إعــــلانات

النهار في ضيافة عائلة حسان حطاب لقد عاد بعد 18 سنة من الغياب

النهار في ضيافة عائلة حسان حطاب لقد عاد بعد 18 سنة من الغياب

كانت الساعة

تشير إلى منتصف النهار تماما، عندما وصلنا إلى منزل الأمير السابق لتنظيم ”الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، حسان حطاب المدعو أبو حمزة، بعد أن سمعنا بنبئ زيارته لعائلته لأول مرة بعد أن فارقها منذ 18 سنة، يوم الثلاثاء المنصرم… صادفنا لدى وصولنا الوالد والوالدة، متجهين إلى المسجد، طلبنا من الوالدة ”خالتي يمينة”، البقاء معنا ولو لنصف ساعة لأن عملنا مرتبط بالوقت، غير أن السيدة رفضت ذلك، قائلة أنه من الضروري أن تذهب إلى المسجد للجلوس في الصف الأول، ورغم إلحاحنا الشديد عليها رفضت التفوه ولو بكلمة، حتى خرجت شقيقته الكبرى وابنة الشقيقة الوسطى، وبعد تبادل التحية، ما كان من الشقيقة إلا أن سألتنا عن سبب الزيارة مبتسمة، وكأنها تعلم أننا زرناهم للحديث عن زيارة شقيقها حسان الثلاثاء المنصرم لهم.

تتعجل الوالدة في الخروج، لنطلب منها مرافقتها إلى المسجد، فترضى مبتسمة

لا شيء تغير في ذلك المنزل منذ أن زرناها عند تسليم حسان حطاب لنفسه، حتى طلاء الباب الخارجي مازال بنيا، الشيء الوحيد الذي تغير هو أن غرفة أسرة حطاب المتواجدة في آخر الرواق كانت شاغرة… خرجنا وفي طريقنا إلى المسجد حاولت مجاراة والدة حسان في المشي غير أنها كانت تسبقنا في كل مرة، حاولت أن أكون معها جنبا إلى جنب، حتى أتمكن من طرح بعض الأسئلة عليها، غير أنها كانت كتومة جدا، فما كان مني إلا التزام الصمت

دخلنا مسجد الهدى عند منتصف النهار وربع، ربوعه خالية باستثناء امرأتين، تسلم عليهما ”خالتي يمينة”، وتختار زاوية في المسجد ثم تخرج مصحفا بلون بني غامق، من الكيس الذي كان بحوزتها، كيسا أبيضا، وتشرع في تلاوة بعض الآيات من الذكر الحكيم، كانت آيات لسورة الكهف، وبعد أن أتمت حاولت استغلال الوقت لمحادثتها، تقول ”سنتحدث فيما بعد، لقد زارنا يوم الثلاثاء على الساعة العاشرة صباحا وبقي معنا إلى غاية الثانية بعد الزوال…” تسكت

كنت الوحيدة الغريبة في المسجد، لأن كل من يصلين به هن من بنات الحي، ببن زرقة شرق العاصمة، اقتربت مني إحداهن كنت ألاحظ أنها ترغب في الحديث، تقول ”أنا كرهت القراية عاودت السنة الأولى ثلاث مرات”، تسكت ثم تضيف ”بنت من أنت… ”، كنت سأجيبها غير أن خالتي يمينة نظرت إلي وعضت شفتها السفلى في إشارة الى التزام الصمت، فسكت ثم أجبت بأنني من أقارب ”خالتي يمينة” على الأقل حتى أرضي خالتي يمينة التي مازالت لحد اللحظة كتومة معنا… أتممنا صلاة الجمعة التي تمحورت خطبتها حول الصبر وضرورة مواجهة الشدائد بالصبر والصلاة… ثم انصرفنا إلى المنزل وهناك كانت بداية حكاية الزيارة التي جاءت بعد مرور 18 سنة للأمير السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال، أبو حمزة واسمه الحقيقي حسان حطاب

