إعــــلانات

بــن علــي الساعـــات الأخيـــرة

بــن علــي الساعـــات الأخيـــرة

   استمرار الاحتجاجات رغم عزل وزير الداخلية والأمر بالإفراج عن المعتقلين

”التوانسة” يطيحون بخمسة وزراء والنظام يتوه في البحث عن كبش فداء

 

 


أعلن رئيس الوزراء التونسي، محمد الغنوشي، صباح أمس، عن إقالة وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم، ساعات قليلة بعد قرار الإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات.

 

وتسارعت التطورات السياسية المرتبطة بالاحتجاجات الشعبية، خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، حيث شهدت تونس ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء الماضيين، سلسلة أحداث امتزجت بإشاعات، تمحورت حول سقوط النظام التونسي برئاسة زين العابدين بن علي.

بوادر تمرد في الجيش

البداية كانت من إعلان التلفزيون الرسمي في تونس، ليلة الثلاثاء عن قرار زين العابدين بن علي إقالة قائد الجيش التونسي، الفريق الأول رشيد بن عمار وتعيين قائد جهاز المخابرات خلفا له. ورغم عدم تقديم البيان الرسمي الذي تضمن خبر الإقالة أية تفاصيل حول الأسباب أو الخلفيات، إلا أنه كان واضحا أن تلك المستجدات جاءت على خلفية رفض الجيش التدخل والاشتراك في قمع المحتجين. وجاءت تلك التطورات ساعات بعد كشف مواقع إخبارية ومنتديات على الأنترنت عن أشرطة فيديو تبين قيام وحدات عسكرية من الجيش التونسي بحماية محتجين من أعوان الشرطة ومكافحة الشغب، حيث أظهرت لقطات فيديو مصورة بالهاتف، محتجين يهتفون ”يحيا الجيش” بعدما احتموا وراء عناصر تابعين لوحدة عسكرية.وأوضحت تلك الأنباء أن عناصر الوحدة العسكرية أقدموا بعد أمر من قائدهم على توجيه رشاشاته صوب رجال الشرطة والتهديد بإفراغها تجاههم، بعد أن تقدم ضابط شرطة منهم وطلب منهم تسليم المتظاهرين.

جنرال يحاصر قصر الرئاسة ويطيح بالنظام على الأنترنت!

وفي نفس الليلة، بثت قناة ”العالم” الإيرانية، تقريرا قال إن زوجة الرئيس بن علي فرت إلى الخارج رفقة بناتها، فيما نقلت مواقع اجتماعية على الأنترنت مثل ”فايس بوك”، ”يوتوب” و”تويتر”، أنباء وأشرطة فيديو مصورة تبين تجمع عدد كبير من المغربين التونسيين في مطار مدينة مونتريال الكندية، بعد سماعهم أخبارا عن وصول زوجة الرئيس بن علي وبنتها وصهرها، هروبا من الوضع في تونس. وقالت تلك المواقع إن الشرطة الكندية هربت ليلى بن علي ”سيدة تونس الأولى” ومن معها خشية تعرضهم لاعتداءات من قبل تونسيي المهجر.

بعد ذلك، تواترت أنباء عن قيام الجيش التونسي بقيادة قائده المقال الفريق رشيد بن عمار، بانقلاب عسكري، حيث أوضحت تلك الأنباء التي اتضح فيما بعد أنها مغلوطة، أن وحدات من الجيش تحاصر مبنيي وزارة الداخلية ووزارة الخارجية، إلى جانب مقر الرئاسة، في انتظار إعلان إسقاط النظام وتنصيب الجنرال بن عمار رئيسا مؤقتا للبلاد.

وفي صبيحة يوم أمس الأربعاء، خرجت السلطات التونسية بإعلان جديد بقدر ما بيّن عدم صحة ما جرى تداوله من أنباء حول سقوط النظام، بقدر ما أظهر استمرار الثورة الشعبية في تونس وعدم قدرة نظام بن علي على التعامل معها، حيث أعلن رئيس الوزراء في بداية الأمر عن قرار الرئيس التونسي بإطلاق سراح جميع المعتقلين خلال الاحتجاجات، قبل أن يعلن في وقت لاحق عن عزل وزير الداخلية بقرار رئاسي.

كما حمل القرار أمرا بالتحقيق حول ضلوع مسؤولين في قضايا فساد، بدون تسميتهم، وهو ما اعتبر برأي متابعين للشأن التونسي بمثابة ”ذر للرماد في الأعين” ومحاولة يائسة لاحتواء الوضع، وهو ما ثبت من خلال استمرار الاحتجاجات في العاصمة التونسية وفي باقي كبرى المدن، إلى أن امتد الفتيل إلى مناطق جنوب البلاد، وتحديدا على الحدود مع ليبيا.

