إعــــلانات

لأن الفرد سيّد محيطه يظل الأمل قائما لتغدو الأحياء نظيفة

لأن الفرد سيّد محيطه يظل الأمل قائما لتغدو الأحياء نظيفة

تحية طيّبة وأزكى سلام لرواد هذا المنبر الكرام، أما بعد..

كانت الطبيعة في بلادنا شبه متحررة، أكثر انجذابا واخضرارا، بل أكثر سكونا في الماضي،  ولو حاولنا أن نقارن تلك الفترة بما هو موجود حاليا، أي مع بداية القرن  21، لعجزنا صراحة وهربت بنا الأرقام والفوارق، وتعددت الأسباب والمسببات، ما الذي حدث يا ترى؟، ما الذي انضاف وما الذي نقص؟ والإجابة تبدو واضحة وجلية، منها النمو الديمغرافي الرهيب والضغط الذي مورس على المدن الكبرى جراء النزوح الريفي الذي جلب معه الذهنيات.

وبالتالي، حدث اصطدام وتناطح حضاري، نتج عنه أن الحياة المدنية شُحذت وتراجع مفعولها، وبالمقابل استقوت حياة الأرياف والقرى، ومنه لم نعد نشاهد عددا من البغال والعنز تعبر الشوارع الرئيسية، ولا صورة لشبه حظيرة مصغّرة داخل مؤسسة تعليمية أو شرفة عمارة، واضعين في عين الاعتبار أنه قدر للإنسان أن يتكاثر بشكل لا محدود، وكذلك الحيوان يسير على نفس النهج. ويبدو هذا فقط أحد الأسباب التي جعلت الحيوان شريكا أساسيا في العيش داخل المدن، ومن بين الأسباب الأخرى، التوسع العمراني الذي جعل باقي المداخل والمخارج للمدن عبارة عن ورشات عمل يومية.

وصارت لغة البناء والتعمير لغة حيّة وحضارة مفتوحة على جميع الاحتمالات، لذلك لا عجب أن تصبح بقايا هذه الورشات عبارة عن مكدسات من الأطنان التي لم تجد عندنا من يتصرف بشأنها ويزيحها عن المظهر العام، بل أصبحت تنتج عددا من الأمراض خاصة التنفسية والجسمانية.

وأذكر أنني زرت مرة إحدى الولايات الوسطى، وعلى الرغم من التقدم الصناعي الذي حازته وعدد الشركات الأجنبية التي جلبت نوعا ما من العصرنة، إلا أنها لم تستطع التخلص من نمط حياتها البدوية، فعدد العمارات بالآلاف وبهندسة محكمة وسيراميكية، إلا أنه بعد مرور سنة، تشوهت جدرانها وامتلأت جوانحها بالقمامة المكدسة، وبدت وكأنه مضى عليها قرن على بنائها، والتمست أن جل من سكن هذه العمارات أكيد غير مؤهّل حضاريا، فالذهنية لا زالت مشبعة بطرائق العيش الخاصة بالأرياف والبراري والسهول.

وبالاختصار المفيد، سيبقى الإنسان سيّد محيطه، سواء كان مواطنا عاديا أو رئيس جمعية أو موظفا أو مسؤولا، والعامل الآخر هو حجم السياسة أو قل المشاريع بعيدة المدى التي تسطرها المجالس المحلية، وكيفية تعاملها مع مشاكل القمامة، هل هي أساليب أكثر دقة وإحكاما، أم أنها مصابة بثقافة اللامبالاة والتغاضي؟، وأن التقدم في أشبه المؤسسات أو المصانع ليس عيبا، بل عدم إيجاد صيغ ما وأساليب التعامل معها هو العيب، خاصة إذ كانت تفرز كثيرا من القمامة اليومية.

مرة شاهدت أحد المستثمرين في إحدى المدن الهولندلية وهو يستثمر في المزابل، أي أنه أسس مصنعا لتحويل المواد المقتنياة منها كي يحوّلها إلى مواد أخرى تُستعمل في الحياة العامة، كالبلاستك والفولاذ والكرتون والزجاج، وطبعا هذا موضوع آخر، لكنه يعدّ من اللواحق التي هي حلول وقائية، الهدف منها الحفاظ على البيئة والمحيط، وتطهيرهما من المخاطر المحدقة. فقط السؤال الأكثر إلحاحا هو: هل هناك أمل لا يزال قائما من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه  حول أهم مشاكل العصر التي تتخبط فيها مدننا، أم أن الأمور سوف تزداد تأزما وبشاعة، وبالتالي فلا مناص من البكاء على الظروف أو عدم الجدوى؟

رابط دائم : https://nhar.tv/iiv2r
إعــــلانات
إعــــلانات