إعــــلانات

بومهالة اغتصبتها العشرية السوداء.. وعمق من جراحها المسؤولون

بقلم النهار
بومهالة اغتصبتها العشرية السوداء.. وعمق من جراحها المسؤولون

سيدي نعمان؛ هو اسم لبلدية تبعد عن مقر ولاية تيزي وزو بـ 20 كلم شمالا، ارتبط اسمها بالإرهاب والعشرية السوداء، بعد أن التحق أبنائها بالنشاط المسلح

 

كإرهابيين فردا فردا، مثنى مثنى، وبصفة جماعية. ومن ضمن البلديات التي عرفت الإرهاب بلدية سيدي نعمان التي تتفرع منها عدة قرى ومداشر، نذكر منها زبوج قارة، ثلا مقار شريبط، اميخليف، ليتاما، وبوهمالة. ”النهار” اختارت هذه الأخيرة لزيارتها والتي تبعد بـ 7 كلم عن مقر البلدية، علما أن بومهالة أنجبت أمراء وقياديين في التنظيم الإرهابي أمثال عبد العزيز يوسف المكنى أبو خيثمة، وهو أمير المال في القاعدة والقيادي بابا حسن المكنى أبو تراب، وواڤيني مولود المكنى بالعرباض  وهو الذراع الأيمن لكتيبة النور، إضافة إلى  خروبي حمد المكنى ”الكونديسو” الذي أعلن أنه تم القضاء عليه في 3 جويلية 2006، لكن هناك تقارير أمنية تثبت عكس ذلك أي؛ أنه لا يزال على قيد الحياة .

فعائلة خروبي بقدر ما أنجبت من إرهابيين راحو ضحية الطيش   وضحايا الضغوطات في تلك الفترة، أو بالأحرى الدوامة التي عصفت وهزت كيان الجزائر أنذاك، إذن بقدر ما كان من أبنائها إرهابيين هي عائلة عريقة ثورية أنجبت شهداء الثورة التحرير وشخصيات وإطارات على رأسهم الوزير السابق خروبي، الذي يعد ابن عم ”الكونديسو” المذكور سلفا.

من يمسح دموع بومهالة ويضع حدا لنزيفها الدموي

كانت الساعة تشير إلى  الواحدة ونصف زوالا، لما نزلنا من وسيلة النقل بـبومهالة، التي كانت تبدو مهجورة وأثار سنوات الجمر والحرب الأهلية تظهر بوضوح عليها، وعلى وجوه الأشخاص الذين التقيناهم، الذين يعدون على الأصابع منازل منهارة، أعمدة كهربائية معطلة، سكوت رهيب خيم عليها في ذلك اليوم المشمس، تقطعه أصوات المطارق المستعملة في ترميم البيوت  محاولة منهم طي صفحة الماضي المر، إنها حقا منطقة تجرعت الآلام والمرارة، دفعت الثمن غاليا، ولم يحس بثقله إلا أصحابها وأناسها البسطاء، التي شاءت الأقدار أن تغير بعنف مجرى حياتهم بعد أن كانوا ينعمون في جنة حقيقية، متمتعين بهدوء وسلام بأراضيهم وأملاكهم، قبل أن تعصف بهم الكارثة، أتت على الأخضر واليابس، تشتت وتفككت من خلالها العائلات وعم البكاء، النواح العويل الدماء، الأرامل، اليتمامى، القتلى، إنه لقدر مشؤوم وكابوس حقيقي لم تستفق منه بعد، وإلى  متى؟

أول من صادفناه هو شيخ ترائ لنا من بعيد، وهو بصدد تفقد أرضه وقصدناه للحديث معه، لقد تفاجأ بوجودنا، ويتعلق الأمر بالمدعو خروبي محند امزيان، البالغ من العمر37 سنة، أب لستة ذكور وأربعة بنات، متقاعد وفي السابق كان عاملا ببعض المؤسسات العمومية، يقطن حاليا بمنطقة بوخالفة حيث عاد إلى  هنا منذ ثلاث سنوات، لكن ليس بصفة نهائية، إذ يأتي فقط في الفترات الشتوية رفقة زوجته لتفقد أرضه ومحاصيله الزراعية، أما عن أشجار الزيتون،فهي قليلة، وبنظرات عميقة ثاقبة، ملأتهما التجاعيد  صرح أنه في سنة 1994 شد رحاله إلى  أرض أجداده بومهالة، فارا، هاربا من الجحيم رفقة عائلته باتجاه منطقة بني دوالة، بعد أن أعاره أحد أصدقائه بيتا، أين مكث فيه طيلة أربعة سنوات، ليرحل بعدها إلى  ذراع بن خدة، قبل أن ينتهي به المطاف حاليا ببوخالفة، سألناه إن كان لديه أبناء التحقوا بالجبل، وبعد أن تنهد بعمق، أجاب بالنفي أنه لم يترك لهم الفرصة لذلك إذ وفور احتدام الصراع الأمني فر بفلذات كبده، منقذا إياهم من الدوامة التي كانت في انتظارهم. أما عن الوقت الراهن، قال الحمد لله  وأنه لم يصدق بحلول يوم يرى ويلامس أرضه، بالرغم من الخطر الذي لايزال يحدث بالمنطقة.

