إعــــلانات

حذار من الإبحار في عوالم تافهة ولساعات طوال

حذار من الإبحار في عوالم تافهة ولساعات طوال

صار للوجع الذي تعاني منه القراءة في الجزائر أسباب معلومة مسبقا، ولا داعي للتحجج بحجج أخرى، فمثلما قضت ثورة الاتصالات الرقمية وبكافة ملحقاتها على كثير من الحميميات والرومنسيات الإنسانية،ها هي تجرّ وتجرف معها تلك النفحات التي كان المرء يشعر بها، يوم كان يجد متعة وشوقا للجلوس على طاولة ويمسك جريدة يومية، وبشتى اللغات مبحرا في عوالمها من الألف إلى الياء.

وسائل التواصل الاجتماعي والتويتر واليوتوب وغيره، لم تترك للإنسان العادي ولا المثقف مجالا للتفرد والتخصص، فبحكم أنها متاحة للجميع فقد صار بمكان أن يصبح كل مالك لهذا النوع من الوسائل والأجهزة محررا ولم تصبح المعلومات والأخبار في تعداد الحصريات والتملك، بل مُشاعة وتنتشر بسرعة البرق وفي اللحظة الواحدة نحو ملايين المتابعين.

تراجعت أهمية الصحف بل حتى الكتب والمجلات، لأن الأنترنيت لم تترك مجالا للتجارة الورقية، كما يقال، بل حتى الكتب وموسوعاتها النادرة، فيما مضى صارت في متناول الجميع وبطرق مجانية وغير مكلفة بتاتا، حتى أن أطرافا أخرى لازالت تؤكد أن للكتاب والصحيفة أذواقا خاصة، لن يجدها أحد أو يشعر بها في الكتاب المحمّل إلكترونيا.

والأمر كذلك بالنسبة للصحف والمجلات؛ لأن هذا التدفق الإعلامي الرهيب قتل تلك النفحات وميّع الطاقات والقدرات لدى الفرد، والتي عوض مثلما كان يوظفها في قراءة كتاب لمدة شهر أو أكثر صار يجزئها ويبترها، بل يضيعها في مجال البحث.

حيث تغريه العناوين والأسماء، فيبحر فيها لساعات طوال حتى يغلبه النعاس وهكذا دواليك، وينهكه التعب، ليجد نفسه في آخر المطاف لم يستفد من شيء ملموس، بل مجرد إشارات وهوامش لا غير، وهذا هو الجانب السلبي  الأكبر في عالم الأنترنيت.

وتقول إحدى الدراسات إن الإنسان إذا استمر في هذا السياق سيجد نفسه مشتت الفكر والمعلومات، بل مخرّب الذاكرة، أو عبارة عن «روبوه»؛ لأنه انغمس من دون مقدمات في بحار شاسعة لا آخر لها ولا أول.

وبالتالي فهو لم يحترم الريتم والنسق اللازمين اللذين يتطلبهما جهده وطاقته المحدودة، من أجل التكيّف الجدي ومن ثمة التبلور المعرفي الطبيعي؛ لأنه أقحم قدراته وضغط عليها لدرجة الانفجار والضياع.

من هنا لجأ القارئ القديم الجديد إلى الانغماس في عوالم مطلقة بشكل فظيع وغير محدودة، ولم يجنِ منها غير أن ربح آلاف التسهيلات المادية، لكنه خسر تقريبا الأصل، وهي تلك الجاهزية والراحة النفسية التي هي أصلا الاستعداد الفطري للتأمل والتبصر والتدقيق في الأشياء، بل المادة الأولية للخيال ووقودها.

رابط دائم : https://nhar.tv/ftuYM
إعــــلانات
إعــــلانات