إعــــلانات

عثمان ‬أدين لك بكل شيء تعلمته

عثمان ‬أدين لك بكل شيء تعلمته
هل يمكن أن أكتب عن عثمان سناجقي رئيس تحرير يوميةالخبروأوفيه حقه وقدره وأرد له بعض فضله علي؟! لا أعتقد أنّه بمقدور جرة قلم اختصار شخصية بحجم عثمان ولو كان البحر مدادا !! فقد كان الرجل من طراز خاص، فريد في تصرفاته وغريب في تعاملاته لكنه شخص تلتقي فيه صفات الرجولة، الأخلاق، الكفاءة والشجاعة، الصبر والإقتدار.

كان عثمان -رحمه اللهيعبد العمل إلى درجة أنه يهرب من المواعيد والحفلات واللقاءات الرسمية التي يمقتها، شغله الأول والأخير أن يشرف على إعداد أحسن طبعاتالخبرالتي كانت حبه الأول والأخير، يوفي للرجال قدرهم، ولكن العمل عنده كان أهم من كل شيء إلى درجة أن الراحل اامحمد يزيد أطلق عليه  تسميةالأميرمن كثرة سعيه دون جدوى في الحصول على الكثير من وقت عثمان للحديث معه عن التاريخ.

ارتبط عثمان بالصحافيين إلى درجة جنونية، كان رفيقهم في أغلب فترات حياته التي سخرها لخدمةالخبر، شديد السعادة وهو يعيش مع الزملاء الذين رفعوا رأسه عاليا، لم يكن في حاجة إلى مديح من أحد، كانت فرحته وسعادته فيما توفره له من خبر يسمح له بأن يحقق ريادة وتألقا، وهو لذلك كان سيد المرحلة الوردية التي عاشتهاالخبر”.

على خلاف باقي الزملاء، كانت العلاقات الإنسانية عند عثمان تبدأ وتنتهي فيالخبر، حبه وكرهه، تعاونه ولامبالاته، صداقاته أو علاقاته، ترتكز كلها حول ما يمكن أن يحققه من إضافة ليوميةالخبر، وهو بذلك نجح في أن يفني حياته من أجل تألق هذه اليومية في مصاف الصحف المرجعية.

في ظروف صعبة كان على عثمان أن يختار بين خيار الحياد إزاء الحرب ضد الإرهاب أو الإنخراط في هذا المسعى، فكان خياره واضحا لا مجال للشك فيه، كان يشحذ هممنا ونحن نغوص في المناطق التي لا يزال الإرهاب ينخر  فيها، وكان حبنا له يدفعنا حتى إلى الصعود إلى الجبل وهو ما قمت به سنة 1999 ، حيث التقيت قادة التنظيم الإرهابي المؤيدين لمسعى الوئام المدني في معقلهم الرئيسي في جبال تاكسانة بولاية جيجل. كان عثمان منتشي بالفرح، كلما وصلته تقارير إخبارية تتربع على صدر الصفحة الأولى، كان يعبر عن فرحته بطريقته الخاصة، لم يكن يقول لأحد أن عمله جيد أو ممتاز، كان يترك الإنطباع في كل مرة أن العمل لا يزال بحاجة إلى تطوير.

كان رحمة الله عليه صعب المزاج والتعامل، لكنه عندما يثق مع من يتعامل يعطي كل ما عنده من ثقة له، أتذكر أنّني حررت مقالا مطولا حول عودةرجل الظل، الجنرال العربي بلخير إلى رئاسة الجمهورية في أوت 2000 ، فقمت بنشره دون حاجة إلى التحري، في اليوم الموالي هاتف العربي بلخير رئاسة التحرير، ليقول للزملاء أنه توجه للرئاسة لارتشاف كأس من القهوة، وأنه ليس مدير الديوان كما نشرت فيالخبر”. صدم عثمان لمكالمة الجنرال المتقاعد، قلت له كلمه مرة ثانية وقل له أنالخبرستنشر تكذيبا، فقال لي لا ليس هناك داع لذلك، بقي عثمان حذر من أخباري لمدة شهرين، إلى أن ظهر العربي بلخير في التلفزيون الوطني في ذكرى الفاتح نوفمبر عند تقديم أوراق السفيرة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية، واستعاد بعهدها ثقته فيّ، لكن بعمق أكبر ومحبة أقوى، لقد فتحت لي آخر قلاع الثقة في قلبه إلى يوم القيامة.

