العدالة تفتح ملف سوريين استغلوا ورشة طرز لتحويل أموال ضخمة إلى «داعش»

مصالح الأمن حجزت 3.5 مليار سنتيم و6 آلاف دولار إلى جانب جوازات سفر من مختلف الجنسيات
شيخ سوري ضمن المتهمين كشف أنه أرسل أموالا إلى أولاده المقيمين بالخارج من عائدات التسوّل
فتحت، صبيحة أمس، محكمة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء ملفا ثقيلا يخص نشاط أشخاص من الجالية السورية المقيمة بالجزائر وعلاقتها بالتنظيم الإرهابي «داعش» الناشط ببلاد الشام والعراق، وكذا تهريب المهاجرين وتبييض الأموال ومخالفة التشريع الجمركي المتعلق بتنظيم الصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، حيث تمت متابعة 18 شخصا أغلبهم سوريون، منهم فاران واحد أردني وآخر فلسطيني.
كان على رأس تلك الشبكة مسير شركة طرز يقع مقرها بالشراڤة، وكان ينشط بها ابن مالكها و5 عمال، إلى جانب متهمين آخرين، منهم بنّاء يعمل بورشة «مترو الجزائر»، اتخذوا من ورشة الطرز مكانا لإجراء تحويلات مالية ضخمة يتكفل بها مسير الشركة لمجموعات إرهابية ناشطة بالخارج، وكذا تهريب المهاجرين السوريين عن طريق النيجر ومالي وموريتانيا والسودان، بالاستعانة بشبكات تهريب البشر.
تفجير القضية يعود إلى شهر أوت 2016، إثر معلومات بلغت مصالح الأمن الجزائرية حول تردد عدد كبير من أفراد الجالية السورية المقيمة بالجزائر بشكل دوري على ورشة طرز وخياطة كائنة بالشراڤة غرب العاصمة، وممارسات مشبوهة تتم هناك، وبتكثيف المراقبة والترصد ضبط بالورشة مجموعة من الرعايا السوريين على رأسهم مسير الشركة المدعو «ا.عماد» المنحدر من حلب بسوريا والمقيم بزرالدة في العاصمة.
والذي تبين أنه تبنى مهمة مساعدة أقرانه من السوريين بإجراء تحويلات مالية غير شرعية إلى وجهات دولية مختلفة، على رأسها تركيا وسوريا ولبنان وألمانيا، كما كشفت التحريات أن الأموال التي يتم جمعها من الجالية السورية المقيمة بالجزائر سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية كانت توجه للجماعات الإرهابية الناشطة بالخارج منها تنظيم «داعش» و«كتيبة الفاروق».
وقد تمكنت مصالح الأمن من مداهمة الورشة التي تم تأكيد أنها كانت خارج النشاط، بعد معاينة الآلات المغطاة بالأتربة، والتي ضبطت بها مبالغ مالية ضخمة من عملات مختلفة، منها 35 مليون دينار وأزيد من 6 آلاف دولار و4 آلاف ليرة سورية و100 دولار كندي وأخرى بالجنيه الاسترليني والريال السعودي، كما تم حجز مجموعة من جوازات السفر لعدة دول منها سورية وفلسطينية وتونسية بأسماء مختلفة، كما ضبط صاعق كهربائي ووثائق رسمية.
وبعد تعميق التحريات في القضية، تبين أن بعض المتهمين دخلوا إلى الجزائر بطريقة غير شرعية عن طريق شبكات تهريب المهاجرين عبر الحدود الجنوبية للوطن منها مالي والنيجر وموريتانيا، وهو حال شيخ يدعى «ي.عمر» من مواليد 1954، الذي كشف خلال محاكمته أنه دخل الجزائر خلال، صائفة 2016، بطريقة غير شرعية عن طريق شبكة لتهريب المهاجرين.
