إعــــلانات

دروكدال مريض.. وخطّط لتنفيذ 12 عملية انتحارية في يوم واحد

دروكدال مريض.. وخطّط لتنفيذ 12 عملية انتحارية في يوم واحد

تساؤلات حيرة وقلق رافقتني خلال

رحلتي إلى التائب ”خير الدين. س” صاحب 30 ربيعا، الطريق إلى لقائه كانت وعرة ومسالكها كانت في حالة يرثى لها، جعلت السفر له شاقا أكثر مماهو مخيف. وصلنا الدشرة التي يقيم بها ”خير الدين” مؤقتا، نظرا للظروف التي يعيشها بعد تسليم نفسه لقوات الأمن، حيث وجدناه في حالة تأهب، خاصة بعد سماع صوت محرك السيارة، ولكن سرعان ما زال عنه القلق، بعد تعرفه على مرافقي..  دعانا للدخول إلى منزله المتواضع الذي يعيش فيه مؤقتا، ولما دخلنا ،شرع الرجل في قضم أظافره وحك رأسه، وبعد أن لاحظ اضطرابي قال لي بنبرات كلها ألم وحسرة: ”هما دارولي هاك” 

خلال كلامي مع ”خير الدين”، أحسست أنني مع إنسان مثقف على خلاف ما عهدته من إرهابيين آخرين التقيتهم، فهو على اطلاع بالمواد القانونية وتشريعات الدستور وحتى العلوم الطبية. فضل خير الدين سرد تفاصيل حياته التي كانت في البداية عادية جدا، حيث يقول أنه ترعرع في وسط أسرة مكونة من سبعة أفراد، إضافة إلى الجد والجدة اللذان كانا أساس العائلة، اشتهرت بتفوقي في الدراسة وعلوم الدين، تربينا في أسرة جزائرية محافظة، أساس عائلتنا الشرف والأخلاق الحميدة، وهذا ما مكنني من أن أحظى لدى أساتذتي بمكانة خاصة، حيث كانوا يضربون بي المثل في الرزانة.  يسكت خير الدين قليلا، ثم يقول نسيت أن أقدم لكم شيئا”، وبعد إصرار كبير طلبنا الشاي، ليواصل سرد تفاصيل حياته التي يصفها بالمؤلمة، فبعد تحصله على شهادة التعليم الأساسي انتقل إلى الثانوية يقول: ”وكلي فخر بحصولي على الشهادة بصفتي بكر العائلة، فجدي كان يدعوني رجل الدار، وهذا ما زادني ثقة أكبر بنفسي، وأعقبت نجاحات أخرى وتحصلت على البكالوريا، وكان بمثابة عرس في العائلة، توجهت إلى الجامعة وبالضبط إلى العاصمة، وهنا كانت الطامة الكبرى. ”

ترصدوني في مقهى بالعاصمة بسبب حماستي للجهاد بفلسطين

تصور نفسك في قرية محافظة جدا - رفض ذكر اسمها لأسباب شخصية- وتذهب إلى أمريكا، هذا ما حدث لي من انتقال من الأصالة إلى المعاصرة، أومن الجهل إلى العولمة، دون صعود سلم، إذن تخيلوا الصعود بهذه الدرجة والذي يؤدي حتما إلى سقوط حر، وهذا بالضبط ما حدث لي، أتذكر أول يوم توجهت فيه إلى الجامعة، وكلي رغبة في مواصلة مسيرة العلم، وكنت أؤمن بحديث الرسول ”أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”، وهذا ما جعلني كلي عزيمة وتحد ورغبة في الوصول إلى المراتب العليا، لكن الواقع كان شيئا آخرا، فبمجرد وصولي إلى الجامعة اصطدمت بالواقع المر، فلم أعرف إن كانوا هم في تطور أم نحن الذين كنا في تأخر،  خلاصة القول أنه كان صعبا عليا التأقلم من أول وهلة، وحينها عرفت أنني إما أن أفشل أو أنجح، وبعد مرور أيام تلتها شهور كانت الهوة تتسع بيني وبين الجامعة، وهو ما جعلني اعتكف في المساجد ساعات وساعات خوفا من أن يجرفني التيار إلى طريق مسدود، وأذكر جيدا تلك الأيام التي كان العدوان الصهيوني الغاشم يقتل النساء والأطفال في فلسطين، كنت متتبعا للأحداث وأدعو لهم في كل صلاة.. وذات مرة كنت في أحد المقاهي بأحد الأحياءالعاصمية العريقة التي كنت كثير التردد عليها، وكان بالمقهى جهاز تلفاز، كنا مجموعة من الأشخاص نتابع آخر أخبار فلسطين، ونظرا لما شاهدته من صورمفجعة، نطقت بأعلى صوتي افتحوا لنا باب الجهاد وسوف نريهم من نحن، ومن هنا بدأت حكايتي مع الجماعات المسلحة، فبعد خروجي من المقهى، تبعني شخص كان جالسا هناك، وقد حاول فتح نقاش معي حول ما يحدث في فلسطين، وبما أني كنت دسما انطلقت في صب غضبي دون مراعاة مع من أتحدث، وبعد فترة من الأخذ والرد في الكلام، قال لي أن عددا كبيرا من أصدقائه، ذهبوا إلى العراق وفلسطين ومنهم من استشهد هناك. تحمست للفكرة وقلت له إن هؤلاء فعلا رجال حقيقيون، وليس ما نرى الآن من ردة وفسق، وبعد ذلك تعددت لقاءاتي مع الصديق الجديد الذي أحسست أنه يتقرب مني يوما بعد يوم، ولم أكن أعرف أنه يستدرجني إلى طريق لم أكن يوما أفكر في سلوكه. وبعد فترة من لقاءاتنا المتكررة، أخبرني أن هناك مجموعة من الشباب سوف تلتحق بالعراق وفلسطين في الأيام القليلة المقبلة، وأنه إن كنت ما أزال على رأيي عليا تحضير نفسي في أقرب الآجال، جددت عزيمتي وطلبت فترة لأحضر نفسي وأودع العائلة، لكنه أصر على توخي التكتم.  سافرت إلى العائلة وأقنعتهم بعد جهد كبير، أنني سأسافر من أجل طلب العلم إلى دولة عربية مسلمة، وجاء يوم رحيلي إلى فلسطين كما كنت أظن.. اتصلت بصديقي وكان اللقاء بالعاصمة، كنا حوالي عشرة أشخاص، كلنا شباب، اتجهنا إلى جبال بومرداس أين تفاجأنا.

