إعــــلانات

كانت سيدة راقية وطيبة.. عانت في صغرها وربي عوضها وعاشت حتى رأت ابنها رايس

بقلم النهار
كانت سيدة راقية وطيبة.. عانت في صغرها وربي عوضها وعاشت حتى رأت ابنها رايس

طردوها من منزلها

ظلما وعدوانا وسامحت من تسبب في ذلك ؟ كانت تساعد الجميع وتعتبر الجزائريين كلهم أبناءها ككل الجزائريين تلقينا نبأ وفاة والدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بحسرة وأسى ككل الجزائريين، لأن فقدان عزيز ليس بالشيء الهين، وكأي جزائري وددت لو أنني كنت من بين المعزين ولم يكن ذلك ببعيد فقد كلفت من قبل مسؤولي ”النهار” لحضور الجنازة بمقر سكناها الواقع بشارع البشير الإبراهيمي بالأبيار بالجزائر العاصمة، توجهت إلى مقر السكن في حدود الساعة الحادية عاشرة صباحا.

وسط تعزيزات أمنية مشددة عرفتها المناطق المجاورة لمبنى سكن والدة الرئيس المرحومة الحاجة منصورية، أوقف السائق السيارة، ومشيت لثوان على رجلي..

لا تفتيش لا سؤال… الباب مفتوح على مصراعيه للجميع

 وفود ذاهبة وأخرى عائدة كلها كانت بمنزل والدة الرئيس، لا تفتيش لا سؤال ولا أي شيء آخر، لقد كان الباب مفتوحا على مصراعيه، لكل من رغب في التقدم إلى عائلة الرئيس لتقديم التعازي، طابور من عائلة الرئيس يتقدمهم شقيقه ناصر تقربنا منه وقدمنا له التعازي، فطلب منا الدخول إلى المنزل حيث تتواجد أخوات الرئيس والعائلة ككل، خطوات فقط التقينا شقيقه الثاني السعيد، ورغم ألم الفاجعة، استقبلنا بابتسامة داعيا إيانا للدخول… لم يحاول حتى معرفة شخصنا، لقد طلب منا الدخول وبقي يستقبل آخرين، كنت أظن أن الأمر سيكون صعبا، لأنه ليس من السهل الدخول إلى منزل أي مسؤول عادي والحراس لا يمكن أن يسمحوا لأي كان بالدخول، فما بالك دخول بيت رئيس الجمهورية.. كنت أظنه حقا ضربا من الخيال…، لكن ما كان يراودني من أفكار كانت تكبلني، هو مجرد تخمينات لأن الحقيقة كانت عكس ذلك تماما… دخلت ببساطة إلى المنزل كنت لوحدي… تقربت من المنزل.. رائحة البخور كانت تملأ الأرجاء… آيات من الذكر الحكيم للقارئ الشيخ السديس تسمع عن قرب… لم أكن أتوقع مطلقا أن يكون المنزل بتلك البساطة، أو أن يكون أفراد العائلة بذلك التواضع، وجوه شاحبة وعيون دامعة، ملابس بسيطة بساطة أصحابها، إنها الحقيقة فقد بدأ الجميع في هيئة بسيطة، كنت أحسب أن أراهم بملابس متكلفة أو أن لا يسمح إلا لمن يعرفونهم بالتقدم، غير أن ما لاحظته طيلة الساعات الأربع التي قضيتها بمنزل والدة الرئيس، كشفت لي الكثير من الأمور، فقد كانت كل النساء يرتدين عباءات ويضعن على رؤوسهن أخمرة، ربما كانت ضرورة الزمان لأنها ”وفاة الغالية” على حد تعبير بناتها وحفيداتها… بعض الأشجار كانت تضلل مدخل المسكن… طلاء أصفر ورواق قصير به غرفة الضيوف عند المدخل وغرفة أخرى في مخرجه، أرائك صفراء أمام الباب مباشرة، تجلس عليها بعض النسوة من زوجات أشقاء الرئيس وبنات أخواته… سلمت عليهن وكغيري من المعزيات اللواتي هرعن إلى منزل المرحومة لتقديم التعازي، دخلت غرفة الضيوف التي كانت تعج بالنساء، أغلبهن من المواطنات العاديات، تتوسطهن كل من وزيرة الثقافة خليدة تومي والمجاهدة زهرة ظريف بيطاط، أمام الباب مباشرة، كانت تجلس فوق كرسي خشبي الممثلة القديرة فريدة صابونجي، هي الوحيدة التي كانت تبكي بحرقة… وبين الفينة والأخرى تعاود إسدال خمارها على شعرها… أما الوزيرة فكانت جالسة على الأرض ممددة رجليها بعباءة صفراء اللون، وخمار باللونين الزهري والأخضر….عدد كبير من النساء فوق أسرة تحيط بالغرفة، وأخريات على أفرشة، قالت خالتي سكورة أنها كلها أخيطت بتلمسان، هي جارة والدة الرئيس ورفيقة دربه فقد كانت معه في الحرب التحريرية… غرفة بسيطة بها طاولة عليها تلفاز، ومذياع من الحجم الكبير، وعلى الجدار المقابل لواجهة الباب صورة كبيرة مرسومة باليد للرئيس بجوارها أخرى لمناظر طبيعية، هو كلما كانت تحويه تلك الغرفة…نساء يدخلن يعزين ويخرجن، وعند دخول وفد آخر يخرج الوفد الذي كان قبله، كل من تدخل تسأل عن أهل الرئيس، لأن الأغلبية كن مواطنات عاديات، سمعن بنبأ وفاة والدة الرئيس فلم يترددن في المجيء لتقديم واجب العزاء… طاولة صغيرة عليها قارورات للماء وكؤوس…وسيدة تعمل على خدمة الجميع إنها إحدى أفراد العائلة.

