امرأة وزوجها يحتالان على مستشفيات في 10 ولايات ويكبّدانها خسائر بـ43 مليارا
الفضيحة كانت بتواطؤ مع مديري مستشفيات في البليدة وعنابة وڤالمة وسوق أهراس وتبسة والبيض والمسيلة وولايات أخرى
الصفقات كانت تتم بالتراضي البسيط للتحايل على قانون الصفقات العمومية
تمكنت مؤسسة خاصة من النصب والاحتيال على العديد من المؤسسات الاستشفائية في مختلف ولايات الوطن، من خلال تبديل بطاقات الصانع للعتاد والأجهزة الطبية المستوردة من جمهورية الصين الشعبية إلى دولة اليابان أو ألمانيا بغرض إضفاء طابع الجودة على هذه الأجهزة، التي تسببت في إصابة العديد من المرضى بتعقيدات صحية خطيرة، وكبّدت المؤسسات الاستشفائية خسارة مالية فادحة مقدّرة بـ 43 مليار سنتيم.وحسب المعلومات التي تحصلت عليها فصيلة الأبحاث للدرك الوطني بعنابة، فإن شركة مختصة في استيراد العتاد الطبي بمدينة عنابة انتهجت طرقا احتيالية للتلاعب بالمؤسسات الصحية المتواجدة عبر التراب الوطني، والتي أوهمتها بأن منتجاتها يابانية وألمانية الصنع في الوقت الذي تم استيرادها فعليا من الصين الشعبية، لتتمكن بذلك من الاحتيال على المؤسسات الاستشفائية في كل من ولاية عنابة وڤالمة وسوق أهراس وتبسة والبيض والمسيلة والبليدة ومعسكر وعين البيضاء بأم البواقي والأغواط، وشملت العتاد المستخدم في قاعات الإنعاش، الجراحة طب العيون وأمراض القلب. وعلى إثر تلك المعلومات، تم فتح تحقيق في أوساط ممتهني هذا المجال، والتي خلصت إلى أن الشركة محل الشكوك، كانت تقوم بهذه النوع من الاحتيال، كما أن معدّاتها كانت أقل تكلفة مقارنة بالأسعار التي كان يقدّمها باقي المتعاملين في نفس المجال، وذلك من أجل كسب الشهرة والثقة في الوسط الصحي، حيث كان مقرّها الاجتماعي بمركز الأعمال وسط مدينة عنابة. وبناءً على إذن بتفتيش مقر الشركة، استظهر المدعو «س.ف» وكالة توثيقية صادرة في 2013، تسمح له بتسيير المحل التجاري الخاص بزوجته المسماة «ب.ن»، ومن خلال الاطلاع على الملف الإداري تبيّن أن الشركة تزاول نشاط التجارة بالتجزئة للأجهزة الطبية والجراحية، كما أسفرت عملية التفتيش عن حجز 12 بطاقة صانع أصلية لاصقة من مختلف الأحجام كانت محل شبهة، وتخص أجهزة طبية مختلفة، كل بطاقة تتضمن معلومات حول المنتج والطراز ورقم التسجيل وبلد المنشإ الصين، ثلاث بطاقات خاصة بالصانع مستنسخة خاصة بالمواصفات التقنية لأجهزة طبية تمّت طباعتها حديثا وتحمل نفس القياسات للأصلية والتي كانت لدى الموظفة «ب.ع». كما عثرت مصالح الدرك الوطني على لفافتين وثماني قصاصات لنفس اللفة تتشابه مع البطاقات الأصلية المنزوعة، مما يدل على أن الغرض من ذلك هو محاولة استنساخ بطاقات تتطابق شكلا ولونا مع البطاقات الأصلية التي يتم نزعها عمدا من الأجهزة الطبية المستوردة، ووضع المستنسخة بها وتغيير البلد المصنّع حتى لا تثير أي شكوك للزبائن في صحتها، بالإضافة إلى ثلاث قصاصات بها بطاقة مستنسخة حديثا لجهاز MONITOR تحمل بلد المنشإ اليابان، وكذا بطاقة مستنسخة لجهاز طبي للعلامة التجارية EDAN. وتضمّنت المحجوزات مطبوعات مستنسخة باستعمال أجهزة الإعلام الآلي، و8 وحدات من أجهزة الإعلام الآلي، تم تحويلها إلى مقر فصيلة الأبحاث قصد استغلالها من طرف محققي جرائم الإعلام الآلي التابعين لفصيلة الأبحاث للدرك الوطني بعنابة، كما تم إرسال أربعة منها إلى المعهد الوطني للأدلة الجنائية وعلم الإجرام للدرك الوطني ببوشاوي لإجراء خبرة، التي خلصت إلى استخراج عدد كبير من بطاقات الصانع لمختلف الأجهزة الطبية ونفس الطابعة التي استخرجت تلك البطاقات المحجوزة، وهي نفسها التي تمت العثور عليها في مختلف المؤسسات الاستشفائية.
