تراجع بيع المفرقعات.. حينما يصير الاحتفال في مساره الصحيح

في السنوات الماضية، كانت المفرقعات التي يسمع دويها في الأحياء علامة تشير إلى قدوم المولد النبوي الشريف، حيث تغزو الأرصفة والأماكن العمومية طاولات تعرض مختلف أشكال وألوان المفرقعات، ويتسابق الأفراد لاقتنائها، حتى كادت تتحول إلى طقس لا يمكن الاستغناء عنه. غير أن تغيراً ملحوظاً حدث في السنوات الأخيرة التي عرفت تراجعاً كبيراً في هذه الظاهرة.
تراجع واضح في استعمال المفرقعات
لطالما كانت ساحة “مادور” وسط مدينة بومرداس سوقاً مفتوحة لطاولات يزيد طولها عن المترين، تعرض مختلف أنواع المفرقعات التي يتفنن الشباب في تسميتها مثل “البوق”، “الشيطانة”، و”الفراشة”.
ولم يكتف بعضهم بما هو متوفر، بل لجؤوا إلى مزج مادة الألمنيوم بسائل “روح الملح” داخل قوارير مغلقة وتركها تنفجر. لكن تلك المشاهد باتت من الماضي، إذ أصبحت الساحة شبه خالية من المفرقعات، باستثناء بعض الباعة الذين يعرضون الحلويات والشموع.
أحد المواطنين الذين استُطلعت آراؤهم، أوضح بأنه لن يقتني المفرقعات هذه السنة بسبب ارتفاع أسعارها، مفضلاً توجيه تلك المصاريف إلى ما هو أنفع، خاصة مع اقتراب الدخول المدرسي.
وذلك ما أكده المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، فادي تميم، الذي أوضح أن تجارة المفرقعات شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة تراجعاً كبيراً، بفضل الحملات التوعوية التي تقودها وزارة الصحة ومصالح الحماية المدنية وجمعيات المجتمع المدني، وهو ما انعكس إيجاباً على أجواء الاحتفال.
بدورها، تسهر الأجهزة الأمنية على ضمان سلامة الاحتفالات عبر مخططات أمنية لحماية الأشخاص والممتلكات. إذ أعلنت شرطة العاصمة عن حجز أكثر من 100 ألف وحدة من الألعاب النارية والمفرقعات.
المفرقعات.. عادة دخيلة على المجتمع
يربط المختص في علم الاجتماع الأسري، حليم مصطفى، أصل استعمال المفرقعات بفِرَق “الرحابة” و”الفانتازيا” التي كانت تستعمل البارود للتعبير عن الفرح، قبل أن تدخل المفرقعات إلى المجتمع الجزائري، وذلك لسهولة استعمالها وثمنها البخس.
من جهته، يرى الناقد الاجتماعي الدكتور محمد علي الدواجي، أن المفرقعات هي وسيلة احتفال دخيلة، لا تمُتُّ بصلة للروح الدينية للمولد. إذ ارتبطت تاريخياً بالصينيين القدامى الذين كانوا يستعملونها لطرد الأرواح الشريرة. أما في الجزائر، فقد استهوت الأطفال والمراهقين لما توفره من إشباع نفسي وضجيج لافت، لكنها في الحقيقة بعيدة عن المعاني الروحية التي يفترض أن تميز المناسبة.
المفرقعات.. تشويه لمعنى الاحتفال
يؤكد الدكتور الدواجي، أن ربط المولد النبوي بالمفرقعات يمثل تشويهاً لمعنى الاحتفال الحقيقي، في ظل ما تخَلِّفه من إصابات تتراوح من الحروق البسيطة إلى بتر الأصابع وفقدان السمع أو البصر. ومع مرور الوقت، ترسخت هذه العادة السلبية حتى غطت على الجوانب الروحية المتمثلة في نشر سيرة الرسول ﷺ.
أما المختص الاجتماعي بن سالم إسماعيل، فيعدُّ المفرقعات شكلاً من أشكال “التسليع الثقافي” الخاضع لمنطق العرض والطلب، مشيراً إلى أن تراجع استعمالها مؤخراً يعكس وعياً متزايداً لدى الجزائريين.