حفيدتها نبيلة: ”لا الوقت ولا المكان مناسبين لاسترجاع الذكريات..ربي يرحمها”

حاولت التقرب من إحدى قريباتها حتى تحدثنا أكثر عن الفقيدة، غير أن الدموع كانت أقوى.. لم يكن لا المكان ولا الزمان مناسبان للغوص في ماضي المرحومة، وجهتنا الشابة إلى أخرى كانت تستقبل الوافدات على المنزل، هي نبيلة ابنة شقيقة الرئيس وحفيدة ”الحاجة منصورية”، تقول نبيلة: ”لا يمكنني الحديث لأن الوقت غير مناسب لذلك أعتذر وأنصحك بعدم الخوض في ذلك لأن فيه من الألم الكثير…ربي يرحمها”، لقد كانت محقة فقدان عزيز لا يشعر به إلا من ابتلي به، توجهني الشابة التي كانت في العقد الثاني من عمرها إلى داخل الغرفة، لأعود أدراجي، إلى المكان الذي كنت أجلس فيه… كانت الساعة الواحدة إلا الربع، عندما دخلت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون إلى مقر سكنى والدة الرئيس، تقف أمام الباب دقائق قليلة تسأل عن إحدى قريبات الرئيس وترافقها إلى غرفة أخرى، لم تشأ الدخول إلى الغرفة التي كانت مليئة عن آخرها بالمعزيات…. تشرع ”خالتي سكورة” في سرد قصتها لنا بعد أن علمت أننا من الصحافة، تقول أن الحاجة كانت طيبة جدا، كانت حنونة معها لحد لم تتصوره ”انتيا جورناليست”، بلغة بسيطة وعامية تطرح العجوز سؤالها علينا، وتشرع في الحديث.. أنا أعرفها منذ زمن كانت جارتي وكان ابنها رفيقا لي في الثورة التحريرية هو والراحل هواري بومدين وحسيبة بن بوعلي والعربي بن مهيدي.العجوز تقول أن الفقيدة كانت تستقبلها وساعدتها كثيرا، لأنها فقدت 4 من أبنائها في الحرب التحريرية، وفقدت الثلاثة المتبقين في العشرية السوداء لم يبق لها سوى واحد، ”كانت ناس ملاح.. وحنينة بزاف ربي يرحمها ..ربي يكبركم على الطاعة.. ويوفقكم في خبزة الحلال..” هي دعوات من خالتي سكورة التي كانت تعاني من آلام في رجليها، لأنها من معطوبي حرب التحرير فرجلاها مليئتان بالثقوب…. كانت تحمل معها حقيبة يد بها قارورة ماء وعلم للجزائر أخرجته قبلته وأعادته إلى الحقيبة مرة ثانية .. هو علم يلازمها دائما… تقول خالتي سكورة، أنها كانت تتنبأ لـ”عبد العزيز” بأن يكون له شأن كبير، ”كنت حاسة بلي راح يروح بعيد كان شاطر بزاف وكان بومدين يشتيه”، تضيف بلهجة تميل إلى الأمازيغية ”الحمد لله كبرته وجعلته وإخوته رجالا يذودون عن الجزائر…