الاحتيال تم بواسطة ثلاث شركات
وكشفت التحريات التي قامت بها مصالح الدرك الوطني، أن مسيري الشركة يمتلكان ثلاث شركات الأولى خاصة بالاستيراد بقسنطينة، أما الشركة الثانية فيقع مقرّها ببلدية القبة بالجزائر العاصمة، ناهيك عن شركة البيع بالتجزئة للتجهيزات الطبية، وحين تم تعريف الشركتين لدى المركز الوطني للإعلام الآلي والإحصائيات للجمارك بالجزائر العاصمة، اتضح أن أغلب عمليات الاستيراد التي تمت، كانت باسم الشركتين محل التحقيق، من دولة الصين الشعبية خاصة العتاد والأجهزة الطبية، والتي أثبتت المعاينات وتقرير الخبرة أن بطاقات الصانع الخاصة بها مستنسخة وغير أصلية، وتحمل اسم بلد مغاير غير الأصلي، حيث قامت المؤسسة خلال الفترة الزمنية 2008 إلى غاية 2014، بتسجيل 40 عملية استيراد تتعلّق بمختلف أنواع العتاد الطبي، 17 منها تمت من جمهورية الصين الشعبية.
من نشاط التجارة بالتجزئة إلى الاحتيال على المستشفيات
وبعد التحقيق، تبين أن المسماة «ب.ن» أنشأت سنة 2000، محلا معدا لمزاولة نشاط التجارة بالتجزئة للأجهزة الطبية والجراحية، الكائن مقرّه بمركز الأعمال بعنابة، وفي سنة 2007، أنشأت شركة أخرى ببلدية قسنطينة مختصة في استيراد وتصدير التجهيزات والمعدات الطبية، وفي أواخر سنة 2011، أنشأت شركة مختصة في استيراد وتصدير التجهيزات والمعدات الطبية الكائن مقرّها بالقبة ولاية الجزائر بشراكة مع زوجها. المدعوة «ب.ن» بعد إنشائها للشركة المختصة في الاستيراد دخلت مجال المشاركة في المناقصات المعلنة من طرف المؤسّسات الاستشفائية العمومية والخاصة، بعد أن اطلعت على خبايا هذه التجارة التي في غالب الأحيان لا تخضع إلى مراقبة صارمة للأجهزة والمعدات الطبية من طرف مسيري المؤسسات الصحية، الذين يفتقدون إلى الخبرة في مجال التكنولوجيا ويعتمدون على الوثائق المقدمة لهم من طرف المشاركين في المناقصات، حيث كانوا يقدمون بطاقات تقنية لأجهزة ضمن ملف المناقصات لا يحوزون عليها، حيث احتالت على مديرية الصحة بولاية البيض، التي لم تقدم لها تجهيزات بقيمة 400 مليون سنتيم رغم أنها كانت ضمن الاتفاقية المبرمة مع الشركة. وأكد الأطباء الذين تم الاستماع إليهم، أن التجهيزات المغشوشة كادت أن تتسبب في وقوع كوارث للمرضى، لأنها كادت أن تورّطهم في أخطاء طبية من خلال استعمال هذه الأجهزة المسوّقة، مؤكدين أنه خلال معالجة مرضاهم استعملوا الأجهزة الخاصة بقياس نبضات القلب وضغط الدم، إلا أن الحالة الصحية للمرضى كانت في تدهور كبير، ليتم إنقاذهم باستعمال الأجهزة القديمة، ناهيك