إعــــلانات

الحلقة 16

بقلم النهار
الحلقة 16

في خضم كل هذا الزخم، كنت على اتصال دائم مع المرحوم الحاج صدوق عن طريق الاتصال اللاسلكي وقد كان يؤكد مرارا على التحري والتأكد من نية المتظاهرين بسرعة

لتفادي تعذر التدابير الأمنية من القيام بالإجراءات اللازمة واتخاذ الاحتياطات اللازمة، لئلا يفلت منها زمام الأمر.
انطلقت المسيرة التي قام بها مناصرو الجبهة الإسلامية للإنقاذ، انطلاقا من نهج علي ملاح باتجاه نهج الاستقلال، وهنا بدأت الشكوك تتضاعف، وبدأت تساورني الشكوك أكثر مما يجري وعليه كنت أحرص دوما على إبلاغ القيادة بكل مستجد بصورة دورية ومستمرة، ابتداء من بداية المسيرة، كما قمت بالاتصال بكافة المسؤولين الذين كانت لدي معرفة بهم لمعرفة مسار المسيرة أو وجهتها، فقد عرفنا منطلق المسيرة دون معرفة دقيقة بمقصدها أو وجهتها النهائية، ولكن كل المسؤولين الذين اتصلت بهم وبما يشبه الإجماع لم يقدموا لي إضافات ولم يكشفوا لي مقصد المسيرة النهائي، حيث ظل كل واحد منهم يحيلني الى المسؤول الآخر.
حينها بدأت أستشعر بأن الأمور أضحت حساسة وحرجة، بينما كنت تحت ضغط إلحاح الحاج صدوق لتحديد الوجهة والإبلاغ عنها، لذلك اضطررت الى الاستمرار في البحث والتحري لمعرفة المزيد ولجأت الى تتبع الوضع عن قرب في الميدان، و حينما بلغت المنعرج القريب من “بوبييو” وبالتدقيق على مستوى مقر المؤسسة الوطنية للاستغلال للرصد الجوي والطيران، توقفت هنالك وتوجهت الى مسؤولي الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين كانوا متواجدين في الصفوف الأمامية وقلت لهم بصريح العبارة “إذا تعنتم وأصررتم على الاستمرار في المسيرة وإذا بلغتم محور الطرق ببوقرة، فإن الدماء ستسيل. وكمسلم، فإنه كان من واجبي أن أنبهكم وأطلب منكم أن تتحملوا مسؤولياتكم، و بالنسبة إلي فإنني لن أتحرك من مكاني هذا ولن أخطو خطوة أخرى و الله على ذلك شهيد، والله فاشهد على أنني بلغت”.
وقد اضطررت الى أن أؤكد على هذا الأمر لأنه في تلك الأثناء بالذات، سمعت بعضهم يتحدث عن نيتهم في التوجه الى مقر الرئاسة والمؤسسة الوطنية للتلفزيون.
بعد أن وجهت كلامي إليهم، انسحبت ووضعت نفسي جانبا، وقمت بعدها بإعلام الحاج صدوق الذي أمر باتخاذ الإجراءات الضرورية ووضع الإجراءت الأمنية اللازمة،
لاحظت اثنين من مسؤولي الحزب اللذان تصدرا المسيرة وكلماني في الجهاز اللاسلكي، واقتربا مني، حيث طلبا مني إمهالهم نصف ساعة من الوقت للاتصال بالشيوخ ثم العودة بعدها، و خلال تلك الأثناء أعلموني بأن المسيرة ستتوقف في ذلك المكان، وأخذت كلامهم محمل الجد، ووثقت به، لذلك قمت بإبلاغ الأمر عبر الجهاز اللاسلكي للقيادة، ولكن تدابير أمنية اتخذت مباشرة بعد الإبلاغ الأول الذي قمت بتوجيهه على مستوى محور الطرق بوقرة ومقر المؤسسة الوطنية للتلفزيون وفي محيط رئاسة الجمهورية.
في تلك الأثناء نزل المحافظ الرئيسي وقائد أمن دائرة بئر مراد رايس في تلك الفترة، وقد كان مكلفا بحماية محيط الرئاسة، نزل الى محور بوقرة، وقد حمل المسؤول معه تعليمات بمنع أي تقدم أو سير باتجاه نهج سويداني بوجمعة، وقد جندت فرقة كاملة مجهزة بكل عتادها الخاص بالتدخل، وتم نشرها في شارع الشهداء لمنع أي مسيرة باتجاه المؤسسة الوطنية للتلفزيون. بالمقابل قامت فرق من الدرك الوطني بالتموقع بمحاذاة محيط غابة بولون وساحة محمد الصديق بن يحيى، وبالتالي فإن كل المنطقة تم تأمينها ومحاصرتها، كما تم تجنيد فرق احتياط، لتكون على أهبة الاستعداد للتدخل أيضا ومنع أي محاولات للتقدم في تلك المناطق ومحيطها المباشر.
بعد فترة، عاد المسؤولون الذين توجهوا للقاء شيوخ الجبهة الإسلامية للانقاذ وأصبح هؤلاء أكثر قابلية للتواصل والتحاور، وفور وصولهم توجهوا إلينا قائلين