وذلك بعدما وجد نفسه مشرَّدا برفقة عائلته المكوّنة من زوجته وابنيه أحدهما معاق وزوجة ابنه و4 من أحفاده بلبنان، عقب مغادرته لسوريا إثر تدهور الأوضاع الأمنية وسجنه هناك خلال مظاهرة احتجاجية، وأضاف أنه التقى في لبنان بشخص سوري عرض عليه السفر إلى الجزائر بحكم أن الأوضاع المعيشية بها أسهل، فوافق بحكم أصول والدته الجزائرية، وربطه بشبكة مختصة في التهريب ودخل إلى الجزائر عن طريق النيجر ومالي وموريتانيا ثم الجزائر.
وأكد أنه تنقل بعد دخوله إلى الجزائر بين عدة ولايات وسلم نفسه للأمن ببرج بوعريريج من أجل الحصول على إقامة شرعية، غير أن الأمر تعذر عليه، وأنه منذ تاريخ حلوله بالجزائر استقر بالأغواط وتحول إلى «متسول» يتنقل بين المساجد لجمع الصدقات، فتجول بشوارع الجلفة وعين وسارة والأغواط.
مشيرا إلى أنه كان يجمع المال بغرض تحويله إلى عائلته بلبنان عن طريق شقيقه «فهد» الذي توسط له لدى المتهم الرئيسي «ا.عماد»، الذي لم يسبق له أن التقى به، حيث سلمه مبلغا ماليا يقدر بـ3 آلاف دولار وكذا نسخة من بطاقة تعريف زوجته.
وقد واجه رئيس الجلسة المتهم «ي.عمر» بتصريحاته خلال التحقيق الأمني بأنه كان يجمع الصدقات من المساجد بالجزائر لتحويلها لابنه المنضوي تحت راية المجموعة الإرهابية المسماة «كتيبة الفاروق» الناشطة بسوريا، والتي تم تأكيدها بعد خبرة أجريت على هاتفه النقال، الذي ضبطت به صور مجموعة من الملتحين والمدججين بالأسلحة والذخيرة، وصورة طفل صغير يحمل سلاحا، وهي الصور التي فند من خلالها المتهم علاقته بتنظيم «داعش»، مؤكدا أنه لم يسمع به إلا بعد وصوله إلى لبنان.
وعن نشاط ابنه في «كتيبة الفاروق»، فقد نفى ذلك، مشيرا إلى أن ابنه ممرض.
وتجدر الإشارة إلى أن مصالح الأمن لدى توقيف المتهم «ي.عمر» ضبطت بحوزته مبلغا ماليا يقدر بـ13 مليون سنتيم و2500 دولار من عائدات «التسوّل».
أما مسير الشركة «ا.عماد»، فقد اعترف خلال المحاكمة بعمله على تقديم يد المساعدة لأقرانه من السوريين لإيصال مساعدات مالية لأهاليهم بسوريا، نافيا أن يكون ذلك مقابل عمولات. وعن المبالغ المالية الضخمة المحجوزة بالورشة، فقد أكد أن جزءا منها كان موجها لإنشاء ورشة جديدة، وأخرى رواتب العمال التي كانوا يحتفظون بها لديه، ومنها مبالغ مالية كانت موجهة للتحويل إلى أهالي بعض الجالية المقيمة بالجزائر، نافيا علاقته بالتنظيم الإرهابي «داعش»، معترفا بمعرفته لشخصين يدعيان «خ.س» و«درويش» المقيمين بإسطنبول في تركيا، واللذين تبين أنهما يتكفلان بتهريب الأموال إلى سوريا، واللذين لم تستطع «الأنتربول» تحديد هويتيهما، وبخصوص جوازات السفر المختلفة، فقد أكد المتهم أنها تعود لعماله وشقيقه.
من جهتهم، فقد أنكر باقي المتهمين تمويلهم للجماعات الإرهابية المسلحة الناشطة خارج الجزائر، وأنه لا علاقت لهم بتهريب المهاجرين، مؤكدين أن الظروف الأمنية هي من كانت وراء دخولهم للجزائر بحثا عن لقمة العيش.
تجدر الإشارة إلى أن المتهمين واجهوا تهمة تكوين جماعة أشرار بغرض الإعداد لجناية تمويل وتشجيع مجموعة إرهابية تنشط بالخارج، وتهريب المهاجرين وتبييض الأموال، ومخالفة قانون الصرف وحركة روؤس الأموال من وإلى الخارج، والإقامة غير الشرعية.