إعــــلانات

يضربني والدي أمام أبنائي.. رغم أنّي تجاوزت الأربعين ولست عاصيا

يضربني والدي أمام أبنائي.. رغم أنّي تجاوزت الأربعين ولست عاصيا

تحية طيبة وبعد:

 أجد في إجاباتك على رسائل القراء دفئا كبيرا وراحة، وأحسب أن لدى حضرتك حكمة كبيرة ربما تساعدني في مشكلتي، أنا قارئ وفي لجريدة “النهار”، جامعي متزوج وأب لثلاثة أطفال، مشكلتي أنّ والدي مصر على تصغيري كلما كبرت أو صار لي شأن في الحياة، منذ صغري وهو يقسو علي، فلا يمضي يوم دون ضرب لسبب ودون سبب، وكثيرا ما كان يضرب الوالدة لأتفه الأسباب، وهو الآن يفعل نفس الشيء معي، رغم أني تجاوزت الأربعين!

رغم بلوغي هذا السّن، فإنّه يحاول في بعض الأحيان أن يفرض رأيه ليستخف برأيي أو يبخس الأشياء التي كنت ومازلت أحضرها بين الحين والآخر.

يحاول أن يُظهر للناس أنّي عالة عليه، رغم أنّي أسست أسرتي دون حاجة لمساعدته، ورغم أنني في مستوى علمي عال وعملي يدر علي دخلا جيدا، فإنّه لا يقدر شيئا من ذلك.

 الكلام بيننا قليل، حاولت أن أغيره بمعونة إخوتي، لكنه سرعان ما يعود إلى طباعه الشّرسة، لقد أثر بي قولك يا سيدة نور في إحدى إجاباتك: إن العادات والطبائع لا تتغير إلاّ بمعجزة ربانية، أو إرادة حديدية، للأسف الشّديد والدي ليس لديه إرادة حديدية ولن تحدث معه أية معجزة، قليل من الناس يدرك معاناتي، لأنّ والدي يظهر أمامهم بمظهر الرجل الطيب الضّحوك صاحب الدّعابة، لكنه معنا قاس شديد فظ، وحتى لا أكون ظالما له أعرف أنّ في داخله إنسان طيب وعطوف وسريع الرضا، لكّنه يصبح إنسانا آخر في معظم الأحيان، أدرك أن احترام الأب وعدم الإساءة إليه واجب شرعي، لكن والدي يبتزني بهذا الواجب كلما حاولت إثبات شخصيتي ورأيي وحضوري، سيدتي الكريمة، كيف أستطيع الدّفاع عن شخصيتي أمام والدي المتسلّط، دون أن أؤذيه أو أغضب ربي؟ ساعديني ساعدك الله.

شكيب/ تلمسان

الرد:

سيدي أرجو أن أكون دوما عند حسن ظنك وحسن ظن الجميع، في الحقيقة يبدو من رسالتك أنّك شاب خلوق مهذّب ومثقّف أيضا، تعرف حدود دينك وتعرف مكانة الأب، فمهما كانت قسوته أو جبروته ومهما بلغت تجاوزاته، إن أجمل ما في رسالتك أنّك لم تخرج عن حدود الأدب مع والدك، فرغم قسوته الشّديدة والتي قد تكون غير مبرّرة - على الأقل الآن، بعد أن صارت لك حياتك الخاصّة المستقلة عنه تماما، إلاّ أنّك تعامله كما ينبغي من ابن محترم لأب.

هناك الكثير من الآباء رسخ في اعتقادهم، أن القسوة تصنع الرجال، قد يكون والدك من هؤلاء الرجال، ولعل هذا هو المبدأ الذي يسير عليه ويتخذه لحياته منهاجا، وإن كان أخطأ قديما مرة فهو يخطئ الآن ألف مرة، حين يعاملك على أنك لازلت الطّفل الصّغير الذي يحتاج إلى أب ينهره.

على أي حال لا تظلم والدك ولا تظلم نفسك بأن تتحامل عليه، فأنت تعترف أن والدك رغم قسوته يحمل قلبا طيبا عطوفا، استثمر هذه النقطة لصالحك وصالحه وعززها فيه وزكاها ولا مانع أن تقوم ببعض سلوكياته ولكن بشكل غير مباشر، إنما أفعل ذلك بطريقة مستترة، فعامله بحب وود وأغدق عليه من عطفك وحنانك وامدح فيه طيبته وخفة ظله ورقة قلبه وغير ذلك من صفات قد لا تكون موجودة لديه، لكن بامتداحك له سيعمل جاهدا على أن تتطابق تصرفاته مع كلامك، وإياك أن تقسو عليه أو تسيء إليه، لأنّ هذا التّصرف بالإضافة إلى أنّه عقوق فقد يجعله يزداد حدّة وقسوة، وهو مالا ترجوه أنت ولا تريده، إذن أرفق به وأعنه على أمره، لأنّني أتصور أنّه يفعل ذلك من منطلق الحب الشديد والحرص الأبوي عليك، فمهما كبرت، تظل في نظره الابن الصغير الذي يحتاج للرعاية، فلا مانع أن تتعامل معه بصدر رحب وتتقبّل نقده لك وتصبر عليه صبرا جميلا، وإذا كنت ناجحا في حياتك، فلا شك أنّك تقابل سخافات كثيرة من الكثيرين، ومع ذلك تتحمّل وتصبر أليس الأولى بالصبر والإحتمال هو والدك، ولا مانع من أن تلفت نظره باللين، إلى أن يغير طريقته في التعامل معك، لأنك كبرت بما يكفي.

سيدي، أعن والدك على نفسه واحتمل قسوته، واصبر عليه، طاعة لله أولا وحبا لوالدك ثانيا، فهكذا أمرنا رب العزة سبحانه وتعالى، فسر على منهاجه وتأدب بآدابه، وثق أنّ بعد الضّيق الفرج والصّبر على ما تكره جزاؤه عظيم، واصبر لأن المسألة تحتاج إلى وقت وجهد، ولا تنسى الدعاء لوالدك، عسى الله أن يبدل حاله إنّه ولي ذلك و القادر عليه.

ردت نور.

رابط دائم : https://nhar.tv/I0eUS