”خالتي منصورية ليست والدة الرئيس أو السعيد أو ناصر أو..بل هي أم الجزائريين وأم الجميع”

 أما سيدة أخرى تعمل لدى جارة والدة الرئيس رفضت ذكر اسمها، تقول أنها كانت تلتقيها في بعض المرات، عندما تكون تقوم بأشغال المنزل المجاور، ”كانت دائما تسبقني لصباح الخير، لم تكن تبخل علينا بالمساعدة، خاصة وأنها كانت تعرف أننا من عائلة بسيطة، كانت تمد لنا يد العون، إذا علمت أننا بحاجة ذلك.. خالتي منصورية ليست والدة الرئيس أو السعيد أو ناصر، بل هي أم كل الجزائريين وأم الجميع”. تقدمت أمام السرير الذي كانت تجلس عليه شقيقات الرئيس وبناتهن، كانت شقيقته الكبرى ”لطيفة” ترتدي عباءة وردية اللون، وتضع خمارا أصفرا أما ”زهور” فكانت ترتدي حجابا بنفسجي وخمارا أبيض، كن يبكين دون أن يظهرن دموعهن يسرعن لمسحها حتى يعطين المثل لبناتهن.. ووسطهن كانت إحدى القريبات تجلس مسندة ظهرها إلى الجدار.. ساعات فقط وتصل العائلة من تلمسان، لقد جاءت ”خالتي يمينة” هي شقيقة المرحومة، حسبما دار في وسط الحضور، دخلت عانقت ”لطيفة” وبكت بحرقة دون أن تتركها لدقائق… ”راحت مسكينة الله يرحمها عمرها ما أذات واحد..” ”سوفرات في صغرها وربي خلاها عاشت حتى شافت وليدها رايس”