حطاب يزور عائلته ببن زرقة بعد غياب دام 18 سنة

تبدأ خالتي يمينة الحكاية بالعودة إلى سنة 2006 عندما زار العائلة وبقي معها يومان كاملان، تقول جاء مرة واحدة منذ أن استفاد من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، عندما جاء هذه المرة أحسست أنه يدخل لأول مرة المنزل، لم أستطع الكلام، لقد كنت أول من استقبله، لم نكن نعلم بحضوره إلا بعد أن كان في الطريق لقد هاتفني وأخبرني أنه في الطريق إلى المنزل لزيارتي فسارعت لإخبار أخواتي حتى يحضرن لرؤيته، لأنه كان في كل مرة يسألني عنهن، لقد حضر على الأقل 100 شخص لرؤيته

تتدخل شقيقته الوسطى ”ح”، ”أنا كنت ضيفة عندهم لم أكن أعلم بأنه آت”، لقد جاء برفقة عائلته، كان يرتدي العباءة البيضاء و”عراقية” كعادته، ”ما شاء الله كان في صحة جيدة لم يتغير، سلم علينا… الحقيقة ما صحلناش، لأنه فور دخوله سمع بأن جارتنا مريضة ذهب لزيارتها كما ذهب وزار خالتي التي تسكن بالقرب من هنا، وهناك رآه الجميع فهرعوا إلى المنزل، لقد كان توقيت صلاة الظهر انتشر الخبر بسرعة فما كان من المصلين إلا أن جاؤوا كلهم إلى المنزل… تتدخل شقيقته الكبرى ”س” ضيفناه شربة و”لوبياء” في الحقيقة هو لا يشترط في الأكل، يأكل ما توفر المهم أن يكون الأكل لذيذا… عندما دخل عنقني وقال لي وشراكي أختي… لم نكلمه لأن الحضور كانوا كثر.

عائلات مسلحين بالجبال زارته للتأكد من حقيقة تكفل السلطات به

وفي جلسة عائلية جمعت رفاق دربه، ووالده ووالدته، في قاعة الضيوف بمنزله العائلي، حاولنا أن نعرف فحوى اللقاء الذي جمع حطاب بأقاربه بعد مرور 18 سنة من الغياب، يقول صديقه ”ع” الذي يعتبر أقرب المقربين منه، أن زيارته كانت مفاجئة، فقد تلقى مكالمة على الساعة العاشرة صباحا، تنبئه بأن حسان بالمنزل… في البداية كان عدد الحضور قليلا ثم بدأ العدد يزيد فضاقت المسكن بما حمل، تحدثنا في أمور كثيرة، غير أن أهم ما تطرقنا له هو مسعى السلم والمصالحة الوطنية… تناولت الغداء معا، عدنا إلى فترة الصغر وإلى أمور الجماعة والمسلحين بالجبال، لم يكن الوقت كبيرا غير أننا حاولنا استغلاله، لقد قال حسان أن الأمور تبشر بالخير وأنه من الممكن جدا أن تنتهي الفتنة قريبا، كان جد متفائل، واعتبر زيارته لمنزله ردا على المشككين في مصداقية ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لقد قال حسان بعظمة لسانه ”النظام تغير ويسعى للم الشمل والقضاء على نار الفتنة، المصالحة حقيقة لا يمكن إنكارها…”، لقد اتصل بي أمس، وأخبرني أنه فوجئ بالاستقبال الذي حظي به… برأيكم ما هي أسباب الاستقبال الحار الذي حظي به؟، يقول ”ع” في الحقيقة حسان لم يؤذ أحدا وكانت سيرته طيبة، ضف إلى ذلك فهو يعتبر شعارا للسلم والمصالحة الوطنية، لقد كان أكثر من زاروه هم أقارب بعض المسلحين بالجبال جاؤوا بدافع معرفة حقيقة وضع حطاب وتأكدوا أنه بخير، لديهم أخوة في الجبال ويرغبون في تسليم أنفسهم، إلا أنهم متخوفون من العواقب، غير أن رؤيتهم لحسان ووضعه الصحي وحديثهم إليه أكد لهم حقيقة واحد هو أن المصالحة حقيقة وبأن الأمور تسير نحو الأحسن وأن الراغبين في التوبة سيتم التكفل بهم ولن يلحقهم أي ضرر

