إعــــلانات

هل ستذهب الجزائر إلى العفو الشامل؟

هل ستذهب الجزائر إلى العفو الشامل؟

تنقضي اليوم الجمعة، 12 عاما عن استفتاء السلم والمصالحة الوطنية الذي زكّاه الجزائريون بالغالبية الساحقة في 29 سبتمبر 2005.

نجحت خطة المصالحة في استيعاب نحو ثلاثمائة مسلح والعفو عن 2200 من مساجين “الإرهاب”.

ويتساءل مراقبون عما إذا كانت الجزائر ستشهد في القادم ترسيم مشروع “العفو الشامل”، كآخر وصفة لمداواة جراح الفتنة الوطنية.

وبالأرقام، استفاد أزيد من 9 آلاف شخص من تدابير المصالحة، بينما شهد الـ 12 سنة الأخيرة تحييد نحو ألفي مسلح.
وتمّ استرجاع 15 ألف قطعة سلاح، وتعويض عائلات 11 ألف مسلح لقوا حتفهم قبل 2006، وجرى إحصاء 7125 عائلة مفقود.
وشملت التعويضات 90 % من عائلات المفقودين، كما جرى الحسم في 40 ألف ملف لضحايا المأساة الوطنية.

وتمّ إقرار إجراءات تكميلية، مسّت مغتصبات الإرهاب اللائي تشر إحصائيات غير رسمية إلى بلوغ عددهنّ 18 ألف امرأة.

وكلّل حراك الـ 22 سنة الأخيرة (قانون الرحمة + قانون الوئام المدني + ميثاق السلم)، بتوبة ما يربو عن 15 ألف مسلح، بالتزامن مع تحييد 22 ألفا، وتفكيك 182 شبكة من مجموعات الدعم والإسناد.

إدماج مولودي الجبال

مكّن حراك ميثاق السلم من إدماج الأطفال المولودين بالجبال وعددهم يربو عن الخمسمائة طفل، وبعض هؤلاء نزلوا بصحبة آبائهم التائبين.
لكن يبقى “أطفال الجبال” بحاجة إلى نصوص تشريعية تثبت نسبهم وتضمن حقوقهم كاملة.
ويطالب متابعون للملف، بمعالجة بعض “الاختلالات” عبر التكفل بمن يُطلق عليهم “منسيو المصالحة الوطنية”، على غرار “معتقلو الصحراء”.

ويتعلق الأم بأشخاص يزيد عددهم عن 15 ألفا قضوا سنوات في محتشدات الصحراء وتمّ إطلاق سراحهم من دون أي محاكمات.
وجرى متابعة هؤلاء بتهمة الانتماء ومناصرة “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المحظورة، ولم يتم إقرار أي تدابير لصالحهم.
ويرافع مراقبون لتعويض المتضررين من أعمال لها صلة بالمأساة الوطنية.
وتخصّ المسألة فئة غير قليلة من الجزائريين الذين تضررت مساكنهم ومصانعهم ومركباتهم ولم يستفيدوا من أي تعويضات.
وتخوّل المادتان 47 و48 من ميثاق السلم، للرئيس حق اتخاذ تدابير مناسبة، والأمر يرجع إليه في اتخاذ القرار المناسب.

طيف العفو

يبدي المحامون مصطفى فاروق قسنطيني، فاطمة الزهراء بن براهم وبوجمعة غشير، ثقة بإمكانية تجسيد مسعى العفو الشامل في القادم.
ويبقى القرار سياسيا، ومن صلاحيات القاضي الأول في البلاد الذي بوسعه تنظيم ثالث استشارة شعبية منذ وصوله الرئاسة.
وإن تجسّدت باكورة العفو، فسيكون الأخير رابع مشروع لإنهاء إفرازات الأزمة الدموية.

وصدر قانون الرحمة في عهد الرئيس السابق “اليمين زروال” العام 1995.
ودشّن بوتفليقة وصوله إلى سدة الحكم سنة 1999، بتمرير قانون الوئام المدني، وأخيرا ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

ولفت قسنطيني إلى أنّ كل البلدان التي عاشت أزمات، قامت بطي الصفحة عبر عفو شامل.
وكان الرئيس بوتفليقة أشار إلى مسعى العفو الشامل خلال مناسبات عديدة، وربط الذهاب إلى عفو بنزول آخر مسلح من الجبال.