عن الأعطاب المتكررة، وهو ما أكدته المعاينات التي تمت ميدانيا، حيث سُجل تقصير كبير من قبل الشركة التي لم توفر خدمة الضمان ما بعد البيع، التي كانت تعمد إلى نقل العتاد إلى شركات أخرى للتصليح، كونها لم تكن تملك ورشات الصيانة والتصليح، وهو الأمر الذي عاينته مصالح الدرك الوطني عندما لاحظت أن مسيري الشركة والعاملين بها لا تربطهم أي علاقة بالمجال الطبي وعتاده. والأسوأ في الأمر كله هو أن الأجهزة الطبية المسوّقة لم تكن تتطابق مع المواصفات الطبية الدولية، كما أنها كانت تسوّق بأسعار مضاعفة مقارنة بسعرها الحقيقي.
عتاد فاسد بتواطؤ مديري المؤسسات الاستشفائية!
وخلال مراحل التحقيق، تبيّن أن أغلبية المبيعات كانت تتم في آخر السنة المالية على شكل سند طلبيات وحصصها مقسم، إذ أنه بموجب القانون المسير للمستشفيات، يمكن للمدير أن يلجأ إلى عملية الشراء بالتراضي البسيط لتفادي المرور على قانون الصفقات العمومية، شريطة ألا تتجاوز القيمة المالية المحددة 800 مليون سنتيم، لكن عند جمع التكلفة الإجمالية تبين أنه تم تجاوز المبلغ المحدد في القانون، وهو الأمر الذي يؤكد فرضية تواطؤ بعض مسيري المؤسسات الاستشفائية، مع مسؤولي الشركة الذين كادوا أن يتسببوا في وفاة المرضى. واستنادا إلى ذات المصادر، فإن مسيري الشركة كانت لهم نية التلاعب في المواصفات التقنية للأجهزة الطبية، وذلك من خلال تزوير شهادات المطابقة على أساس أنها خاضعة للمقاييس الدولية، حيث عثر على البعض منها في ملفات العرض المقدمة في المناقصات، وما استخرج من أجهزة الإعلام الآلي المحجوزة والمستغلة من طرف خبراء المعهد الوطني للأدلة الجنائية وعلم الإجرام للدرك الوطني ببوشاوي.
احتيال بـ 43 مليار سنتيم والضحية هو المريض
ومن خلال عملية الاحتيال المنظمة التي قام بها مالكو شركتي الاستيراد، من خلال تسويق عتاد مغشوش، تمثّل في غالب الأحيان في أجهزة مراقبة، قاعات جراحة ميكانيكية مخطط رسم القلب بثلاثة معايير، قاعة جراحة للأطفال، وقاعة جراحة لأمراض العيون، تمكن هذان الأخيران من تكوين ثروة طائلة في فترة وجيزة، حيث رست عليهم صفقات طبقا لمعيار الأحسن عارض بوثائق مزورة بقيمة مالية ضخمة وصلت في بعض الصفقات إلى 13 مليار سنتيم بإحدى الولايات، ناهيك عن باقي الولايات، لتبلغ القيمة الإجمالية والمقدّرة بأكثر من 43 مليار سنتيم. وبناءً على ذلك، تم تقديم المشتبه فيهم أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة عنابة، أين تم وضعهم تحت الرقابة القضائية مع المنع من مغادرة التراب الوطني.