أوهمونا بالقتال في العراق ثم دفعونا لقتال إخواننا

انتظرنا سقوط الخيوط الأولى لليل، لننتقل نحن العشرة في سيارات مختلفة، سلكنا طرقا وعرة كل واحد منا كان الارتباك ظاهرا عليه، تفاجأنا بتغير الوجهة، لأنه كان من المفترض الذهاب إلى الحدود، لكن المرافق أكد لنا أنه نظرا لظروف أمنية تم تغيير الوجهة، سلكنا الطريق إلى جبال بومرداس وهنا راودني الشك، لكن سرعان ما تلاشى بعد كلامي مع المرافق الذي حاول زرع نوع من الاستقرار في نفسي، لأن الغرض الأساسي من ”الحرڤة” هو الجهاد والشهادة، وبعد سير دام قليلا  توقفت السيارة وأكملنا مسيرتنا مشيا على الأقدام، أين التقينا خمسة أفراد مسلحين، وهنا أحسست أنني فعلا في ورطة، حاولت فهم الأمر لكن لا أحد كان يجيب على أسئلتي، مكثنا حوالي شهرا كله معاناة وقلق، ليس لنا الحق في التدخل في أي شيء، إلى أن جاء أحد الإرهاببين في يوم ما، كان شخصا قوي البنية، وبدأ لي أنه مسؤول نظرا للولاء الذي كان يعنى به، تكتم عن اسمه وقال: ”أنا أخ في الله وستسافرون للتدريب للجهاد”، وكانت الوجهة مالي. يقول محدثنا أنهم انتقلوا رفقة سائقين كانوا شديدي الحذر، فارضين عليهم رقابة، ومنعوهم من التوقف في الطريق، حيث التقوا مجموعات إرهابية أكدت لهم  حسب قوله – أن كل شيء على ما يرام، ليضيف محدثنا بالقول ”بصعوبة تمكنا من الوصول إلى مالي نظرا، ليقظة حرس الحدود، غير أن معرفة السائقين بمسالك الصحراء جعلنا نمر بسلام”.ويواصل خير الدين حديثه إلينا، مستذكرا كل صغيرة كبيرة، حيث يقول وصلنا الحدود المالية مع الجزائر، أين التقينا مجموعات مسلحة، وهناك أخبرونا أنهم ”تنظيم يسعى لتحرير فلسطين والعراق، ولكن مصالح الأمن أطلقت عليهم مصطلح إرهابيين.. كان كلامهم عكس أفعالهم،فخلال تواجدنا هناك قاموا بعدة عمليات سرقة، كانوا يستهدفون السواح ويسرقون أموالهم وهواتفهم النقالة، وحتى ألبستهم، وكانوا يسرقون سائقي الشاحنات،وعندما أقول لهم إن ذلك حرام كانوا يجيبون أنه حق فلسطين والعراق، وأن السواح كفار مغتصبين”. ويقول خير الدين أنهم تدربوا على يدي جزائري على استعمال السلاح، ”لم يكن متمكنا من ذلك، حسب معلوماتي المحدودة، وبعد مدة من التدريب أمرنا بترصد الجمارك الجزائرية في الحدود، هنا أدركت انتمائي للجماعات المسلحة، فلم أجد المفر سوى مسايرتهم، إلى أن تحين الفرصة للهروب، لأنني لا أعرف مسالك الصحراء، خاصة بعد فرار أحد المجندين، قبل أن يُعثرعليه ميتا وسط الصحراء، ليضيف ”أظهرت ولائي لهم لكي أكسب ثقتهم، والأكيد أنني حصلت عليها لأنهم كانوا أناسا جاهلين لا يعرفون من العلم إلا قليلا، والبعض منهم يجهل حتى كتابة اسمه.

