إعــــلانات

ما أسهل تسديد فواتير التعبئة وما أصعب العقاب يوم اللقاء

ما أسهل تسديد فواتير التعبئة وما أصعب العقاب يوم اللقاء

لمن يؤذي الناس عبر «الفايسبوك» وغيره

عانت المجتمعات العربية، حتى لا نقول مجتمعات العالم الثالث، منذ فترة، من الانفتاح الرهيب الذي ترك أثره البليغ في النفوس والأفئدة وحتى العقول، جراء بزوغ ما يسمى بـ«العالم الافتراضي»، ففي الوقت الذي قرّب المسافات واختصر الكثير من عوائق الاتصال وكشف حتى خبايا النفوس، فقد فتح المجال أو الأبواب لكل من هبّ ودبّ، غير تارك لأصحاب الاختصاص من تخصص يُحترم أو يُبجل، فلم تعد هناك فئة تسمى «الإعلاميين» ولا أخرى تُنعت بـالمصورين ولا بالكتّاب أو الفنانين  ولا حتى بالمشهرين من أصحاب الوكالات المعتمدة.

وجراء كل هذا، ماتت المواهب الفذّة والعبقريات، وصارت مسالك وسبل النصب والاحتيال والتزوير وتقمص الشخصيات أسهل الطرق مرورا وعبورا، ونتيجة كل هذا، عمّت الفوضى وعششت الرداءة بكل ألوانها وأشكالها، نتيجة عدم احترام التخصص، كما أشرنا، وكذلك عدم احترام الأجيال لبعضها البعض، فصار هناك قفز مفضوح وحرق للمراحل. والأبغض من كل هذا، أن «العالم الأزرق» أضحى بين عشية وضحاها منبرا خصبا وواسعا للتنابز والقدح العشوائي، بحجة أنه يبيح لك التخفي والتعبير من وراء «حجاب»، أي استغلال تقنية الأسماء المستعارة، والتحدث بكل حرية.

وكأنه يراد بالقول إنه صار كالإسفنجة التي تمتص إفرازات النفوس الأمّارة بالسوء، حتى لا نقول النفوس الشريرة والتي تجد في هذا العالم مبتغاها المأمول، حيث هو ساحة للإفراغ و«التقيؤ الآلي» لكل ما تتركب منه بواطن النفوس من عقد وصدمات، وهذا يتيح لعلماء النفس الفرصة السانحة كي يختبروها ويحللوها بدقة متناهية، بل يقصّر لهم المسافات ويختصرها من أجل إيجاد وصفة دقيقة لهموم الإنسان المعاصر، وأكيد أن كل هذا يدخل ضمن اعتباره وسيلة سيئة لم تجلب معها إلا الوبال.

وفي المقابل، هناك من يرى بأنها وفيرة المنافع ويعددها لك أمام عينيك، حين يبيّن لك الكثير من الأمور، كنت أنت تبذل من أجل الوصول إليها الجهود تلو الأخرى، لأن الاتصال هو أهم وسيلة للتقدم البشري، وبفضله ذهبت الأمم في الضفة الأخرى بعيدا عنا بسنوات ضوئية، لكن أي بشرية يقصد بها، وكأنه جدير بنا القول إن «الفايسبوك» يصلح لمجتمعات من دون أخرى، وأن مخترعه بنى فكرته على طبيعة المجتمعات الأوروبية وشبه الأمريكية المتحضّرة، وليس من أجل جمال عيوننا نحن ممن نُحسب.

ولا زال على المجتمعات الأقل انفتاحا على بعض، والتي لا زال يحميها منطق القبيلة والعشيرة وهي غير المؤهلة لأن تكون جاهزة للنقد والشفافية، بل تتعمد التخفي والتستر، وتحب دوما العيش تحت جنح الظلام.

لقد كان بمكان أن يكون «الفايسبوك» وسيلة عصرية متقدمة جدا بين أيدي النخب ليس إلا، وليس في صالح العموم، ومنهم الدهماء والمفسدون وأصحاب النفوس المريضة الموجودون في كل عصر وفي كل زمان ومكان، فيتخذون هذه الوسيلة المجانية والمتوفرة بسهولة ليتمركزوا ويمتهنوا مهامهم الأكثر من قذرة،  وهم داخل بيوتهم لا جهد لهم إلا أن يسددوا فواتير الاشتراك والتعبئة.

لقد ترك الأجيال من مختلف الأعمار تتعارك وتتصادم فيما بينها، وهذا ما جعل الأزمة الأخلاقية تزداد حدة، وفي المقابل تتصاعد التفاهات المراهقة وتصبح لها قرونا حادة تنطح بها من تشاء ووقت ما تشاء.

وقد بيّنت التجارب بأن الوسائل التكنولوجية المتطورة إذا وقعت بين أيادٍ غير آمنة، أو بالأحرى تجهل استخدامها حوّلتها من قيمة فكرية حضارية إلى وسيلة هدم وتخريب، وأهم نقطة أنه فعلا يظل سلاحا ذا حدين، ولكن يا حبذا أن يفكر صاحب هذه المؤسسة في استحداث تقنية جديدة لا تسمح لمن هبّ ودبّ أن يشترك في هذا العالم، بل تُفرض شروط معينة تتعلق بالسن والمؤهلات الفكرية والعلمية.

رابط دائم : https://nhar.tv/5u7Z5
إعــــلانات
إعــــلانات