“عبد الصمد وأنا كنا معا واتفقنا على أن نقول لكم إنكم تمنعوننا من الصعود والسير، نعم نحن نقبل بذلك، ولكن من أين سنسير الآن للانصراف” أخذ كلامهم محمل الجد ولذلك قلنا لهم ردا على ما قالوه لنا “الأمر سهل، أمامكم حلين الأول أن تعودوا أدراجكم أي أن تعودوا من حيث جئتم والعودة بالتالي الى ساحة أول ماي، نقطة انطلاقكم، أما الحل الثاني فإنها سهلة أيضا، لقد كانت نيتكم أن تبلغوا نهج سويداني بوجمعة من خلال الالتفاف على اليسار انطلاقا من محور الطرق بوقرة، فعليكم أن تلتفوا يسارا ثم يمينا وتنزلوا شارع ديدوش مراد الى غاية “ميسوني” ومن ثم تواصلون باتجاه ساحة أول ماي.
حينها قبل المقترح الثاني من قبلهم، وقمت بسرعة بإشعار القيادة بالمستجد عن طريق الجهاز اللاسلكي، كما أشعرت القاعة المكلفة بالمرور لاتخاذ التدابير الضرورية والملائمة، بعدها استئنفت المسيرة كما أريد لها من ديدوش مراد وانتهت دون حادث يذكر، وبالطبع فإن المناصرين والمناضلين وطوال المسار الذي أخذوه لم ينفكوا من ترديد شعراتهم المعهودة “عليها نحيا وعليها نموت ودولة إسلامية”.
وبغض النظر عن تطورات الأمور، وتصعيد الموقف والجو المكهرب الذي ساد والمخاوف التي انتابت الجميع من إمكانية حدوث انزلاق خلال هذه المسيرة، خاصة في أوساط السكان لاسيما المجاورين للمناطق التي مر عليها المتظاهرون، عادت الأوضاع الى حالها وتلاشى الجو المكهرب بعد أن بلغت آخر المجموعات الى ساحة أول ماي.
ومع ذلك وكلما استمر الاضراب وطال أمده، كلما زاد الوضع الأمني تعقيدا وتدهورا، ففي تلك الفترة نزل الشيخ عباسي مدني الى جامعة باب الزوار وحاول إقناع الطلبة وجلبهم الى المسيرات والانضمام الى المناصرين والمناضلين الذين تجمعوا على مستوى، ساحة أول ماي، ولكن التدابير الأمنية التي وضعت في المنطقة، حالت دون تحقيق مثل هذا المسعى، وقد منعت قوات الأمن من إخراج الطلبة من الجامعة.
ولمحاولة كسر الفوضى التي بدأت تعم والتي سعى البعض لإحلالها، من خلال تنظيم المسيرات وكل تلك الحركات والتحركات، بدأت السلطة في التحرك واتخاذ التدابير. وأول القرارات المتخذة تمثلت في منع المسيرات والسماح بالمقابل لمناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالتموقع على مستوى أربع ساحات هي ساحة الحراش وساحة طرابلس بحسين داي وساحة أول ماي وساحة الشهداء، إلا أن مسؤولي الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين كانوا يديرون الحركة والمسيرات رفضوا هذه التدابير ولم يتقيدوا بها، بل على العكس من ذلك قاموا بتصعيد حركتهم الاحتجاجية، وبدأت هذه الحركة تأخذ بعدا أكبر وحجما أوسع كل يوم، الى درجة أننا أصبحنا نشهد يوميا مجموعات كبيرة على شكل سلاسل بشرية يسيرون على محور الحراش وحسين داي باتجاه ساحة أول ماي، ومن هنالك كان هؤلاء يتجمعون لاحتلال الساحة، ثم العودة الى نفس المسار الاعتيادي باتجاه ساحة الشهداء، حيث كانت مجموعات تتموقع هنالك وتتجمع أيضا.
بعد أن تجاهل قرارات الحكومة وتجاوزها، اتخذ عباسي مدني موقعا متقدما في المسيرات التي كانت تنظم في تلك الفترة وقد سعى الى التوجه صوب ساحة الشهداء، لكنه لسوء حظه وجدني أمامه على مستوى نهج عميروش بتعداد معتبر وإجراءات أمنية مشددة. قررت إيقافه مؤكدا له ضرورة التقيد بالقرارات التي اتخذتها الحكومة. حينها رد عليها بغضب وبنرفزة وبصوت حاد قائلا “على أي أساس تريد أن تمنعني من التعبير، فلا أحد بإمكانه أن يمنعني من ذلك”. بعدها وللتأكيد بالفعل على قوله، رفع يده وأمر مناضليه بالتقدم.

رابط دائم : https://nhar.tv/OZTjS
إعــــلانات
إعــــلانات