بن بوضياف: قانون الإجراءات الجزائية الجديد يمس عمل النيابة العامة ويراقب مهام الضبطية القضائية
كشف النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر محمد الكمال بن بوضياف اليوم الأربعاء، أن قانون الإجراءات الجزائية الجديد يعد نصا قانونيا جاء ليترجم بوضوح إرادة الدولة في تعزيز سلطة القضاء وفعالية السياسة الجنائية غير مقاربة علمية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الجريمة الحديثة، وتحديات مكافحة الإجرام المنظم، والجرائم العابرة للحدود، والجرائم الاقتصادية والرقمية التي تمس الأمن القانوني والاقتصادي للوطن.
مؤكّدا النائب العام بمناسبة تنظيم يوم دراسي موسوم بقانون الاجراءات الجزائية الجديد بين الثورة التشريعية وتحديات التطبيق،بمشاركة كل الفاعلين في المنظومة العدلية من قضاة ومحامين وضباط شرطة قضائية وأساتذة جامعيين. أن القانون رقم 25-14 جاء بمجموعة من المستجدات الجوهرية التي مست صميم عمل النيابة العامة، سواء في مجال تحريك الدعوى العمومية، أو في مراقبة أعمال الضبطية القضائية، أو في التكييف القانوني للجرائم المعقدة.
مشيرا محمد الكمال بن بوضياف، أن من أبرز هذه المستجدات، يتعلق
بتقييد سلطة تحريك الدعوى العمومية ضد المسيرين العموميين في المؤسسات الاقتصادية العمومية، التي لا يجوز تحريكها إلا بناء على شكوى مسبقة من الهيئات الاجتماعية للمؤسسة، أو بعد استطلاع رأي معلل من السلطة الوصية في الأفعال التي يحتمل أن لا تكون متصلة بأعمال التسيير. وهذا التعديل حسب النائب العام يكرّس مبدأ الرقابة المتبادلة بين السلطات، ويمنع خلط المسؤولية الإدارية بالمسؤولية الجزائية.
بالاضافة الى إعادة تنظيم إجراءات التحري والمتابعة لضمان عدم تحريك الدعوى إلا على أساس بلاغ معلوم المصدر، مع إمكانية استطلاع رأي المجلس الوطني للصفقات العمومية في الجرائم المتعلقة بالصفقات، بما يعزز الرقابة المسبقة ويضمن سلامة المتابعة.
توسيع صلاحيات ضباط الشرطة القضائية ليشمل فئات جديدة مثل الإداريين في الشؤون البحرية وقادة الوحدات العائمة، وتمكينهم من ممارسة الاختصاص على المستوى الوطني في بعض الجرائم الكبرى. وهذا يعكس توجها واضحا نحو تخصص التحري وتكامل الجهود بين أجهزة الضبطية والنيابة العامة.
ومن ضمن المستجدات في باب إجراءات المثول الفوري، أضاف ذات المتحدث الى إدراج آليات إجرائية حديثة، من بينها نظام الإخطار الفوري الذي يشمل المثول الفوري وحالة التلبس وإجراء الاعتراف المسبق بالذنب كأداة جديدة لتسريع الفصل في القضايا وتخفيف العبء عن المحاكم، دون المساس بحقوق الدفاع أو بمبدأ العلانية.
كما كشف محمد الكمال بن بوضياف، أن توسيع مجال بدائل المتابعة عبر إجراءات مثل التنبيه والوساطة، من شأنها تمكين وكيل الجمهورية من تفويض وسيط معتمد للقيام بإجراء وساطة جزائية قبل المتابعة، مما يفتح الباب أمام عدالة ترميمية أكثر إنصافا وإنسانية، بالإضافة إلى تعزيز آليات الحجز والمصادرة لمتحصلات الجريمة، وتوسيع نطاقها لتشمل الأموال والعائدات غير المشروعة حتى لو انتقلت إلى الغير، مع استحداث وكالة وطنية لتسيير الأملاك المجمدة والمصادرة تحت إشراف القضاء، وهو ما يشكل نقلة نوعية في حماية المال العام واسترداده.
وفي كلمته الترحيبية، أكد محمد الكمال بن بوضياف، إن هذه الإصلاحات الجوهرية تستوجب من النيابة العامة إعادة ضبط أدواتها القانونية والعملية بما ينسجم مع فلسفة النص الجديد. فلم يعد الهدف مجرد تحريك الدعوى العمومية، بل تحريكها في الوقت المناسب، وبالأسلوب القانوني السليم، وضد الشخص الصحيح، وفق معايير دقيقة من الملاءمة والتناسب. كما أن توسيع صلاحيات الضبطية القضائية يقابله وجوب تعزيز الرقابة التوجيهية للنيابة العامة على أعمالها، ضمانا لوحدة العمل القانوني واحترام الإجراءات.
وفي ظل التحولات التكنولوجية التي فرضت حضورها في الميدان القضائي، أشار محمد الكمال بن بوضياف أن إدراج الإثبات الإلكتروني والتبليغ عبر الوسائل الرقمية يفرض علينا، كأعضاء في النيابة العامة، مضاعفة التكوين وتحديث الممارسات، لتكون العدالة مواكبة للعصر دون الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة. كما أن النص الجديد بإقراره إجراءات الوساطة والاعتراف المسبق بالذنب، يعكس إرادة تشريعية في تخفيف النزاعات وتعزيز العدالة التصالحية، ما يستدعي منا حسن توجيه هذه الآليات واستعمالها بما يخدم مصلحة العدالة والمجتمع معا. وأن مسؤولية النيابة العامة، أصبحت أكثر دقة ومسؤولية، إذ لم تعد وظيفة المتابعة آلية روتينية، بل عملية قانونية مركبة تستلزم قراءة واعية للنص، وممارسة رشيدة للسلطة التقديرية، ومراقبة صارمة لشرعية الإجراءات. إن رسالتنا اليوم، من خلال هذا اللقاء، هي أن نعمل جميعا على ترسيخ ثقافة قضائية جديدة قوامها: المسؤولية التخصص، الشفافية واحترام القانون.