كانوا يخططون لضرب مقري وزارة الدفاع والمديرية العامة للأمن الوطني بعمليات انتحارية

مكثت ستة شهور في مالي، أين تدربت على استعمال السلاح، السرقة وزرع الألغام، وبعد كسب ثقتهم، طلبوا مني الرجوع إلى الجزائر وبالضبط إلى جيجل ،أين التقيت بعناصر تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، في ذلك اليوم كانوا يحضرون لتفجير قنبلة لاستهداف أفراد الجيش الوطني الشعبي، طلبوا مني التنقل معهم، لكنني تظاهرت بالتعب، غير أن أحدهم أمرني بالإمساك بكاميرا التصوير وتصوير العملية الإرهابية و”نصرهم الأعظم”.  في أواخر شهر ديسمبر من السنة الماضية، جاءهم طلب من دروكدال زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بجمع أحسن العناصر تحضيرا لأكبر العمليات إيذانا بدخول السنة، كان الهدف استهداف مقرات وزارة الدفاع الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني وميناء الجزائر، وأكبر مراكز الشرطة بالعاصمة، وأكدوا على ضرورة تنفيذ العمليات 12 في يوم واحد لأنه بعد التفجيرات سيضيق الخناق عليهم، ويكون التنقل صعب، وبعد تلقي الأوامر رأيت أن لا أحد من أفراد الجماعة الإرهابية كان متحمسا للأمر، خاصة وأن كل تلك المخططات كانت ستُنفذ بعمليات انتحارية، وهذا ما جعل معظمهم يتردد في الأمر. يسكت ”خير الدين” قبل أن يضيف متحدثا ”لقد اعتمدوا في تحرياتهم على صور المقرات المستهدفة، مواقيت دخول وخروج العمال وعددهم، كيفية تنقلاتهم، ولكن ذلك كان صعبا، خاصة مع تضيق الخناق عليهم من جانب القوات الأمنية، وهنا كانت الفرصة لي بالتحايل عليهم، فتظاهرت بمعرفتي بإطار هام في وزارة الدفاع، وقلت لهم أنني سأجمع منه معلومات قدر المستطاع، وأن مهمتي ستكون سهلة كوني لست معروفا أو مطلوبا لدى مصالح الأمن، لأن الجميع كان يعتقد بأنني  هاجرت إلى الخارج لإتمام  دراستي، وبعد محاولات عديدة تمكنت من إقناعهم، وهربت من معاقل الإرهاب، بعد سنة عايشت فيها واقع الجماعات المسلحة، أين أدركت حينها أنه لاعلم ولا دين في أوساطهم، حتى أنهم يعانون الضغوط المالية والمعنوية، تتميز العلاقة فيما بينهم بالتناحر والتنافس على المناصب، لدرجة قيام بعضهم بقتل البعض الآخر لأجل ذلك، بل إن منهم من كان يتناول الحبوب المهلوسة، خاصة بعد مرض دروكدال، الذي جعل القيادة تختل وتهتز، وأصبحوايعتمدون على الأطفال القصر، لأنهم يستطيعون التأثير عليهم، قبل أن يضيف ”خير الدين”: ”أنا على يقين أنهم لا ينامون ليلا ولا نهارا، فمنهم من اشتاق إلى عائلته وأولاده، ومنهم من توفي والداه ولم يرهما”. يقول ”خير الدين”: ”أن جل الإرهابيين يخافون من ظلهم، فخلال فترة مكوثه في معاقل الإرهاب لمدة سنة، لم يذكر يوما أنه نام مغمض العينين، ”كان نوما كله خوف وقلق واليوم الحمد لله على كل حال، فبعد تسليمي لنفسي أشعر أني عدت إلى موطني”. وأصر ”خير الدين” في ختام حديثه إلينا، على توجيه رسالة إلى كل الشباب، مفادها تحذيرهم من استغلال حماسهم لأغراض غير شرعية، من طرف الإرهابيين، الذين قال عنهم ”خيرالدين” أنهم ”باعوا ضمائرهم وبلادهم من أجل بضعة قروش، ويا ليتهم يتمتعون بذلك، لأن كل هذا لصالح أمريكا وإسرائيل.”

رابط دائم : https://nhar.tv/LwgK8
إعــــلانات
إعــــلانات