إعــــلانات

سائق الشاذلي ابن وزير قضاة وضباط أمن في مستشفى المجانين

سائق الشاذلي ابن وزير قضاة وضباط أمن في مستشفى المجانين

اختراق جدران عنابر مستشفى ''فرانز فانون'' في البليدة

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Tableau Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Times New Roman”;
mso-ansi-language:#0400;
mso-fareast-language:#0400;
mso-bidi-language:#0400;}

، المعروف بكونه مستشفى الأمراض العصبية والنفسية، ليس بالأمر السهل، لكون كل عنبر يحرسه أربعة ممرضين، والحديث مع المرضى، يجب ألاّ يخرج عن إطار منحهم سيجارة أو نقودا، وإذا أردت معرفة أسمائهم أو وضعياتهم، فإن النتيجة ستكون لا محالة، التعرض للمنع.

لهذا لجأت ”النهار” أثناء زيارتها لمستشفى الأمراض العقلية ”فرانز فانون”، إلى استعمال عدة حيَّل، للتمكن من التغلغل إلى قلب العنابر والتحدث إلى ساكنيه من المجانين، وحتى بعض الممرضين، الذين لم يبخلوا علينا عبر مدّنا بيد المساعدة، منها تمكيننا من معلومات هي أشبه بـ”الغرائب” التي لم نجد لها أي تفسير، ومنها ما جعلتنا حائرين وزادت من شغفنا لمعرفة الكثير.

أخذ حصة كبيرة من الفقراء وانتقل إلى صيد أغنياء وإطارات الجزائر

الجنون ليس من نصيب الفقراء فحسب، كما هو متداول، أو أنه يقتصر على فئة معيّنة دون فئات أخرى، بل إن المرض قد يكون أيضا نهاية شخصيات وإطارات ناجحة، ذنبهم الوحيد، أنهم تعرضوا إلى انهيارات عصبية أو حالات ضغط نفسي رهيب مرفوقة بالكبت، لينتهي بهم المطاف إلى الجنون، بعد أن يستهلكوا كافة قدراتهم على الصبر وامتصاص الصدمات، ويصبح الحمل أثقل مما يمكن تحمله، ويفوق طاقة الفرد على المقاومة.

كانت زيارتنا إلى مستشفى الأمراض العقلية ”فرانز فانون” مليئة بالمفاجآت، خصوصا عندما شرعنا في اكتشاف بعض هويات من يرقدون في أسرّة عنابر المستشفى، فمثلما وجدنا أبناء الطبقة الوسطى والفقراء، عثرنا أيضا على من كانوا حتى وقت قريب، ينتمون إلى ”الطبقة المحظوظة” من المسؤولين في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة وإطارات في شركات مرموقة، إلى جانب أبناء بعض الشخصيات والمقربين منهم، بالإضافة طبعا، إلى عدد معتبر من المنتسبين إلى أجهزة الأمن والجيش بمختلف أسلاكهما.

سائق الشاذلي ”دفع كوارطو”.. ونجل العربي بلخير مرّ من هنا!

بداية زيارتنا إلى مستشفى المجانين في البليدة، كانت مع سائق الرئيس الأسبق ”الشاذلي بن جديد”، المتواجد منذ فترة ليست قصيرة وراء أسوار المستشفى. هذا النزيل المميّز يحظى بظروف إقامة مميّزة أيضا، فالممرضون يسعون إلى توفير جو خاص له، خصوصا وأن لديه راتبا يجعله يعيش في نفس المستوى الذي كان فيه، كما أنه يعامل بطريقة استثنائية، منها إقامته في غرفة ”إنفرادية”، بل إن حتى شروط زيارته لها طابع خاص ومحدد، فزواره لا يخرجون عن أفراد العائلة الذين يتفقدون ظروفه من حين إلى آخر.

وبالحديث عن سائق الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، فإن ذلك يقودنا حتما إلى الحديث عن نزيل سابق بنفس المستشفى، هو أحد أقارب مسؤول سابق في فترة الشاذلي، ألا وهو نجل الجنرال الراحل العربي بلخير، الذي قال عنه مصدر مطلع بالمستشفى، أنه أدخل إليه بعد إصابته بانهيار عصبي، حيث جرى إسعافه وإيصاله المستشفى لتلقي العلاج، بواسطة سيارة إسعاف تابعة للمستشفى، غير أن إقامته هناك لم تدم سوى أياما قلائل، حيث وضع النزيل حدا لحياته عندما أقدم على الإنتحار بشنق نفسه باستعمال إزار داخل غرفته.