واتفق الجميع على أن الهدف من زيارة حسان هي تقديم دافع قوي للراغبين في العودة إلى أهاليهم بترك العمل المسلح والعودة الى المجتمع، ولا دليل أكبر من أن يحظى مؤسس الجماعة السلفية للدعوة والقتال بمعاملة حسنة من قبل النظام.

النظام تغير ونظام التسعينيات ليس نظام اليوم

حسان قال ”أن النظام تغير ونظام التسعينيات ليس نظام اليوم، هناك رغبة جامحة لدى السلطات في التغيير ولم الشمل وإطفاء نار الفتنة”، هي حقيقة وقف عليها حسان إثر احتكاكه بالسلطات وتعامله معها… يقول ”ع”. أما صديق دربه ”أ” فيقول أن الاستقبال الذي حظي به، أكبر دليل على أن الشعب الجزائري شعب مسامح وكريم، لقد اختفت الأحقاد، والضغائن حتى أولئك الذين تضرروا من العشرية السوداء نسوا كل شيء، لقد قالوا نعم للمصالحة فكرا وسلوكا… رغم أن المنطقة من النقاط السوداء التي عرفت الويلات خلال الأزمة… يضيف ”لقد أخبرني ابني وهو ابن الـ 11 سنة أنه التقى صديقا لي فسأله عن زيارة حسان فقال ابني أنه كان على علم بذلك فضربه، أتعلمين لماذا لأنه كان يرغب في رؤيته للحديث معه في أمور شتى…”.

أما صديقه ”ج” فقال أن حسان مشهود له بالاستقامة وعدم الظلم، فصورته مازالت بيضاء ولم تتغير منذ سنة ,1992 الكل تحدث عن المجازر التي ارتكبتها الجماعات المسلحة، غير أن الأكيد أن حسان لم تكن له يد فيها، يروي حسان أن بعض الأمراء كانوا يستشيرونه في أمور قتل بعض العناصر حتى يلصقوا التهم به، لأنه كان عادلا، غير أنه كان في كل مرة يعلن عن رفضه المطلق لقتل الأبرياء

تتدخل الوالدة ”عندما كنت استدعى إلى مراكز الشرطة، كانوا يسألونني عن سيرته فكنت أقول لا يمكنني أن أتحدث عن ابني، ما أستطيع قوله هو أنني ربيته حتى صار رجلا ولم أضربه قط، لقد كنت أزوره في الجبل حتى قبل أن يسلم نفسه وكنت أبيت عنده لأيام أقلها تكون يومان

رسالة العثيمين أكبر دافع جعل حسان يسلم نفسه

طرحنا سؤالا عن أقرب المقربين من حسان حول الأسباب التي جعلت حطاب يعود إلى المجتمع فقال ”ع”، لقد أخبرني حسان أن الأمور في الجبل أصبحت لا تطاق كما أن الجماعة خرجت عن المسار الذي رسمناه مسبقا وأصبحت تستبيح الدماء وتقتل بكل بشاعة، ثم أنه تلقى رسائل كثيرة أبرزها كانت رسالة العثيمين ”لقد قرأتها بعيني سنة ,2001 جاء فيها طلب بوضع السلاح ومراجعة النفس لأن ما يحدث بالجزائر كان خطأ”، لقد أثرت كثيرا في حسان وكانت سبب تطليقه العمل المسلح. ليس عيبا أن يعترف الإنسان بخطئه ويراجع نفسه، وأقوال العلماء ليس سهوا أو خطأ بل هي أقوال مبنية عن يقين وتمعن لا يمكن أن يحرم العمل المسلح من قبل العلماء لغاية في نفس يعقوب، بل كان ذلك عن دراسة للوضع وتأكد بأن ما يحدث يعد خطأ يعاقب عليه مرتكبوه… عندما زرته مؤخرا قال لي بالحرف الواحد ”أنا طلقت العمل المسلح عن قناعة والقناعة كانت على ضوء الشرع، وبالتالي فلن أتوقف عن التزام الشرع حتى ولو كلفني الأمر حياتي

