهمها، لتتخبط في الأزمات المالية الخانقة ماعدا نادي اتحاد العاصمة الذي اشتراه رجل الأعمال علي حداد ورفض بعض المسيرين تسهيل الأمور لمن يرغب في الاستثمار في الأندية، حيث يعني ذلك خروجهم من الباب الضيق، وهو ما خلق صراعات كبيرة وأعطى نظرة سئية للشركات الخاصة حول هذه القضية، مما جعلها تصرف النظر وترفض المغامرة في سوق تعتبر جديدة في الجزائر.
هل القرار مدروس أم ارتجالي؟ وهل العودة إلى الخلف تقتصر على العودة فقط؟
أسئلة كثيرة ستبقى مطروحة أمام القرار المرتقب حول عودة الشركات العمومية إلى الاستثمار في الفرق، أبرزها: هل ستكون الأندية الجزائرية عبئا على الشركات العمومية التى هي الأخرى تتخبط في مشاكل كبيرة، أهمها الفساد على غرار ما يحدث في شركة سوناطراك، أم أن فترة امتلاك أسهم الفرق لن تكون طويلة المدى وستشهد ما حدث في سنوات التسعينات لما انسحبت الشركات العمومية من تمويل الفرق والجمعيات الرياضية، وهل العودة إلى الخلف ستجلب إضافة وفوائد جديدة، أم أن القرار ارتجالي وغير مدروس للاستفادة من أخطاء الماضي وعدم تكرارها حاليا، وإن كانت الأندية الجزائرية في تلك الحقبة قد حققت نتائج طيبة محليا وقاريا.
الاحتراف ليس قانونا فقط ولا نجاحا من دون طابع اقتصادي وصفقات تجارية في المجال الرياضي
نجاح الاحتراف مرهون بعدة أمور وترجمته من النظري إلى التطبيقي يجبر على الاعتماد على طريقة تسيير مدروسة، لأنه لا يمكن تفعيل الاحتراف من دون الوصول إلى الطابع الاقتصادي والتجاري لكرة القدم على شاكلة الفرق الأوروبية العالمية التى تعتبر مؤسسات اقتصادية بلباس رياضي، وكل صفقات اللاعبين مدروسة، وكذلك دخول عالم البورصة والدعاية والإعلان وحقوق البث بأموال كبيرة، هذا كله يمنح كرة القدم والأندية طابعا اقتصاديا ويسمح لها بتمويل نفسها بنفسها وضمان استمراريتها.
الذهنيات لابد أن تتغير وعقلية “دراهم البايليك” يجب نسيانها
دروس كثيرة يجب استخلاصها من تجربة سنة 1977 من أجل تجسيد الاحتراف الحقيقي في الكرة الجزائرية، بداية بتغيير الذهنيات لدى المسيرين والقائمين على شؤون الفرق الجزائرية، لأنها طالما كانت عائقا كبيرا وسببا بارزا لعدة مشاكل تخبطت فيها الساحرة المستديرة في ملاعبنا الوطنية، وبقت رهينة تصرفات وقرارت غير مسؤولة، بالإضافة إلى ضرورة تغيير العقليات التي كانت سائدة ولاتزال موجودة وهي اللامبالاة في التصرف في أموال الدولة الجزائرية، من دون نسيان الاحترافية في التسيير وإبعاد من لا يفقه شيئا في كرة القدم سوى “التشحام“.