إعــــلانات

لن يموت الرسول الكريم في قلوبنا

لن يموت الرسول الكريم في قلوبنا

المولد النبوي الشريف فرحتنا الأبدية          

المجتمع الجزائري عبر كامل مراحله التاريخية، خاصة في آخر حملة استعمارية نوعية، عانى الكثير من الويلات المعنوية إن صحّ التعبير، والمقصود أنه ظلّ يراوح نفسه داخل دائرة مغلقة بسبب الإرث الكبير الذي جناه من سياسات هذا الاستهجان المُوجه والمتعمّد في كثير من «بروتوكولاته».

لذلك، فقد عاش قطيعة كبرى ذات أمد بعيد جاوز القرن مع كل ما يربطه بالقيّم العربية الإسلامية، بسبب عنجهية «الكولونيالية» الغاشمة، ورغم ذلك، فقد كان لكثير من الرجال الشرفاء والفضلاء، أن أبقوا نافذة الأمل التي من حق أيّ عاقل أن يرى من خلالها عدة جوانب ويتبصر لمعرفة حقيقة نفسه والحقائق المحاطة به داخليا وخارجيا.

ونظرا لبعد علاقة هذا المجتمع بعلمائه وعقول وطنه الفذّة، فقد ظلّت عدة مسائل محل شك وتأهب، نظير نقص حتى لا نقول ندرة قنوات الاتصال بينه وبينها طيلة خمسين سنة وأزيد  إلى الوراء، أفلحت فيها وصالت وجالت مسائل شائكة تتعلق بالشأنين الفكري والاجتماعي المعيشي، أهمها تلك المتعلقة بين التحريم والإجازة.

ومنها قضية المولد النبوي الشريف التي كثرت حولها التدخلات، آخرها ما جاء به أحدهم حين حرّم الاحتفال بالمولد على الطريقة الجزائرية، في زمن رجح فيه بأنها صارت عبادة زيادة عن مظاهر الاحتفال، أي أن لبّ الموضوع في الطريقة والكيفية، يوم يُكثِر بعض المراهقين من عملية إبراز المفرقعات بل استعمالها كأداة لهوٍ وإشعالها ليل نهار أمام مرأى الجميع، بسبب أنها تُحدث إزعاجا منقطع النظير لدى شرائح كبيرة من المجتمع، معطيا مثالا حيّا عن إحدى الحوامل التي توفيت بسبب هذه «المهزلة».

لكن صاحب هذا الرأي لم يوضّح لنا كيف تكون مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى التي توارثها الجميع وأضحت من التقاليد المتجذّرة، أي ما هي نوعيتها الأنجع والأصح في نظر الشريعة، فقد قال فقط: «لا بأس إذا اقتصر الأمر على تدارس السيرة وتذكر خصال خير الأنام بعيدا عن الأطعمة والمفرقعات».

والجدير بالذكر، أن ظاهرة المفرقعات لم تكن مقتصرة في يوم من الأيام داخل المجتمع الجزائري على المولد النبوي فقط، فهي موجودة في الملاعب والاحتفالات الآنية، كانتصارات المنتخب الوطني وأعراس الزفاف والفوز بالانتخابات.

وباختصار، المفرقعات لها شق آخر من الوصف والتحليل، فهي تتعلق بأن المجتمع الجزائري لا يريد أن يصبح كما أريد له، أي أن يلزم المواطنون البيوت أمسية الاحتفال ويباشروا الذِكر مع أفرادها، لأن معظم الأسر تعيش تفككا واضحا للعيان والتقارير والمحاكم تثبت ذلك.

ولا يمكن أن تجد أسرا متماسكة وتأكل على مائدة واحدة في جميع المواعيد، إلا من رحم ربك، بحكم أن الحياة تطورت وهمومها توسّعت، ونحن في القرن الواحد والعشرين، وعصر النزاعات الفردانية القحّة والحلقات الدينية التي يرغب الفرد الجزائري معايشتها في المساجد حُبا وإجلالا، والتفكك الأسري هو فقط أحد الأسباب غير المباشرة والفاعلة في ترجيح المعادلة.

ناهيك عن أن المجتمع لا يزال يحفظ ماء الوجه في كثير من قيّمه، ولا يمكن البتة مقارنة بعض الظواهر الدخيلة وقياسها على أنها تعبّر عن غالبية الشعب، فقط هي تعني فئات عمرية أو مناطق ما، فبعض الأسر تحيط نفسها بأبنائها وتلقنهم بعض الأدعية المعروفة والأناشيد.

وأن ظاهرة الاحتفال بالمولد قيل بشأنها الكثير، فهناك من يرى أنه لا حرج في ذلك، وأنها تزيد ارتباط المسلم برسوله الأكرم وسيرته وخصاله الحميدة، وأن وجود بعض الحلويات والشموع تعبير صادق عن جهد المحتفل على أنه يوفر مستلزمات وتكاليف من دخله اليومي من أجل استحضار هذا الحدث العظيم في ثقافته الدينية وتقديسه للرسالة المحمدية، ولا يمكن أن يرى أحد من المجتمع على مقاسه، وهو المجتمع المتديّن المثالي الذي يؤمن بالتذاكر والمواعظ، لأنه حتى في الدول الأكثر تديّنا.

تجد اختلافات وتوجهات وتضارب في كيفية الاحتفال، أما نحن، فلا توجد صراحة نصوص صريحة تبيّن وبوضوح أحقية إحياء هذا اليوم من عدمه، وكذلك الأسباب والحجج الدالة على الوجود وأخرى للمنع، فقط هناك اجتهادات من بعض العلماء تقابلها اجتهادات أخرى تتضارب فيما بينها.

فالمتشددون السلفيون يعتبرونه إحدى البدع، لأنه ولا أحد في التاريخ الإسلامي قام بذلك، ودليلهم هو سيرة الصحابة والخلفاء، من دون إعطاء الصفة الدامغة للتحريم بين السنة والقرآن، أما الفريق الثاني القائل بوجوبه وعدم الضرر في ذلك، فهو يحدد الأسس المعيّنة للاحتفال، خاصة في عدم تقليد الطرائق الغربية والأوروبية في ذلك، أي أنه لا نتشبه بالأوروبيين في فرحنا وإحياء مقدساتنا، وقد يستعمل البعض المفرقعات والتارتات.

فيجب الفهم أنه حدث فرح كباقي الأفراح، بل وجب بالوجوب الإجماع على طقوس الذكر والترتيل القرآني لا غير، أما الفريق الثالث، فهو الفريق الوسطي، والذي يرى طبعا أنه لا حرج في التعبير عن الفرح وفق التقاليد العادية باستعمال مأكولات شعبية، ولا يمكن تحديد أي نوع من الأطباق، فهي جائزة مهما كان لونها ونوعها، وطبعا بشرط إبعاد المحرمات، كالكحوليات.

وفي هذا الشأن، الجائز أننا لا نريد أن نقول أبعدوا عنا خلافاتكم الفقهية، فالمجتمع الجزائري لا يزال هشّا خفيفا خفة الريشة في مهب الريح، وأنه ليس معنيا قط بالاحتكام إلى الثقافة الكاملة في الدين والأصول، بل هو مجتمع وسطي، يمكن محاسبته إلا بقدر معرفته وعلمه بالأشياء والمفاهيم والتآويل.

وفي ذلك آيات بيّنات أنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وأن النخبة ومعشر العلماء من المفروض، حتى لا نقول من الممكن، أن يعملوا على تأسيس ثقافة الترجيح والقياس وليس العقاب الجماعي.

رابط دائم : https://nhar.tv/qgyoD
إعــــلانات
إعــــلانات