تهاني العيد أصبحت أمرا شاقا للجزائريين؟!!

شهدت أيام عيد الأضحى المبارك هذا العام، إمعانا في انحراف تكرّس في السنوات الأخيرة، فبعدما كان الجزائريون يحرصون على التغافر عبر تكثيف التزاور، شهدت الجزائر منذ فترة ليست بالقصيرة “زهدا” يتفاقم!
اللافت أنّه جرى تعويض الزيارات بالاتصالات الهاتفية، قبل أن تدخل الرسائل النصية القصيرة ثمّ نظيراتها الالكترونية على الخط، لتشهد هذه السنة “بروز” الصور الفيسبوكية، في مؤشر على ضحالة ثقافة الاحتكاك الاجتماعي ومحدودية التواصل في مجتمع سقط رهينة لثنائية الانعزال والاستعلاء.
وفي تفسيره لما يحدث، ركّز الخبير السوسيولوجي يوسف حنطابلي في حديث لـ “النهار أون لاين” على أنّ تهاني العيد أصبحت أمرا شاقا في نظر فريق معتبر من الجزائريين، الأمر الذي دفع هؤلاء للاستنجاد بافتراضية مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل التهاني.
إفرازات الفردانية والركود
قال حنطابلي: “إنّ الظروف المادية والعمرانية للمجتمع الجزائري أصبحت مرهقة، فالتحرك في فضاء المدينة والقيام بالزيارات في الأعياد، أصبحت أمرا شاقا، فالعقلية الفردانية التي تفرزها بعض العائلات الجزائرية تجعل الفرد، لا يشعر بانتمائه للعائلة، أكثر من انتمائه إلى محتويات أخرى في العلاقات الاجتماعية كالحي والانتماء الوظيفي”.
وأضاف المتحدّث: “التغافر لديه أسباب موضوعية جعلته يأخذ هذا الشكل، فشبكات التواصل الاجتماعي ترتسم كـ “حل” و”بديل” لثقل وعدم إمكانية تلبية كل المتطلبات التواصلية بين العائلات”.
تخبطات ولا مبالاة
تلاحق ظواهر “اللامبالاة”، “الركود” و”الفردانية” الكثير من مكوّنات الشارع الجزائري، وسط تراكم كوابيس “اللاَمبالاة” وتدني الوعي الاجتماعي، وهو ما يفسره خبراء علم الاجتماع بتخبط الجزائريين في مستنقع معيشي لاهب، وسط “تراجع الإحساس بالوعي والمسؤولية”، ما يقفز بجدلية الجزائري كضحية الحرمان من جملة حقوق مشروعة، وتكرّسه كطرف في معادلة الحرمان!
وعلى نحو مريب، يعرف الوضع الحالي في الجزائر ركودا تفاعليا يطبع تعاطي الشارع مع سائر التماوجات، واللافت هو تكرّس المذهب الفرداني والبحث عن الخلاص الفردي، ويرى السوسيولوجيون “عمار يزلي”، “فاروق مدّاس”، “مراد عيمر” و”محمد بن مخلوف” إنّ ظاهرة “اللامبالاة” تتسّع وسط السعي الحثيث وراء متطلبات الحياة المتزايدة، والتعقيدات البيروقراطية وما يتبعها من طوابير انتظار، وحتى الازدحام المروري الذي يستهلك أوقاتا قياسية.
ويربط من تحدثوا إلينا، الراهن بـ “سوء تسيير فكري هدم عامل الثقة لدى الجزائريين”، مما غيّب الإتقان والتفاني في العمل، بالإضافة إلى أنّ الكثير من الجزائريين لا يستشعرون الثقة في أنفسهم بسبب عدم تكافؤ فرص الحصول على الحقوق.
الأنترنت أدت إلى فتور الحميمية
تشير الخبيرة الاجتماعية “ثريا التيجاني” إلى أنّ التراكمات التاريخية والسياسية والمآسي التي تخبط فيها الجزائريون لعدة عقود، أنتجت خوفا وخللا وكبتا نفسيا، وهو ما يفسر انتشار الأمراض النفسية، وهذا عنصر هدام للمجتمع.
وتؤكد “التيجاني” أنّ الفرد الذي يعاني اضطرابات نفسية لا يمكنه المشاركة في ترقية المجتمع، بل أكثر من ذلك فان هؤلاء الأفراد الذين يعتبرون ضحايا لسوء معاملة أو لتنشئة غير سوية، لم تعد حالات شاذة بسبب الأوضاع التي مر بها المجتمع الجزائري، وإنما أصبح هؤلاء يمثلون جماعات لها وزنها.
وتسجّل “التيجاني” جملة سلبيات متوارثة عن الأساليب التربوية والتأثر بالثقافة الغربية المادية، مما أفرز نزعات فردانية إلى جانب انتشار الحقد والحسد، كما ترى أنّ الوسائط الإعلامية الحديثة وخاصة الأنترنت أدت إلى انقطاع الاتصال المباشر بين الجزائريين وفتور الحميمية حتى بين أطراف العائلة الواحدة.
غياب تأطير اجتماعي
يرى السوسيولوجي د/” محمد بن مخلوف” أنّ الجزائريين يتفاعلون طرديا، إلاَ أنّ التفاعل يتم بصور بينية غير منظمة، فالتحضر الذي عرفه المجتمع الجزائري لم يرافقه تأطير اجتماعي من خلال الجمعيات والرابطات واللجان، وبسب ضعف هياكل المجتمع، تكون التفاعلات مع المتغيرات الحاصلة تلقائية مناسباتية وغير مستمرة، وتكون في إطار ضيق يقتصر على روابط اجتماعية تقليدية وتطفو كمجرد انفعالات عابرة.