نسيمة هي إحدى الجارات التي كانت تسكن بالقرب من المرحومة في تلمسان تقول لـ ”النهار”، أنها كانت أمها الثانية ربتها رفقة أبنائها.. كانت طيبة جدا.. المهم أنها كبرت أبناءها ورأت بأم عينها.. تقول: ”لقد اتصل بي خالي صباحا وأخبرني أنها توفيت، لم أصدق لأنها كانت بخير خلال الأيام الأخيرة التي زارتها فيها.. إنه القدر وصلت الساعة .. الحمد لله على كل حال لله ما أعطى ولله ما أخذ… تقاطعها ”حياة” التي كانت تجلس بقربها لتقول ”مسكينة حقروها وربي أنصفها وخلاها عاشت حتى شافت وليدها رايس.. كانت طيبة جدا هي سيدة راقية… حنونة أكثر من اللزوم تسعى دائما لإسعاد الآخرين ومساعدتهم، لقد ماتت عن عمر يناهز 99 سنة.خلال الأيام الأخيرة كانت بخير الى أن سمعنا نبأ وفاتها.. وبين الوشوشات التي سادت الجنازة وككل الجزائريين، تحدثت احدى السيدات عن معاناة ”الحاجة منصورية”.. مذ أن دخلت الى تلك الغرفة كان الحديث يدور حول معاناة السيدة وطيبتها ولكني لم أكن أعرف شيئا عن ذلك .. كنت أتساءل في كل مرة عن سبب قول ”سوفرات مسكينة وربي فرحها”… استرقت السمع قليلا.. تقول السيدة أنها تعرضت كثيرا لـ ”الحقرة” لقد طردت من منزلها قبل أن يصبح ابنها رئيسا، وعندما عادت الى مقر سكناها لم تحاول مطلقا إلحاق الضرر بمن تسببوا لها في جرح عميق بعد أن أخرجوها من منزلها.. بالعكس لقد أصبح من طردها من مقر سكناها وزيرا.. قال لها الرئيس بالحرف الواحد ”كل وقت ووقته ما لازمش الواحد يحقد… بمعنى أنه يجب مسامحة من أخطأ معها وبالطبع كانت السيدة مسامحة كثيرا على الرغم من أنه كان بإمكانها رد الصاع صاعين لمن جردها من مأواها… تقول أخرى انها اشتغلت حتى كبر أبناؤها وربتهم تربية حسنة… ربي يحبها خلاها عاشت حتى شافت وليدها رايس… شابة في العشرينات من العمر كانت هي الأخرى تبكي بحرارة كبيرة، ظننت أنها من قريباتها لكنها كانت مواطنة عادية سمعت بنبأ وفاة والدة الرئيس فأبت إلا أن تحضر لتقديم التعازي… ”أنا أحب الرئيس كثيرا والمني ما حدث لوالدته، أنا فقدت والدتي وأعلم ما معنى ذلك، سمعت بالخبر على أمواج الإذاعة الوطنية، كنت أظن أنهم لم يسمحوا لي بالدخول الى المنزل بعد أن لاحظت الحراسة المشددة على المكان، غير أن الأمور سارت عكسما كنت أتوقع… لقد دخلت وقدمت واجب التعازي.. لم يتعرض لي أي شخص دخلت وكأني واحدة من أهل المنزل.. طبعا أن واحدة منهم فوالدة أي جزائري هي والدة كل الجزائريين.. هي بعض الشهادات لمن عرفوا الفقيدة ولآخرين عرفوها عبر الصحافة وعرفوا تعلقها بابنها الرئيس.. وبكل الجزائريين… هكذا قالت الشابة التي لم تسكت منذ أن دخلت القاعة.. أغلب الحاضرات كن لا تجمعهن علاقة قرابة بالفقيدة واعتبروا الجزائر هي الرابط الأكبر بينهم. ”كنت أظن أن الأمر سيكون صعبا لأنه ليس من السهل الدخول إلى منزل أي مسؤول عادي والحراس لا يمكن أن يسمحوا لأي كان بالدخول، فما بالك بدخول بيت رئيس الجمهورية” شهادات عن الفقيدة الدكتور بن ديمراد عبد الحق من أقارب المرحومة ”الحاجة كانت تحب لقاء الأهل” المرحومة كانت معروفة بحبها لتلمسان وبساطتها، كما كانت تحب أهلها التي لا تتوانى في زيارتهم أو إقامة حفلات على شرفهم خلال إقامتها بتلمسان، وكانت تحب الاجتماع بالأهل وهو ما دفعها إلى إقامة حفلة سنة 1998 دعت إليها أهلها، كما أن المرحومة عرفت بالجهاد، حيث كانت قاعدة خلفية للمجاهدين بالمغرب. كرزابي فاطمة قريبة المرحومة “‘الحاجة من عرش بني غزلي أعرق عروش تلمسان” تؤكد السيدة كرزابي فاطمة قريبة المرحومة؛ أن الحاجة منصورية غزلاوي ولدت بتلمسان، لكن أصلها يعود إلى قبيلة بني غزلي وهو عرش من أعرق عروش تلمسان، لكن عائلتها رحلت قديما إلى تلمسان، واستقرت بأحياء سيدي عثمان وأقادير، حيث مارست الفلاحة. كما تؤكد أن المرحومة كانت تحبها كثيرا وكانت تقيم في تلمسان قبل انتقالها إلى العاصمة بعد خروج ابنها عبد العزيز من وزارة الشؤون الخارجية بعد مجيء الشاذلي بن جديد. وأكدت أن الحاجة منصورية كانت تحب تلمسان كثيرا، لكن ارتباطات أبنائها حال دون قدرتها على زيارة تلمسان كثيرا، في حين أن مرضها حرمها من العودة إلى تلمسان بعد سنة 2003. السيد غزلاوي محمد ابن عم المرحومة ”العائلة مارست الفلاحة أبا عن جد” أكد السيد غزلاوي محمد؛ أن المرحومة ابنة عمه ولدت بالمنزل الذي يقيم فيه حاليا، لكنها لم تتمكن من الإرث، نظرا لأن أباها مات قبل جدها، لكنها ترعرعت في كنف العائلة رفقة أخيها وأخواتها الثلاث، وأن عائلتهم تنحدر من قبيلة بن غزلي وجدهم سيد الشيخ صاحب زاوية بني غزلي الشهيرة، وقد رحلوا نحو منطقة سيدي عثمان، أين اشتروا ملك ”جبل الغار” الواقع ما بين حي أغادير وسيدي عثمان، حيث مارسوا الفلاحة أبا عن جد بالحكمة ومحبة لأهلها، حيث شاركت في الثورة، كان منزلها في وجدة يعد القاعدة الخلفية للمجاهدين بالمغرب، ثم عادت إلى الجزائر واستقرت بمنزلها إلى غاية أواخر السبعينيات، أين رحلت إلى العاصمة، ورغم كونها والدة رئيس الجمهورية لكنها كانت تمتاز ببساطة كبيرة رغم الحصار المفروض عليها، كانت تزور تلمسان وتلتقي بالأحباب قبل مرضها.

رابط دائم : https://nhar.tv/cxy9g
إعــــلانات
إعــــلانات