ضابط شرطة: ”أُصبت بانهيار عصبي ولما شفيت رفضتْ زوجتي عودتي إلى المنزل!!”

بعد فترة قصيرة من وصولنا إلى المستشفى ودخولنا إليه، حطت بنا الرحال إلى جنب شيخ كبير اخترنا مجالسته، أين راح هذا الأخير الذي كان يجلس بعيدا عن رفاقه في المستشفى في مكان منعزل، يسرد على مسامعنا قصته، التي بدأها من التعريف بنفسه، عندما قال إنه ضابط شرطة سابق، قادته الظروف العصيبة التي مرّ بها وحالة الضغط خلال فترة العشرية السوداء، وما تلاه من انهيار عصبي، إلى دخول قائمة المجانين في المستشفى، مضيفا إن زوجته أودعته المستشفى بعدما لاحظت على سلوكاته وتصرفاته شيئا من التغيّر ونوعا من الغرابة، بحيث صار يضرب زوجته، إثر اشتداد العمل عليه وعدم قدرته على تحمل بعض الأعباء، قبل أن ينهي كلامه معنا بالتأكيد على أنه قد تماثل تماما للشفاء بعد تلقيه العلاج، غير أن زوجته رفضتْ عودته إلى منزله العائلي!!، وهو ما أجبره على البقاء في المستشفى.

ابن وزير.. ضباط ورجال أمن آخرين ضمن القائمة

جلوسنا إلى من كان في المستشفى، لم يقتصر على المرضى فقط، بل إن بضع دقائق قضيناها رفقة عدد من الممرضين الذين تحدثوا، إلينا على أساس أننا مجرد زوار لمعايدة أحد المرضى، قادتنا إلى اكتشاف هويات أشخاص آخرين مدوّنة أسماؤهم ضمن قوائم المرضى النزلاء هناك. وكان من بين ما علمناه خلال زيارتنا تلك، هو أن نجل أحد الوزراء، أُدخل المستشفى منذ أيام قليلة، حيث أوضح مصدرنا أنه منذ ذلك اليوم، والمستشفى يعرف بعض التحركات اللافتة للإنتباه، من خلال نوعية الزوار، مضيفا أن نجل الوزير الذي أصيب بانهيار عصبي، يخضع في الوقت الراهن للعلاج، مضيفا أن هذا النزيل ”غير العادي” لم يتم تدوين اسمه على قائمة نزلاء المستشفى.

بعد ذلك، انتقلنا إلى زاوية أخرى ومتحدث آخر وقصة أخرى، تتعلق هذه المرة بشاب لم يتجاوز عمره 21 سنة، قيل لنا أنه جيء به من منطقة عين الصفراء غرب الوطن. وكان ما بثَّ فينا شعورا بالأسى والحسرة على ما آل إليه ذلك الشاب اليافع، هو عندما علمنا أن هذا الأخير لم يمضِ على انخراطه في صفوف الدرك الوطني أكثر من 15 يوما، قبل أن يتبخر حلمه بالإلتحاق والعمل ضمن مؤسسة طالما أمل في الإنتساب إليها.

المشاكل الأسرية والفقر يفقدان الإنسان صوابه

بعد أكثر من ساعة من الزمن ونحن نستمع إلى الممرضين والزوار، وهم يسردون على مسامعنا أهم وأبرز الأسماء التي لم يرحمها الجنون وصارت حبيسة الجدران في العنابر، حاولنا الهروب قليلا عن أنظارهم للحديث مع بعض المرضى الذين كانوا يتجولون في أرجاء المستشفى بكل حرية، وبعد التأكد من عدم وجود أعينٍ تراقبنا، تمكّنا من الجلوس إلى بعض النزلاء من مختلف الفئات والحالات والحديث معهم، وهو ما تمكّنا منه بسهولة، لرغبة النزلاء في الحصول على من يجالسهم ويؤنسهم ويستمع إلى أحاديثهم وهمومهم.

وفي كل مرة كنا نقترب فيها من أحد نزلاء المستشفى من المرضى، كان هؤلاء يسبقوننا دائما بعبارة ”خويا أعطيني ڤارو..”، أو بسؤال ”عندك الشمة؟”، حينئذ أدركنا أن السجائر و”الشمة” هما الملاذان الوحيدان لفئة كبيرة من نزلاء مستشفى ”فرانز فانون” الذي يشعرهم بأنهم ما زالوا أحياءً، وهو ربما ما جعل إدارة المستشفى تسمح ببيع السجائر وباقي أنواع التبغ داخل المستشفى.

