الفريق أول شنقريحة: ثقة الشعب بجيشه تُكسب الجزائر هيبة تتحصن بها من كل المخاطر
 
	                                هنأ الفريق أول، السعيد شنقريحة، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، أفراد الجيش، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الواحدة والسبعين لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 المجيدة.
وجاء في رسالة التهنة:
حضرات الضباط، ضباط الصف ورجال الصف،
يسعدني أن أتقدم إليكم، أنتم مستخدمو الجيش الوطني الشعبي، المرابطون في كل ربوع الوطن وعلى الثغور والحدود وفي كل شبر من أرضنا الطاهرة، ومن خلالكم لكافة الشعب الجزائري، بأخلص التهاني والتبريكات، بمناسبة احتفال بلادنا الغالية في هذه الليلة المباركة بالذكرى الواحدة والسبعون (71) لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المظفرة.
هذه المعجزة الربانية التي صنعتها ثورة شعبية فارقة، خاضها العمالقة من الشهداء الأبرار والمجاهدين الأخيار، من ذوي الإرادة الصلبة والعزيمة القوية، الذين فهموا أهداف الاستعمار الاستيطاني، وأدركوا نواياه الخبيثة وتفطنوا لمحاولاته اليائسة والمتكررة، الرامية إلى تثبيت أركان مشروعه الاستدماري الذي اعتمد فيه، إلى جانب سياسة البطش والتنكيل، على تطبيق وتجسيد سياسة المسخ والإذلال والتجهيل، وعلى محاولاته إفراغ الذات الوطنية من مقوماتها الشخصية من لغة ودين وعادات وتقاليد وموروث ثقافي وانتماء حضاري، بكيفية اعتقد أنها ستسمح له بفرض إرادته على الجزائريين وإجبارهم على التسليم بمبدأ الدونية، وبأحقية الجنس الأوروبي بتبوء منزلة السيادة والتسيد في هذه الأرض المباركة.
ولكن هيهات أن يفلح الاستدمار الغاشم في محاولاته البائسة، حيث قاوم الجزائريون هذه المحاولات الفاشلة انطلاقا من ثوراتهم الشعبية المتواصلة إلى غاية اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، التي نجح ثلة من الشباب الثوار، في إطلاق شرارة ثورة شعبية عارمة أذلت كبرياء الاستعمار وسفهت أحلامه وأفشلت مخططاته الخبيثة، وأجبرته على الخروج صاغرا من أرض بلادنا الطاهرة، يجر أذيال الهزيمة النكراء.
وبهذه المناسبة الوطنية الخالدة، أود الإشارة إلى أنه يتعين علينا جميعا أن نحرص شديد الحرص على ألا يكون احتفالنا بمثل هذه المحطات المجيدة من تاريخنا الأزلي مجرد طقوس واحتفالات فولكلورية، بل يجب علينا أن نغتنمها لاستحضار قيم ومبادئ هذه الثورة المتفردة، والتأسي بشمائل وخصال من خاضوها وتطبيقها في حياتنا اليومية، لأن السياق الجيوسياسي الدولي المعقد والإقليمي المضطرب يفرض علينا، أكثر من أي وقت مضى، التحلي بأعلى درجات الوعي واليقظة والحذر، وبذل المزيد من الجهود المثابرة لرفع تحديات هذا السياق والتعامل مع تبعاته بحكمة وفعالية.
كما أعتقد جازما أن التطلع إلى ربح رهانات الحاضر والمستقبل يقتضي بالأساس التزود بشحنة معنوية وتحفيزية عالية القوة، من خلال الرجوع إلى منبع تاريخنا الوطني الحافل بالملاحم والبطولات، التي بقيت منقوشة بل ومحفورة على صدر الزمان، ونالت بها الجزائر شرف قهر إرادة الظاهرة الاستعمارية الحديثة، وفضل فتح بوابة التحرر والانعتاق أمام المظلومين والمقهورين في العالم برمته، ويحضرني في هذا المقام بيت شعري للمرحوم مفدي زكريا، شاعر الثورة الجزائرية، يعبر فيه عن عظمة الجزائر وشعبها وعن انهزام وركوع الاستعمار الفرنسي أمام أقدامها، حيث يقول:
“وأهوى على قدميها الزمان* فأهوى على قدميها الطغاة”.
إنّ تاريخا بهذا المجد وبهذا العمق والثراء والعزة، لهو جدير بأن يجعل الجزائريين الوطنيين أكثر تعلقا بماضيهم التليد، ويشعل في قلوبهم شرارة حب الانتماء إلى هذا الوطن، ويجعلهم بالتالي أكثر حرصا على تخليد تاريخهم، من خلال، تذكره وعدم نسيانه والعودة إليه في جميع الأوقات، والعمل على إبقائه راسخا في الأذهان، ومصدرا دائما من مصادر الاعتزاز والافتخار وشكلا من أشكال الاعتراف بمعاناة الأسلاف وتضحياتهم الجسام.
هذا المكسب الذي بقدر ما يمثل نعمة تستوجب من أجيال الاستقلال الإقرار بالشكر والعرفان لمن حققوها، فإنها بالمقابل تمثل أمانة في أعناقهم تستلزم منهم بذل الجهد تلو الجهد من أجل المحافظة عليها وحمايتها من أي مساس، فهي ليست منحة ولا هبة ولا تفضلا من الاستعمار، كما يزعم بعض المنهزمين والخونة وخدام الاستعمار،بل ثمرة مستحقة لتضحيات جسام بذلها شعب بأكمله طيلة قرن ونيف من الزمان.