كانت أحداث عديدة جمعتنا معا خلال سنواتالخبر، تعلمت منها أن قيمة الصحفي فيما يوفره لمسؤوليه في الجريدة من مصداقية وقدرة كبيرة على توفير الأخبار، قبل أن يسمع بها كبار القوم، كان التحدي دائما ومستمرا ومحك الثقة أيضا، تعرضت لامتحانات عدة وتوجت في أغلبها بثقة عثمان الذي فضل أن يكون هو من يقلدني وسام أفضل صحفيالخبر، وهو الوسام الذي أعتبره الشهادة الوحيدة التي لها قيمة مهنية، والتي أفخر بوضعها في مكتبي بيوميةالنهار، لقد تكونت على يد أستاذ يعرف الميدان أكثر من معرفته لحديث الصالونات التي لم يكن يعرفها في حياته.

وضع عثمان كل خبرته ومعرفته التي اكتسبها فيالشعبعلى يد الأستاذ سعد بوعقبة، ليلقننا نحن الصحافيون كيف نفرق بين الخبر والتعليق؟، وكيف نتحرى الأخبار وكيف نعامل معاملة قاسية عندما تكون الأخبار خاطئة أو مكذوبة أو متلاعب فيها. كان حريصا على المصداقية وحرصه هذا هو الذي جعله يتميز بحس احترافي عالي المستوى، كان يعرضه في المشتلة التي كان يشرف عليها، تدعىالخبر، والتي تبقى مدرسة الصحافة الجزائرية بلا منازع.

غادرتالخبرإلىالشروقومنها إلىالنهاروبقيت العلاقة مع عثمان شبه منقطعة وهو أمر كنت أتفهمه فيه، فالرجل لم يتقبل رحيلي منالخبر، رغم أنه كان يؤيدني في كل مبرراتي، من الطبيعي أن يتصرف عثمان مع من أحبه بهذه الكيفية، كان ينقل لي الزملاء عنه انتقاداته لي بشدة مختلفة وبحدة متباينة، تفهمت ذلك منه كان حبه ليوميةالخبرحبا أسطوريا وتفهمت حبه، إنّه حب شخص محترف في مهنته ولأعز من أحب لم يقبل أن أكون في صف آخر، بقيت أسأل عن عثمان وأطمئن على وضعه الصحي في كل مرة وأدعوه للذهاب للعلاج في الخارج، وأكون رفيقه في رحلة العلاج، كان يطمئنني في كل مرة أنه بخير وأنه يتابع المرض عند أطباء كبار في الجزائر، آخر مرة طمأنني بأن وضعه الصحي جيد كان قبل شهر فقط، كان هذا أدنى شيء أوفي به أستاذي وصاحب الفضل علي إلى أن سمعت بتردي وضعه الصحي.

لقد كان رحيل عثمان فاجعة لي، ولكن أيضا للزملاء الذين عاشوا معه من خارجالخبرمثل سعاد، نور الدين، وبغالي ومن داخلالخبرمثل لزهر، غمراسة وسامر وآخرون كثيرون ممن كان عثمان يثق فيهم ويعتبرهم ذخر الجريدة وقت الشدة أو أصحابالبيعة الأولى، ممن لا يزالون يدافعون عن صرحالخبر”.

هذا هو عثمان سناجقي كان حبه ليوميةالخبرأسطورة مهما تحدثت عنها لن توفيها حقها. رحمة الله عليك أخي الأكبر.. رحمة الله عليك أستاذ الأبدي.. رحمة الله عليك يا صاحب الفضل علي.

رابط دائم : https://nhar.tv/y6VfW
إعــــلانات
إعــــلانات