140 عائلة سابقا.. ويعدون على أصابع الأيدي حاليا

ونحن نواصل الدردشة مع محند أمزيان لفتنا انتباه ابن عم هذا الأخير، وهو المدعو خروبي محمد البالغ من العمر 44 سنة، متزوج وأب لطفلين، والذي ظن أثناء رؤيتنا من بعيد، أننا من مصلحة الإحصاء، محمد يعد رئيس جمعية التنسيقية للقرى المعنية بالتنمية الريفية، التي تأسست سنة 2002، والتي تفتقر إلى  مقر لها، وعرف هذا الأخير أننا من جريدة ”النهار” الذي يعد من قرائها الأوفياء، كما أنه كان يشتغل بمكتبة ثانوية العقيد عميروش بمدينة تيزي وزو. قدم محمد هو أيضا لخدمة أرضه على متن جرار ورمم منزله الذي هجره في 25 جوان 1995. وهو يوم تاريخي بالنسبة له، لقد بدا لنا متفائلا من قوله أنه بعد العسر يسر، ويريدون بعث روح جديدة للمنطقة التي عانت الكثير  قبل أن يذكر بتاريخها الثوري، مؤكدا لنا أنه في الوقت السابق قبل بداية العشرية السوداء، كانت بومهالة تحتوي على 140 عائلة. ويضيف ذات المتحدثث أن الوضع الأمني تسبب في تشتت أكثر من عشرين منطقة من مجموع أربع ولايات، ويتعلق الأمر بكل من البويرة، بومرداس، تيزي وزو، العاصمة أي؛ أنها وجهات العائلات المهاجرة من بومهالة، وبحلول 2003، سجلت عودة جد محتشمة للمهاجرين، ممثلة في أربع عائلات لتتزايد مع استتباب الأمن نوعا ما، وفي ذات السياق وحسب ذات المصدر، استفادت بومهالة من 80 قرارا للترميم، وهذا منذ أربعة أشهر فقط، بالرغم من الطلبات المراطونية التي أودعوها منذ سنة 2003، بمنح مبلغ 70 مليون سنتيم لكل عائلة، لكن ستقدم على شكل ثلاث دفعات، حيث تسلم البعض منهم الدفعة الأولى متمثلة بـ25 مليون سنتيم، وعن سبب عدم تسلم الحص المالية كاملة، أجابنا ذات المتحدث، أنه راجع إلى  اجتناب تكرار سيناريو تحويل تلك المبالغ لأغراض أخرى من طرف المستفيدين.

صراع سونلغاز لا ينتهي والمدرسة الابتدائية الوحيدة تسكنها الأشباح

 اغتنم رئيس اللجنة محمد خروبي، فرصة تواجد ”النهار” لينقل رسالته أو بالأحرى صرخته للمسؤولين والسلطات المعنية التي أصيبت بالصمم في الأذنيين، للفت النظر لانشغالات المنطقة التي تستغيت وتُحتضر مصارعة الموت، بافتقارها لكل شيء في حين أنها غنية بثرواتها وطبيعتها جد الخلابة، مركزا على ضرورة إنجاز مرافق للشباب الذي حطمتهمهم البطالة، يقول ذات المتحدث أن بومهالة تتوفر على المياه، الطريق معبد نوعا ما، ينعدم فيها الغاز الطبيعي، لكن العائق الأكبر هو فقدان نعمة الكهرباء، إذ أنه لا تزال الأعمدة الكهربائية مخربة منذ العشرية السوداء، وقد لجأ أصحاب القرية إلى  ربط التيار بمحول كهربائي يقع في مكان بعيد بطريقة فوضوية لا شرعية، كما أنهم لا يتوفرون على عددات ما جعل شركة سونلغاز تقطع التيار الكربائي، بسبب عدم دفع الفاتورة التي لا يمكن تحديدها بغياب تلك العدادات، وكل ما قطعت التيار إلا وأصلحه القرويين، وهكذا دواليك إلى  يومنا هذا وعن سبب رفض سونلغاز تلبية انشغال القرويين.

