إعــــلانات

القصة الكاملة لنهب أزيد من 2.5 مليار من بريد تيقصراين باستعمال رقية الماء والتمر!

القصة الكاملة لنهب أزيد من 2.5 مليار من بريد تيقصراين باستعمال رقية الماء والتمر!

قابض بريد يجلب مشعوذا إلى منزله الوظيفي بعدما جهزه بمعدات تزوير ضخمة

 المشعوذ احتال على الجميع باستعمال سائل منوم واستولى على «الشكارة» وهرب

كشفت محاكمة متهمين بتهم الفساد الذي عشش في بعض المؤسسات العمومية من دون حسيب أو رقيب، كان بطلها قابض بمركز بريد تيقصراين ببئر خادم في العاصمة، وهو المدعو «ب.ر»، عن قيام هذا الأخير بتحويل منزله الوظيفي إلى مخبر تقني لتزوير العملات الوطنية والصعبة.

تمكن المتهم من اختلاس ما قيمته ملياران ونصف مليار دفعة واحدة من أجل تمويل أحد المقاولين من معارفه يدعى «ح.م»، ومن أجل التستّر عن اختلاساته جلب مشعوذا من ولاية تمنراست يدعى «ل.عمر» إلى منزله من أجل العمل على استبدال المال المسروق بأوراق نقدية مزوّرة عن طريق ما سماه الرقية باستعمال «التمر والماء».

غير أن المتهم وشريكيه، المقاول وقابض متقاعد، وقعوا في شراك المشعوذ الذي أطعمهم تمرا وماء مخدّرا، فأفقدهم الوعي وسقطوا تباعا مغشيا عليهم، فيما لاذ المتهم بـ«الشكارة»، قبل أن يلقى عليه القبض من قبل رجال الضبطية في حالة تلبّس بينما كان يختفي في قبو بإحدى الفيلات.

لم تكن جلسة محاكمة المتهمين الموقوفين بالمؤسسة العقابية الحراش، أمس الثلاثاء، أمام محكمة الجنايات الدار البيضاء محاكمة عادية، نظرا للحيثيات المشوّقة التي شدّت انتباه هيئة المحكمة بقوة وتركيز عالي وحتى الحضور، خاصة وأن بطل القصة هو قابض ببريد تيقصراين بالعاصمة، اشتعل رأسه شيبا في العمل ليجد نفسه وراء القضبان بسبب «الطّمع» الذي أعمى بصيرته، حسب اعترافاته.

وبالرجوع إلى وقائع القضية، فإنها انطلقت بتاريخ 24 أوت 2017، وإثر دورية روتينية قام بها عناصر فصيلة المساس بالممتلكات بالفرقة الجنائية لأمن وسط لأمن ولاية الجزائر.

وهذا على مستوى طريق «القادوس» بتيقصراين، وتحديدا قرب مكتب بريد تقصراين، أين لفت انتباههم جمع غفير من سكان الحي، وبعد التحري في الأمر تم إخطارهم عن واقعة سرقة استهدفت مركز البريد وأن أحد الجناة يختبئ بفيلا محاذية للمكتب.

وإثر ذلك، قام رجال الشرطة بمداهمة المكان وتمكنوا من توقيف المشتبه فيه وهو مختبئ بقبو تلك الفيلا، حيث جرى ضبطه متلبسا بحمل حقيبة سوداء اللون تحوي مليارا و600 مليون سنتيم مجزأة على شكل حزم من أوراق نقدية من فئة ألف و2000 دينار.

وقد تبين من التحريات أن الموقوف يدعى «ل.عمر»، حيث اعترف بعد سماعه بأنه تعرّف على المدعو «ل.ر» قابض بريد مكتب تيقصراين بواسطة شخض يدعى «م.الترڤي» من توارڤ غرداية.

هذا الأخير أخبره بأن «رياض» يزاول نشاط تزوير العملة الوطنية والأجنبية، وهو بصدد البحث عن معاون له من أجل تزوير مبلغ 10 ملايين أورو مقابل الحصول على مبلغ من العملة يقدر بملياري سنيتم، فقبل هذا العرض وطلب موعدا لملاقاته بالعاصمة.

إبرام الصفقة مع مشعوذ بـ«السكوار» مقابل 6 من المئة من الأموال المنهوبة

وبتاريخ 24 أوت 2017 المصادف لنهاية الأسبوع، يقول المشعوذ «عمر» إنه في حدود الساعة الواحدة زوالا، التقى المتهم بالقابض «رياض» بساحة «السكوار» بقلب العاصمة، وهو بمعية أحد معارفه المدعو «ل.تاج الدين»، فتوجه معهما إلى مركز بريد تيقصراين وصعد الطابق العلوي أين يوجد المنزل الوظيفي للقابض.

وهناك وجد معداّت ضخمة تستعمل في التزوير، من بينها قارورات بها مساحيق وسوائل كيمياوية وصناديق خشبية كبيرة الحجم وأوراق سوداء وبيضاء على شكل أوراق نقدية، وخلالها طلب منه مباشرة العمل، ثم أجرى اتصالا بالمدعو «يوسف» أحد معارفه من أجل جلب مبلغ ملياري سنيتم من العملة الوطنية.