ولوّح بوتفليقة بالعفو الشامل في خطابه الشهير بمناسبة إحياء الذكرى الـ60 لاندلاع ثورة نوفمبر (28 أكتوبر 2004).
ولا يزال العفو محلّ مساجلات خافتة بين جمهور السياسيين والحقوقيين.

أسئلة الشوط القادم

لا تزال ملامح مشروع العفو الشامل غير واضحة، ويُجهل عما إذا كان سيجري توسيعه ليشمل الصفح عن المعارضين؟
كما تطرح استفهامات عما إذا كان العفو سينحصر في إجراءات خاصة عما تبقى من غلاة التمرد؟

وقال الرئيس بوضوح قبيل انتخابات التاسع أفريل 2009:
“في حالة تزكية الشعب الجزائري لي، فإنّ فترتي الرئاسية المقبلة ستكون مقترنة بعودة السلم النهائي في البلاد”.
ولم يخف بوتفليقة أمنيته آنذاك، في “أن يَحضُر العفو الشامل”، ويقحم فيه عموم الجزائريين بصرف النظر عن مناهلهم ومشاربهم السياسية.
لكنّه نفى حينذاك تجسيد هذا العفو، قبل نزول آخر مسلح من الجبال.
وصرّح بوتفليقة في خطاب له منتصف شهر أوت 2008:

“استكمال المصالحة سيرسخ صورة بلد متصالح مع ذاته، قوي بأصالة قيمه العريقة ومتفتح على محيطه الجهوي والقاري والدولي”.
وكان الرئيس برّر في 25 أوت 2005، ما تضمنه ميثاق السلم بكونه “أقصى ما أتاحته التوازنات الكبرى داخل أجهزة الدولة”.
ويبرز تساؤل مُلّح عما إذا كانت “التوازنات” ستسمح بتسويق توليفة جديدة تكرّس مصالحة حقيقية مطوّرة؟
ويسود اعتقاد أنّ تفعيل العفو الشامل  سيتجاوز بعض نقائص ميثاق السلم، ويزيل الأعطال الناجمة عن “بيروقراطية الإدارة”.

ويرى قطاع غالب أنّ الانتصار لأنموذج “العفو الشامل” سيمثّل خطوة حساسة تنهي تداعيات سنوات التطاحن والعنف الدموي.

نداءات التائبين

دأب عدة تائبين على إطلاق نداءات لإيقاف العنف المسلح واستسلام بقايا الإرهاب.
ويتزعم هؤلاء حسن حطاب المكنّى (أبو حمزة) مؤسس ما كان يسمى “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” (الجسدق).
ومنذ استسلامه في 22 سبتمبر 2007، واظب حطاب على توجيه رسائل لتغليب المصلحة العليا للجزائر.
وارتفع عدد المسلحين المستسلمين بين جانفي 2016 وسبتمبر 2017 إلى 77.
وتردّدت أنباء في المدة الأخيرة عن رغبة العشرات من المسلحين، تطليق العنف.

واستشرى التذمر واليأس بين صفوف أتباع الدموي “عبد المالك دروكدال”.
ويقول كثيرون ممن أشهروا خروجهم عن الإرهاب، أنهم “انخدعوا ” وقرروا وضع سلاحهم، بعيدا عن “مخطط تكفيري”.
وصرّح هؤلاء أنّ هذا المخطط يقوده (خوارج يمارسون تقتيلا منظما ضدّ الجزائريين تحت زعم الجهاد).
وهذا المعنى أبرزه “أبو الوليد البليدي” القيادي السابق فيما كان يسمى بـ (القاعدة).
وفي غياب بيانات حديثة، يُجهل عدد المسلحين الذين لا زالوا ينشطون في الجزائر.
وقدّرت السلطات أعداد المسلحين قبل سنوات بما بين أربعمئة وستمئة مقاتل.

لكن الضربات الموجعة التي تلقتها المجموعات المسلحة أدت إلى تناقص أعداد هؤلاء بشكل ملحوظ.
وأتى ذلك رغم ما يتردد عن تمكن القاعدة من التغرير بعشرات المجندين الجدد واستنجادها بعدد غير معروف من المقاتلين الأجانب.
ويُطلق على اللفيف الأجنبي “عناصر جهادية” من دول الساحل كمالي والنيجر والتشاد.

رابط دائم : https://nhar.tv/cPx9i
إعــــلانات
إعــــلانات