إعــــلانات

لـماذا العرب يحلمون بالدور الثاني فقط في كأس العالم؟

لـماذا العرب يحلمون بالدور الثاني فقط في كأس العالم؟

هل كل ما يجول ويصول في يوميات كأس العالم يعدّ بمثابة المعيار الحقيقي لاكتشاف حقيقة الشعوب والأقاليم؟ وهل من خلال متابعة كل صغيرة وكبيرة فيه، نستطيع أن نستشف ونستخلص كثيرا من الأمور التي كانت فيما مضى غائبة على الأذهان.

سواء تعلق الأمر بالنواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى السياسية والسلوكية؟.. يتفق معي الجميع أن الأمر كذلك، بدليل أن الإعلام يهتز والشعوب تهتز، وكذلك الدوائر والمصالح جراء أي طائلة تستحق الإشارة أو التنويه، لقد أبانت وتركت خسارة السعودية مثلا أمام روسيا الكثير من الجروح الغائرة في الذات العربية.

وعرف كل مواطن أن المال المهدور مهما بلغت أرقامه لن يعبّد سبل النجاح أو يقدم مردودا أفضل، ولو مع أضعف الخصوم، فهناك كيفيات أخرى كان بمكان التركيز عليها وتشجيعها، بدلا من إغداق الأموال التي تلمّع الأشياء، لكنها خاوية من الداخل وجوفاء، ثم تلتها الهزائم العربية الأخرى، لتتأكد الشعوب بأن حجمها الحقيقي لا يزال في تعداد الأمم التي ما تزال في حاجة إلى تحكيم وتخطيط صارمين، وأن مصطلح «نحن في تحسن مستمر» عالق في الأذهان فقط، يتطلعون إلى غاية واحدة وهي التواجد في الدور الثاني.

وبعدها يحدث الذي حدث!، يليه بعد ذلك قمة التفاخر على أساس أنه إنجاز تاريخي، بل هناك من يعتبر المشاركة في كأس العالم وحدها هي قمة الإنجاز، وأنه من بين أقوى 32 منتخبا مشاركا.

وقد حدث هذا معنا نحن كدولة جزائرية تطل على المتوسط، يوم اعتقدنا بأن كرة القدم كشفت لنا حجمنا الحقيقي كمؤثرين وفاعلين في العالم، ولكن سرعان ما تهاوت هذه التقديرات الخاطئة لنعود إلى جحورنا ونحاسب أنفسنا وننتبه لها  أنها مجرد أضغاث أحلام مؤقتة ليس إلا، وبعد نهاية هذا العرس تعود الأمور نحو أسوإحالاتها، بل يمنّي الجميع النفس بأن يرى دولته تشارك على التوالي؛ لأن كرة القدم والتي وُصفت بـ«أفيون الشعوب»، صارت بمثابة «الميكروسكوب الحديث».

وبدقته المتناهية يستطيع أن يكتشف أدق الأشياء، وما عليك إلا أن تركب هذا الهودج طيلة شهر، فتتراءى لك الملامح العامة، كي تقيّم هذا البلد أو ذاك، ملتمسا حجم ومسافات التقدم الحضاري في شتى مجالات الحياة، بينما دول أوروبا وأمريكا اللاتينية فتدخل هذا العرس بكل ثقة في النفس وتلاحظ عليها تلك الرزانة والقوة، التي تعكس بأن كرة القدم ما هي إلا ساحة أو قل حلبة القيمة الكبرى، فيها للأفكار والإبداعات وليس للحظوظ والأحلام السابقة لأوانها، واضعين في الحسبان أن للحظ في كثير من المرات دور بارز.

ولكننا هنا نتحدث عن الثبات والاستقرار وأن ألمانيا 2010 هي ألمانيا 2108 وكذلك البرازيل والأرجنتين وإسبانيا وبلجيكا، بينما نحن الشعوب العربية والآسيوية، فندخل في كل طبعة بجيل جديد، نقتحم به الميدان لنجرّبه ونترك له الفرصة ثم نعيد الكرّة ضمن الطبعة القادمة وهكذا دواليك، حتى صحت علينا مصطلحات الدول التجريبية والسائرة في طريق النمو، سواء مع المدربين أو اللاعبين.

لهذا وذاك، فإن عوامل كبرى ومهمة لا زالنا نفتقدها، أولها الاستقرار على مختلف الأصعدة. هذا على الرغم من أننا نملك كل المقومات من الثروات الطبيعية والبترولية إلى الأموال الطائلة، لكننا للأسف الشديد نفتقر إلى السياسات بعيدة المدى والتي جوهرها التكوين والتأهيل والتنظيم.

وهذا طبعا مرتبط بالأنظمة السياسية التي ظلّت تحكم وتتحكم في مصائر هذه الشعوب، مرات باسم أنظمة ملكية وأخرى من نظم عسكرية وعائلية عروشية وباسم «فديراليات» تسيّر الأمور بمنطق جهوي وبدائي متعصب، لذلك تظل تتجرّع الإخفاقات تلو الأخرى ما لم تُسلّم المشاعل للطاقات الخلاقة والأفكار النيّرة ونؤمن إيمانا قطعيا بثقافة التداول على الحكم والمسؤوليات في شتى مناحي الحياة والمصالح.

فحال كرة القدم إذا أشبه بالمرآة التي تعكس الأوجه الحقيقية لأصحابها، فلا مناص من الكذب على الجميع واستعمال المساحيق التي عمر مفعولها يتحدّد بنسبة زمنية معيّنة، وسرعان ما ينكشف زيفها.. لا لشيء سوى لأنها اعتمدت وأهّلت الأشكال والمظاهر الخداعة على الألباب والجواهر.

رابط دائم : https://nhar.tv/aj8az
إعــــلانات
إعــــلانات