أوضح لنا ذات المتحدث، أن ذلك يعود إلى  قلة عدد العائلات حيث اشترطت الشركة المعنية سونلغاز، أن يصل عددها إلى  ثلاثين عائلة فما فوق، وتجدر الإشارة إلى  أن المدرسة الابتدائية الوحيدة الواقعة وسط القرية، قد أوصدت أبوابها بعد العشرية السوداء، وأصبحت تسكنها الأشباح بدل التلاميذ، وعن سبب عدم فتحها ثانية هو انعدام التلاميذ، إذ يتواجد ثمانية تلاميذ فقط ستة ذكور وبنتين، وحاليا يتنقلون إلى  زبوج قارة للدراسة على بعد 4 كلم، حيث خصص لهم النقل المدرسي أحد الخواص القاطنيين ببومهالة، إذ لديه عربة من نوع ”إيفيكوي” لكن المشكل الكبير هو أن النقل المدرسي سينقطع في الأيام القليلة القادمة، كون هذا الأخير لم يستلم مستحقاته المالية مدة ما يزيد عن السنتين، إذ رفضت مصالح الولاية وبلدية سيدي نعمان تسديد المبلغ.

الطريق إلى  منطقة عبور الإرهاب

بعدها توجهنا رفقة خروبي محمد، كي يرينا العائلات التي أتت لترميم منازلها أو بالأحرى عائلة واحدة ورب أسرتها يدعى غدوشي سعيد البالغ من العمر 86 سنة، كان رفقة ابنه جمال البالغ من العمر 20 سنة، هذا الآخر بطّال.

العائلة تقطن حاليا بزبوج قارة، عادت إلى  أراضيها منذ أربعة أشهر، بعد أن فرت منها في شهر جوان 1995، علما أن غوشي سعيد متقاعد وأب لثلاثة ذكور وبنت واحدة على مقربة الزواج جلهم بطالين عن العمل. كما شاركنا في هذا الحديث ابن عمهم المسمى حسن البالغ من العمر أربعين سنة، بطال أيضا متزوج وأب لطفلين يقطن ببوخالفة، هو كذلك جاء لترميم ما يمكن ترميمه من بيته الأرضي، وبعدها انصرفنا تاركين العائلة لمواصلة أشغالها، متوجهين لسلك الطريق المؤدي إلى آخر قرية سيدي نعمان، إلا وهي ايمخلف الواقعة خلف بومهالة بحوالي أربعة كلم علما أن هدفنا لم يكن زيارتها، بل أردنا فقط إلقاء نظرة على الطريق، ونحن نسير على الأقدام لم نسجل أي شيء يذكر  باستثناء مركبتين نفعيتين مرتا من هناك، وبعد أن مشينا ما لايقل عن كلم واحد، عدنا أدراجنا إلى  القرية، حيث دفعنا فضولنا الصحفي إلى  اقتحام مكان يتجنبه القريون ليومنا هذا، إلا وهو غابة أفحام المعروفة بأدغال بومهالة، التي تعد الركيزة الأساسية للعناصر الإرهابية واتخاذها منطقة عبور من دون أي منازع واستنادا لبعض المصادر فإن أفحام المتربعة على مساحات هائلة والمتميزة بأشجارها الكثيفة ومسالكها الوعرة وأحراشها المتشابكة، لاتزال تأوي العناصر الإرهابية، التي تحتمي وتختبئ فيها.

أطفال بومهالة يأملون في الحصول عل النقل للذهاب إلى المدرسة

بدأنا المغامرة بمفردنا سالكين المسالك الضيقة المليئة بالمنعرجات، وسط الأشجار الكثيفة، والسكوت القاتل الذي يقاطعه زقزقات العصافير والطيور التي كانت تحدث فجأة أصواتا من حين لآخر وسط الأحراش، كنا نمشي بخطى ثابتة لكننا لانستطيع إخفاء شعورنا بالخوف الذي كان ينتابنا من الحين لآخر خوفا من المجهول، لقد مشينا على الأقدام لمسافة أقصاها 2 كلم، دون تسجيل أي شيء، لنعود أدراجنا والساعة تشير إلى  حدود الرابعة مساء، حيث حرصنا على عدم وصوانا بوسيلة النقل المبرمجة على الساعة الرابعة والنصف، علما أن آخر عملية تمشيط شهدتها المنطقة، كانت منذ حوالي شهرين. وتجدر الإشارة إلى أننا قبل دخولنا لغابة أفحام، سألنا خروبي محند امزيان عنها حيث نصحنا بعدم التقرب منها، مؤكدا لنا أن سكان المنطقة يتجنبون ويمتنعون بتاتا على الذهاب إليها في الفترات الشتوية عكس الفصول الصيفية على حد تعبيره

