الحب الأول يراودني.. والضمير يؤنّبني تجاه قرّة عيني

السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
سيدتي الفاضلة نور.. قبل أن أسترسل في الكلام؛ أودّ فقط أن أشكرك على رحابة صدرك وعلى سعة صبرك أمام المشاكل اليومية التي تردك من القلوب التي جارت عليها الأيام ومزّقتها الأحزان، فردودك الشافية والراجحة شجعتني لأخرج ما يتأجّج في صدري؛ فأنا بين الماضي والحاضر على وشك أن أفقد صوابي.سيدتي نور.. أنا رجل في العقد الرابع من العمر، إطار في إحدى المؤسسات الوطنية، رزقني الله زوجة ولا أروع، ووهبني معها زينة الحياة الدنيا، فلا مال ينقصني ولا ذرية صالحة كذلك، لكن ثمة مشكلة تراودني من حين إلى آخر، وهي ذاك الماضي الذي يأبى أن يفارق مخيلتي، فعلى الرغم من أني أعيش مع زوجة هي قرّة عين بالنسبة لي؛ أكن لها كل الودّ والاحترام؛ إلا أن الحب القديم يطفو دوما على سطح حياتي ويعيدني إلى تلك الذكريات الجميلة التي عشتها مع الفتاة عرفت معها رونق الحب لأوّل مرة في حياتي، لكن للأسف حرمني منها القدر لأسباب لا يسمح المجال لذكرها.تجاوزت الموقف، وأدركت وقتها أن الحياة على الرغم من كل شيء لابدّ أن تستمر مادام الله يمنحنا فرصة في كل يوم تشرق فيه شمس الأمل، تابعت دراستي وكوّنت نفسي وحقّقت كل ما طمحت إليه، وها أنا اليوم والحمد لله أحيا حياة سعيدة إلى جانب زوجة ودود؛ لكن الماضي لا يفارق خيالي.سيدتي.. صدّقيني إن قلت لك أن هذا لا يمنعني من حب زوجتي واحترامها، لكن لا أجد أي مبرّر لاستحضار الماضي الذي يبعثني أحيانا على بساط الحنين إليه إلى التفكير في تلك الفتاة، فأحيانا أرى في ذلك أمرا غير عادي لدرجة أني أشعر بتأنيب الضمير حيال زوجتي، فهلاّ أنرت دربي بحل يمكّنني من النسيان ومن التخلّص من تلك الذكريات..؟.
الحائر من “ع” من الشرق
الرّد:
سيدي.. أنا من عليه أن يشكركم على الثقة التي وضعتها فينا والتي هي حقيقة الأمر تكليف أكثر منها تشريف، فألف شكر لك ولكل من فتح قلبه لنا وجعل قلبه كتابا مفتوحا أمامنا.سيدي.. في البداية دعني أدعوك إلى أن تهوّن على نفسك؛ لأنه واضح جدا من خلال كلامك أنك إنسان تخاف الله وتعي تماما ما عليك من واجبات حيال نفسك وزوجتك وأسرتك؛ وبالأخصّ حاضرك الذي أنت مسؤول أمامه، وهذا ما يؤكد أنك تماما مثلما أدركت في الماضي أنه لابدّ للحياة أن تستمر إن نحن خسرنا ذكرى عزيزة على قلوبنا؛ ستتمكن اليوم وبإذن الله من التخلّص من تلك الذكرى، فما تفكيرك من حين إلى آخر في الماضي إلا نوع من التحسّر على الحب الذي لم تنله والذي لم تتذوق طعم السعادة معه، فتبدأ في الأحلام وتتمنى لو أن الزمن يعود إلى الوراء لتحدّي كل الظروف فقط للفوز بها، فلو كنت تزوّجتها لكان الأمر عاديا جدا، وهذا يا أخي أمر قد يقع فيه أي كان؛ وليس بالأمر الخارج عن العادة، فغالبا ما يفكّر الإنسان في الأمور التي لا يملكها، خاصة الحب الأول الذي غالبا ما نعرف معه رونق المشاعر الملتهبة، وهذ الحب في أحيان كثيرة لا يعرف النور ويصعب نسيانه.لكنك اليوم يا أخي؛ تملك كل ما يمكّنك من نسيانه من زوجة طيبة وحياة سعيدة إلى جانبها، وأنا لا أرى أية خطورة على حاضرك بحنينك للماضي الذي تعبّر به عن ندمك لأنك لم تحسن الحفاظ عليه، لكن هذا الندم لم ولن يمنعك من نعيم الحاضر، وما عليك فعله فقط تدريب نفسك على النسيان، فالماضي وبكل ما يحمل من جميل وقبيح هو جزء منا، لكن لا يمكننا في أي حال من الأحوال أن نغيّره، وما عليك إلا تضعه في خانته التي يجب أن يكون فيها، لأن الحاضر أولى باهتمامك وطاقتك.سيدي.. إن اعترافك الجميل بالراحة التي تنعم بها إلى جانب رفيقة دربك؛ لأكبر دليل على أنك قادر بحول الله أن تفصل بين الماضي الذي يجب أن ترى فيه مجرد ذكرى وبين حاضرك، فحاول أن تشغل نفسك كلّما راودتك تلك الذكريات، فأنت فقط بحاجة إلى أن تدرّب نفسك على ذلك؛ وسترى كيف أن الأمور ستكون في صالحك إن شاء الله، دمت في أمان الله ووهبك الله الراحة والهناء.
ردّت نور