وفي صميم الحديث الذي تجاذبه حسان وعائلته قال محدثونا أن حسان متفائل خيرا، وقد أكد حطاب على تأثير عامل الزمن، وبأن الوقت بإمكانه محو آثار الأزمة وإرجاع المياه إلى مجاريها، لأن مسعى السلطات واضح وجلي ومحدد الأهداف التي تتمحور في إطفاء نار الفتنة، ”الكل سيرضى بالمصالحة لأن النظام رضي بها ويسعى لاستتباب الأمن بالبلاد”… وذكر محدثونا حضور بعض الشباب الذين لديهم أقارب في الجبال ”ولأنهم يعرفون مصداقية حسان أرادوا التأكد من قناعاته وبالتأكيد كان لهم لقاء معه وأقنعهم بأن النظام يسعى جاهدا للقضاء على الأزمة، وأنه ما على الراغبين في تطليق العمل المسلح إلا تطليقه في أقرب الآجال لعدم جدواه…”، هي كلمات قالها مؤسس العمل المسلح بالجزائر بعد أن راجع نفسه واحتكم إلى الشرع يقول ”ع”…

يضيف ”أ” ”الزيارة جاءت في مسعى للقاء الناس وإقناعهم بحقيقة الأمر، ما أضحكني هو ما قاله عمي عمار عندما رأى حسان ”واش أحسان خلاص… فأجابه حسان ”خلاص يا عمي عمار”،  فعاود الشيخ السؤال ”خلاص خلاص” فأجابه حسان ”خلاص”، بمعنى أنه طلق العمل المسلح وهو حاليا وسط عائلته

ولم يستثن لقاء حسان بعائلته التذكير بمجزرتي البرج وخنشلة، حيث قال أنها أمور تقع، غير أنها لا تعني وجود خطر.

 

أما والده عمي سعيد، فقد التزم الصمت منذ أن دخلنا، غير أننا أعدناه إلى سنة 2006 عندما زرناه وقال أنه لن يسمح له بالدخول ألى المنزل إذا أراد العودة… يسكت قليلا ثم يجيب ”لم أكن أعلم أن سيعود يوما ويدخل هذا ”الڤربي” يقصد الكوخ، كنت أظن أنني سأستقبله ميتا، غير أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أعاده إلي، كلما أتمناه هو أن يعود بعيد عن أهله إلى أهله ”ربي يرجع كل غريب لمواليه”…

أما خالتي يمينة فقالت ”نتمنى أن يدعو كل ضال عن الطريق الله لأن يهديه إلى الطريق الصواب، ”لو كان في طريق حسان صح ما يرجع بعد 18 سنة”…

ما لاحظه أصدقاؤه هو أن أفكار حسان تغيرت كثيرا، اكتسب خبرة وحنكة، أصبح يفكر بمنطق كبير، وبإمكانه الإقناع، هو متفائل جدا من المستقبل ويعتبر المرحلة القادمة مرحلة إقناع وليست مرحلة ردود، قال أنه سيزور العائلة قريبا غير أنه لم يحدد التاريخ… أصبح حسان حطاب رمزا للرجولة وتحمل المسؤولية بعدما كان رمزا للتمرد والعمل المسلح… مسافة كانت بقدر 18 عاما تغيرت فيها الكثير من الأشياء في بن زرقة إلا بساطة عائلة حسان حطاب والجيران الذين لم تغير السنوات من طبعهم وأخلاقهم، وربما هذه هي العوامل التي سهلت إعلان حسان حطاب التخلي نهائيا عن العمل المسلح.

رابط دائم : https://nhar.tv/QCcZB
إعــــلانات
إعــــلانات