ونحن في طريق العودة خارجين من غابة أفحام، كنا نسمع من بعيد هتافات وقهقهات الأطفال، ضحكات كانت في الأمس القريب نواحا وبكاءا لقد صادفنا اثنين منهم وهما الشقيقين شافعي أولهما يدعى سيد أحمد البالغ من العمر 14 سنة، والآخر البرعم نور الهادي عمره سبعة سنوات، كانا يرعيان الغنم هي ملك للعائلة لقد عادوا هذه السنة إلى  بومهالة مسقط رأسهم، قادمين من وسط بلدية سيدي نعمان التي فرت إليها العائلة، سيدي أحمد يدرس في السنة الثالثة متوسط بإكمالية الإخوة خروبية بـزبوج قارة، أما نور الهادي في السنة الثانية بالمدرسة الإبتدائية التي تحمل ذات التسمية خروبي بذات المنطقة. وعن يومياتهم يقولون أنها عادية ولايشعرون بالخوف. وسألناهما عن النقل المدرسي فقالا أنه ينقلهم مرتين في اليوم في الفترة الصباحية على الساعة  الثامنة والنصف والمسائية على الرابعة، علما أنهم يخرجون من القسم على الساعة الثالثة والربع ويضطرون للانتظار خارجا   فهذان البرعمان قد بلغا مسمعهما قصة دين البلدية التي ترفض إعطاء العمال مستحقاتهم المالية، هذا ما يؤثر سلبا على المتمدرسين. في ذات السياق فإن الأمنية الوحيدة لهذين البريئين هو إعادة فتح مدرسة بومهالة ثانية، كي يخفف عليهم عناء التنقل ولكي يكونا بالقرب من الدفئ العائلي، وبدافع الفضول ارتأينا طرح بعض الأسئلة حول الإرهاب على هذين البريئين لمعرفة رد فعلهما وطريقة تفكيرهما، حيث قال لنا سيد أحمد أنه لما شدت عائلته الرحال، كان يبلغ من العمر ثلاثة أشهر، ولما سألناه عن  رؤيته للجماعات الإرهابية، أجاب بالنفي، هنا قاطعه شقيقه الأصغر بكل عفوية وسذاجة، قائلا:”لا لقد شاهدتهم والدتي صبيحة يوم السبت الماضي على متن شاحنة من الجهة السفلية للغابة أقحام، أين جمعنا بهما الحديث” ليجيبه الآخر: ”لا إنهم الجيش مروا من هنا على الساعة الثامنة صباحا، وتعطلت شاحنتهم في الأوحال، قبل أن يصلحوا الأمر ويرجعوا”، هنا جعلنا نشك في الأمر لكن فيما بعد تأكدنا من مصادرنا الخاصة، وتبين أن الأمر يتعلق فعلا بشاحنة تابعة للجيش الوطني الشعبي، توجهنا بسؤال إلى  نور الهادي، كيف كان مظهر الإرهابيين؟ يصمت برهة ثم يجيب بكل براءة: ”إنهم كالعسكر لكنهم يقتلون”، من يقتلون الناس؟ وماذا إن رأيتهم أمامك ماذا ستقول لهم؟ لا أستطيع قول أي شيء لو تكلمت سيقتلونني، وبعد إلحاحنا عليه واستدراجه في الكلام لمعرفة الرسالة التي يريد توجيهها، قال بطريقة ثائرة تكبره بكثير وهو في سنه، وبالكاد يتحملها جسده النحيف، إنها طريقة تقشعر لها الأبدان، ”اذهبوا من بلادنا لا تقصدونا لو أتيتتم إلى  هنا سنطردكم”، قبل أن يواصل ويختم بعبارة ”اتركونا بسلام”.

السؤال ذاته وجهناه لشقيقه الذي أجبانا مباشرة وهو مطأطأ رأسه ليس لدي ما أقوله لهم، وبعد أن إصرار منا رد بطريقة مباشرة: ”لو كانوا فعلا يعلمون وعلى دراية، لكانوا نزلوا من الجبال. “

ودعنا هذه البراءة، على أمل أن يتحقق حلمهما المتمثل في إعادة فتح المدرسة الابتدائية وعودة السلم والأمان، غادرنا بومهالة في حدود الرابعة ونصف مساء، على متن آخر مركبة نقل، هناك صادفنا جمعا من الأشخاص؛ الشيوخ، الشباب والعجائز سيشدون رحالهم لقضاء الليلة بعيدا عن بومهالة، بعد يوم شاق قضوه في أراضيهم الزراعية وترميم ما تبقى من بيوتهم التي يروي كل ركن منها مأساة من المآسي الإنسانية، والكل يأمل بغد أفضل وبأن تسطع شمس السلام، لكن الظاهر أن هذا الأمر بعيد كل البعد والجرح لا يزال ينزف وإلى متى؟

 

رابط دائم : https://nhar.tv/fE4B5
إعــــلانات
إعــــلانات