تمضي ساعة أخرى من الوقت ونحن نراقب المرضى، يعيشون أهم ساعة في اليوم، وهي ساعة الغداء، حينذاك جلسنا أمام عنبر ”كبيش”، أين توجه ممرضان بسرعة نحو سيارة مركونة محملّة بقدور الأكل، وقاما بإدخال قِدر إلى العنبر الذي كان يعج بالحركة، فالجميع هناك كان يحمل بيده إناءً من الألومنيوم وينتظر دوره كي يحصل على نصيبه من الأكل، وكل من يحاول كسر النظام أو عدم الإنصياع لأوامر الممرضين، فإنه قد يعرّض نفسه إلى الحرمان من الوجبة.

البطالة، الحڤرة وزوجة الأب.. كل الطرق تؤدي إلى الجنون!

كريم وياسين، شابان يكاد المرء لا يصدق أنهما نزيلان في المستشفى، فالأول الذي لم يتجاوز عمره 37 سنة، كان يجيد التحدث باللغة الفرنسية، بشكل يجعلك تظن أنه طبيب في المستشفى وليس أحد نزلائه، ولهذا الأخير مثل بقية رفقائه قصة تحمل بين طياتها الكثير من العبر، حيث قال عندما سرد على مسامعنا حكايته أنه صار يكره الشارع والعيش وسط أسرته، لأنه لم يعد يجد راحته سوى في المستشفى، ليضيف أنه كلما شعر بالقلق، يقوم الممرضون بحقنه بإبرة ”تعيد له هدوءه”. وختم كريم حديثه إلينا بالقول ”الحڤرة هي سبب هبالي”.أما رفيقه ياسين، فقد قال في قصته أن والده هو من سبب له حالة الكبت التي يعاني منها، موضحا أنه بعد وفاة والدته سنة 2005، وجد نفسه يصارع قسوة الأب، لتزيد البطالة من معاناته وعدم توفره على راتب أو مصدر رزق يُمكّنه من الإعتماد على نفسه، ليجد نفسه محاصرا بين قسوة الوالد ومضايقات زوجته، ليأتي يوم من الأيام يقوم فيه الوالد باستدعاء الشرطة ويطلب منهم نقله إلى مستشفى البليدة، ومنذ ذلك التاريخ، يقضي ياسين أيامه بين أسوار المستشفى، بعيدا عن قسوة الوالد وتحريض ومضايقات زوجته.

بعد جولة استطلاعية في عدد من العنابر، انتقلنا إلى مصلحة الإستعجالات للأمراض العقلية، أين جلسنا مع بعض المرضى كي لا نثير الشبهات، فالمصلحة كان بها عدةُ حالات مختلفة، منها من يبدو عليها المرض ومنها ما تجعلك تتساءل عن سبب تواجدها في هذا المكان، كون معظم الحالات كانت لشباب في مقتبل العمر.

مريم هي إحدى المريضات في المصلحة، وتبلغ من العمر 30 سنة، كان الفقر باديا عليها، وهو ما أكدته لنا قريبتها التي جاءت معها.. وقد بدّت حالة الشابة جدّ سيئة، كونها كانت تتفوه بجمل كنا بالكاد نفهم منها كلمة أو اثنتان، لكننا تمكّنا من معرفة قصتها من أختها ”مريم”، التي قالت أنها لم تكن مجنونة ”بل كانت تدرس جيدا، ونظرا لفقرنا وعدم قدرة العائلة على توفير متطلباتها، صارت أختي تعيش حالة من الإكتئاب”، لتضيف أن أسرتها ”كانت تظن أنها حالة عابرّة، فلم نعرضها على طبيب، كما أن إمكاناتنا المادية لم تساعدنا على ذلك، وبعد أشهر، صارت تتصرف بغرابة، قبل أن ندخلها المستشفى للعلاج بأمر من الطبيب لفترة من الزمن، وصارت تتلقى المعاينة من وقت إلى آخر”.