رقية «التمر والماء» تدخلهم في غيبوبة وتوقظهم مكبّلين بالأغلال

بعد وصول المتهم «يوسف» اجتمع المتهمون بمن فيه الضيف الصحراوي «عمر» في إحدى الغرف، وبينما هم مجتمعون تناولوا حبات تمر، حيث أكل «رياض» و«تاج الدين» 5 حبات تمر ثم شربا الماء.

أما المتهم «عمر» فاكتفى بتناول حبتين فقط، ليسقط المتهمون فاقدين للوعي، فاستغل حينها المشعوذ «عمر» الذي شعر ببعض الآلام في بطنه فقط، الفرصة وحمل الحقيبة وهرول بها مسرعا خارج المنزل سالكا الباب الخلفي.

وهناك شاهده المتهم «يوسف» الذي كان يتولى عملية الحراسة، فقام بالتقاط حزمتين من المال سقطتا من الحقيبة قيمتهما الإجمالية 400 مليون سنتيم، حيث أخفاها بين ملابسه وبدأ يصرخ عاليا «سراقين سراقين دخلوا للبريد» ثم لاذ بالفرار.

ولما شعر المتهم «عمر» بالذعر بعدما اجتمع المواطنون حول المسكن محاولين الدخول، عاد إلى الفيلا واختبأ مع حقيبته إلى أن داهمه رجال الضبطية.

ومن جملة اعترافات المتهم «عمر» الأولية، أنه هو من أحضر «المخدّر» داخل قارورة صغيرة من تمنراست سلمه إياه «م.الترڤي» ليتمكن من الاستيلاء على الأموال.

القابض يعترف بسرقة «مال البايلك» من دون لفت الانتباه

كشفت التحريات الأولية مع قابض البريد «رياض» بعد توقيفه داخل مسكنه الوظيفي، أن الأخير تعرّف على المتهم «عمر» عن طريق صديق العائلة «ح.يوسف» منذ 6 أشهر بالعاصمة، واقترح عليه تحويل مبلغ 7 ملايين أورو وملياري سنيتم باستعمال «الرقية»، فاستقبله بمنزله الوظيفي لمباشرة المهمة، أين كان هو برفقة «تاج الدين».

مضيفا أن عمر باشر العمل بوضع قطعة قماش بيضاء اللون فوق الصندوق الذي كان يحتوي على أوراق نقدية مزوّرة سوداء اللون، وفي تلك اللحظة طلب منهما تناول حبات تمر وشرب الماء.

وهو يتلو آيات قرآنية، وخلالها أغمي عليهما، أما فيما يخص الأغراض التي ضبطت بمنزله فصرح المتهم بأنه أحضرها «ح.مصطفى» كونه يدين له بمبلغ 850 مليون سنتيم، أما الملياران فقد قال إنه اختلسها من الخزانة الفولاذية للبريد.

مواجهات ساخنة وتناقض في الأقوال للتخلص من العقوبة

المتهمون ولدى مواجهتهم بالوقائع المنسوبة إليهم، أمس بالجلسة، تناقضت تصريحاتهم، حيث اعترف القابض «رياض» بأنه اختلس المبلغ المالي بسبب دين وأراد تسديده لصديق العائلة المقاول «مصطفى»، وهو ما نفاه المتهم «مصطفى» خلال مواجهتهما.

مؤكدا أنه ليس بينه وبين المتهم أي ديون، أما «عمر» فلعب دور «شاهد ما شافش حاجة» وحاول تقمّص دور الضحية، متراجعا عن كل اعترافاته الأولية.

راميا التهم فوق «محمد الترڤي» باعتباره من أرسل التمر والماء المنوّم، مؤكدا بأنه مجرد «عشّاب» وقدم إلى العاصمة للرقية الشرعية بطلب من «الترڤي» لرقية «رياض»، إلا أن القاضي واجهه بحالة التلبس التي كان عليها لحظة توقيفه.

«حاج بيت الله» ويؤمن بالشعوذة

أما القابض المتقاعد «تاج الدين» فنفى علاقته بالمشعوذ «عمر»، مصرّحا أنه حاج لبيت الله، بعدما أحيل على التقاعد أين قضى أكثر من 30 سنة عمل في البريد.

أما المتهم «يوسف» فأنكر تماما سرقته مبلغ 400 مليون التي لا يزال مركز البريد لحد الساعة لم يسترجعها، مضيفا أنه كان خارج المنزل وخلال مشاهدته «عمر» هاربا صرخ فحضرت الشرطة مباشرة، لكن القاضي واجهه بالحقيقة وهو فراره واختفاؤه لمدة يومين، قبل أن يلقى القبض عليه.

الخبرة التقنية تكشف عن تبخّر 900 مليون سنتيم

وفي ذات السياق، كشفت عملية الجرد التي قام بها مدير مكتب البريد بحضور مفتشين عن ثغرة مالية قدرها مليارين و600 مليون سنتيم، تم استرجاع ما تم استرجاعه وراحت 900 مليون سنتيم المتبقية في خبر كان.

وعليه وبعد ساعات من المداولة، قضت المحكمة بتسليط عقوبات السجن النافذ تراوحت بين 5 و10 سنوات سجنا نافذا، فيما قررت بتعويضات مالية لوحدة بريد ولاية الجزائر وسط والخزينة العمومية اللذين تأسسا طرفا مدنيا للمطالبة باسترداد الأموال وتعويضات جبرا بالأضرار التي تكبداها.

رابط دائم : https://nhar.tv/1iERa