ولا ينبغي أبدا أن يغيب عن الأذهان، بأن الفضل في تجسيد هذا الإنجاز العظيم ذي الصدى العالمي، والنجاح في إحداث القطيعة مع الواقع الاستعماري المرير، يعود بالأساس إلى اتسام الثورة الجزائرية بالطابع الوطني والشعبي، وإلى اعتمادها على مقاربة ذاتية تعكس خصوصياتنا وقيمنا الوطنية المتوافقة مع موروثنا الثقافي والحضاري، مما جعلها ترسي فكرا وطنيا خالصا ومتميزا يعرف بها وتعرف به، يختلف تماما عن الفلسفات والأفكار والإيديولوجيات الأجنبية، تحت شعار لا شرقية ولا غربية بل جزائرية… جزائرية.
ومن المؤكد أن هذا الطابع الشعبي والاعتماد على المقومات الداخلية التي ساهمت بقوة في إنجاح ثورتنا المظفرة، شكلت مرجعية تاريخية ورصيدا متجددا يمكن الاعتماد عليه دائما في رفع تحديات اليوم وكسب رهانات الغد، لأن التحام الشعب مع قيادته ومؤسسات دولته يمثل بالفعل حجر الزاوية في بناء صرح الأمن الوطني وتحقيق الاستقرار الداخلي.
هذه الرابطة المتينة تشكل درعا واقيا يحمي كيان الدولة من أي محاولات للنيل من سيادتها أو زعزعة استقرارها. فعندما يثق المواطن في مؤسساته ويؤمن بها ويشارك بفعالية في بنائها والدفاع عنها، تتحول الدولة إلى جسد واحد متكاتف ومتكافل، يصعب اختراقه أو تفكيكه، حيث تصبح إرادة الصمود هي الإرادة الجماعية لشعب بأسره، وليست مجرد شعارات عابرة.
ولا شك أن شعبنا الأبي لا يزال يحتفظ بتلك الصور النضاحة بأرقى صور التضامن مع جيشه وقواته المسلحة، خلال الأزمات والمحن والخطوب، لاسيما خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي، حيث التحم جيشنا العتيد ومصالح الأمن مع عمقهما الشعبي في المداشر والقرى والمدن لمكافحة الإرهاب الهمجي وفلوله الإجرامية ونجحوا معا في القضاء على مشروعه الظلامي وإحباط مخطط تهديم أركان الجمهورية.
وعليه، وترسيخا للطابع الشعبي لجيشنا العتيد، سعينا في الجيش الوطني الشعبي، ولا نزال نسعى للتعزيز المتواصل لثقة الشعب بجيشه، التي بها وبها فقط، تكتسب الجزائر مناعة وهيبة تتحصن بهما من كل المخاطر والتهديدات، وتصبح معهما عصية على تكالب أعدائها وعن دسائسهم ومناوراتهم الخبيثة.
وتقديرا للثقة الغالية التي يضعها شعبنا الأبي في جيشه وقواته المسلحة، يواصل الجيش الوطني الشعبي، السليل الوفي لجيش التحرير الوطني، تحت قيادة السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، شق طريقه، بكل ثقة وثبات، في مجال تطوير قدراته على كافة الأصعدة، والحفاظ على جاهزيته في أعلى درجاتها والتكيف المستمر مع تبعات السياق الإقليمي والدولي المضطرب، بما ينسجم مع توفير سبل وعوامل الدفاع عن المصالح العليا للوطن، وبما يتوافق مع المهام الدستورية المخولة له.
حضرات الضباط، ضباط الصف، ورجال الصف،
إنني أرى أنه من واجبي أن أحثكم، بهذه المناسبة الوطنية المجيدة، على المزيد من العمل المتفاني والواعي في كافة مجالات المهنة العسكرية، وأن تجعلوا من يوم غرة نوفمبر وذكراه العطرة دافعا أكيدا من دوافع التطهير النهائي لبلادنا من الآفة الإرهابية وبقاياها المجرمة، للتفرغ لمواصلة تطوير وتحديث قواتنا المسلحة، وإعدادها الدائم والصائب للقيام بمهامها الدستورية، لاسيما والعالم اليوم يعيش تحولات رهيبة ومتغيرات متسارعة تستدعي منا كجزائريين الكثير من العمل المخلص والوعي والمزيد من اليقظة، لإحباط كافة المخططات الدنيئة التي تحاك ضد بلادنا في السر والعلن.
أخيرا، يتعين علينا جميعا أن لا ننسى واجب الانحناء الخاشع أمام أرواح كافة الشهداء الأطهار، شهداء المقاومات الشعبية وشهداء ثورتنا المجيدة الذين فدوا بدمائهم استقلال الجزائر وانتزعوا بأشلائهم حريتها وانـعـتاقها، وأن نستذكر صنيع شهداء الواجب الوطني، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أمن بلادنا واستقرارها وحافظوا على الطابع الجمهوري للدولة الجزائرية الأزلية.
تحيا الجزائر،
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
 
  
 
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	             
	                     
	                     
	                     
	                    