الإنهيار العصبي أخطر من الجنون وقد يؤدي إلى الإنتحار

قد لا نقول أن جميع المرضى عقليا مصابين بالكبت أو الإنهيار العصبي، لكن أي شخص تعرض إلى هذين المرضين، فهو يدخل في خانة المجانين ويعامَل على ذلك الأساس، حسب تصريح البروفيسور ”شكالي محمد” بمستشفى الأمراض العقلية في البليدة، الذي أفاد أن الإنهيار العصبي والكبت يعتبران ”مرض العصر”، ويزيد عدد الإصابة بالداء كلما زادت الحياة صعوبة، ويمس من 5 إلى 10 بالمائة من كل مجتمع، ونظرا للتحول الذي تعيشه الجزائر، فإن الإنهيار العصبي يمس حوالي 3 ملايين و500 جزائري، أي ما يعادل 96 حالة يوميا.وأوضح البروفيسور، أن إعطاء رقم دقيق للحالات التي تصاب بالإنهيار العصبي سنويا أمر صعب، لأن المرض لا يزال من بين الطابوهات في المجتمع الجزائري، بالإضافة إلى عدم وجود دراسة علمية. وفي ذات السياق، أفاد ذات المتحدث، أن حالات الإنهيار العصبي شهدت تحوّلا غريبا وسط المجتمع الجزائري، حيث صار المصاب يقدم على الإنتحار، وصارت الجزائر مؤخرا، تسحل يوميا حالات انتحار أو أكثر، فهنا – حسب محدثنا – المشكل لا يكمن في العدد، بل في تحول المرض.أما عن الأسباب التي تجعل الإنسان يفقد صوابه، فقد قال محدثنا أنها واضحة، فصعوبة الحياة والقدرة المحدودة للفرد، هما الدافعان لدخول عالم الجنون، بالإضافة إلى التحوّل الذي تعيشه الجزائر، فلم يعد المجتمع محافظا، حيث بات الشاب يجد نفسه في صراع بين محيطه والعالم الجديد الذي تميَّز بالعولمة.

عنبر الإصـــــلاح.. مجرمون لكن مجـــــانين!

عنبر الإصلاح يجمع المرضى الذين فصلت الخبرة القضائية في حالتهم واعتبرتهم مجانين، فالعنبر عبارة عن زنزالة تجمع الذين ارتكبوا جرم وهم في وضعية غير طبيعية أو أصيبوا بالجنون بعد دخولهم السجن.دخول العنبر أمر مستحيل لشدة الحراسة حوله، لكن فضولنا جعلنا لا نفقد الأمل ونحاول التغلغل، وقفنا برهة من الزمن ونحن ننتظر فإذا ببوابة العنبر تعرج قليلا اقتربنا أكثر وأخبرنا الحارس أننا جئنا قصد الزيارة فسمح لنا بدخول قاعة الانتظار وهناك وجدنا ثلاثة شباب رفقة أهاليهم وبآخر الرواق كان عدد كبير من المرضى الذين تبدو على العديد منهم ملامح الإجرام. إقامتنا بذلك العنبر لم تزد عن 10 دقائق فإذا بالحارس تفطن لنا ونحن نحاول التغلغل أكثر فقام بإخراجنا، وفضل الحديث معنا بالخارج ودون أن نسأله قال ”المكان خطر وهناك مجرمين قد يؤذونك”… ”المصلحة تاع لمحابسية”،  دون تفكير سألت محدثي هل يوجد مدراء وإطارات بهذه المصلحة، ضحك ثم رد ”ماذا تريدين أن تعرفي”.. فأجبته ”كل شيء” ، قال الحارس الذي كان يتحدث معي بصوت خافت ”يوجد مديران بإحدى البنوك ليسوا من العاصمة بل من ولايات أخرى وأظن أن أحدهم من الشرق الجزائري لا أعرف من أين بالضبط وحالته ليست خطيرة، بل يبدو أنه مصاب بنوع من القلق فقط”، وصمت قليلا وبعد تفكير مقتضب واصل حديثه  منذ عام فقط دخل قاضي تحقيق إلى المصلحة بقي بها بضعة أشهر وقيل إنه شفي، وأكثر الأشخاص أهمية دخلوا العنبر هم ضباط وأعوان شرطة ودرك ومعظمهم متورطون في جرائم قتل دون وعي”. وقبل أن ينصرف الحارس ختم حديثه معنا ”العنبر دخله الكثير ومنهم من دامت إقامته لسنوات ومنهم من غادر بعد شهور فقط”.

رابط دائم : https://nhar.tv/brTDh
إعــــلانات
إعــــلانات