في غضون ذلك، كانت وحدات من الجيش استكملت انتشارها في تونس العاصمة، أين تصاعد التوتر غداة اندلاع مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين خلال الليل في الضاحية الغربية الشعبية، وظهرت تعزيزات عسكرية من جنود بالسلاح وشاحنات وسيارات جيب ومصفحات في العاصمة التونسية للمرة الأولى منذ اندلاع المواجهات التي تشهدها تونس منذ أربعة أسابيع. وتمركزت هذه التعزيزات عند مفترقات الطرق وعند مدخل حي التضامن، حيث كانت الأضرار التي خلفتها أعمال العنف خلال الليل ظاهرة. وفضلا عن تعزيزات الشرطة الكبيرة ووحدات التدخل الخاصة، هناك آليتان للجيش وجنود بالسلاح يتولون حراسة الساحة التي تربط بين جادتي فرنسا والحبيب بورڤيبة قبالة السفارة الفرنسية وكاتدرائية تونس الكبيرة. كما شوهدت تعزيزات عسكرية مشابهة حول مقر الإذاعة والتلفزيون.

 

هـــل يكـــون ”بوكاســـا تونــس” سبـــب سقـــوط ”ساركـــو” فرنســـا؟

عندما انهزم الرئيس الفرنسي الأسبق جيسيكار ديستان في رئاسيات عام 1981 أمام غريمه فرانسوا ميتران، كان سبب عزوف الفرنسيين عن إعادة انتخاب ديستان، لتدهور شعبيته، خصوصا بعدما كشف ديكتاتور إفريقيا الوسطى السابق، جان بيدل بوكاسا للفرنسيين تورط رئيسهم في فضيحة فساد ثقيلة.حينذاك، كان بوكاسا يسعى للانتقام من تخلي فرنسا الرسمية عنه، وهو الذي خدمها جنديا، ثم رئيسا لإفريقيا الوسطى، واختلس من أموال شعبه ليزيد من ثراء النخبة الفرنسية، وبشكل خاص من حسابات جيسيكار المالية. وكان من ضمن ما قاله الديكتاتور وآكل لحم البشر بوكاسا، عن الرئيس الفرنسي الأسبق ديستان، أنه منحه أحجارا كريمة من الماس، تقدر بأثمان غالية. وكان واضحا للرأي العام الفرنسي والدولي بشكل عام، أن بوكاسا فعل ما فعله في إطار رد الجميل لباريس، نظير ما كانت تقوم به من غض للطرف عن مجازر بوكاسا في حق شعبه، والتهامه لحومهم بعدما نهب ما في جيوبهم.اليوم، وبعد أكثر من 30 سنة، رحل ديسيكار ديستان، ومات الديكتاتور بوكاسا، لكن ثمة هناك بوكاسا وديستان آخرين، مع تغيير طفيف في المكان.في تونس، ما تزال فرنسا حقوق الانسان تصر على اتباع سياسة غض البصر عن انتهاكات نظام زين العابدين بن علي، ورغم سقوط أزيد من ٥٠ قتيلا برصاص البوليس التونسي. فيما تحاول باريس بالمقابل تحويل كل حبة إلى قبة، عندما يتعلق الأمر بالجزائر، حتى أن وسائل الإعلام الفرنسية الرسمية وغير الرسمية، اجتمعتا على كلمة واحدة، وكأن الأمر يتعلق بإيعاز أو بمهماز جاء من الإيليزيه، بمحاولة إضفاء طابع سياسي وإيديولوجي على أعمال الشغب الأخيرة التي شهدتها الجزائر نهاية الأسبوع الماضي.في تونس، يموت الشعب سواء بالرصاص أو حرقا احتجاجا على العيش مذلولين سياسيا ومهانين اجتماعيا، لكن فرنسا ساركوزي تكتفي ”بنصح التونسيين بالحوار والاحتكام للهدوء”. وفي الجزائر يخرج المراهقون وخريجو السجون إلى الشارع، بفعل فاعل، بعد تهييج ورفع متعمد للأسعار، فتقول فرنسا أن الأمر يتعلق بـ”ثورة جيّاع”.في تونس، يحرص نظام حكم زين العابدين بن علي على خطب ود فرنسا، وضخّ أمواله في بنوكها لإنعاش اقتصادها، لكن في الجزائر تصدر الحكومة قانونا ”يضيق المجال على الشركات الأجنبية العاملة بها، مع ما تسبب فيه الإجراء من خسائر، خاصة بالنسبة للشركات الفرنسية”.في تونس، حوّل نظام حكم تقوده ”حلاقة” تحولت إلى ”السيدة الأولى”، التونسيين إلى مجرد قطيع، يرعاه الإقطاعيون الفرنسيون المبشرون بعودة الكولون إلى شمال إفريقيا. لكن في الجزائر، يصدر وزير المجاهدين تصريحا عاصفا يذكر ساركوزي ومن معه كيف نجحوا في الوصول إلى سدة الحكم بحكم أصولهم اليهودية.عندما نجري مثل هكذا مقارنات، بين ما حدث عندنا وما يجري في تونس، يبطل العجب والتعجب من إصرار فرنسا على التغاضي عما يحدث في الجارة الشرقية، وإلحاحها بالمقابل على التمسك بجنتها المفقودة.

رابط دائم : https://nhar.tv/tbA2t
إعــــلانات
إعــــلانات