إعــــلانات

يوميات سجناء سركاجي: العفو الرئاسي، العهدة الثالثة، والحرقة

يوميات سجناء سركاجي: العفو الرئاسي، العهدة الثالثة، والحرقة

العفو، العهدة الثالثة، الحراقة، الأرهاب والتكفير، والرياضة، هي الأحاديث الأكثر تداولا بين نزلاء زنزانات مؤسسة إعادة التربية لباب جديد،

أو ما يعرف بسجن سركاجي، السجن الذي يعود جزء من بنائه إلى العهد العثماني والجزء الآخر إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية، حيث وقفنا على يوميات السجناء وظروف “اقامتهم” وتبادلنا مع بعضهم أطراف الحديث، كعينات من مجموع 1500 سجين،  كما تلقينا معلومات شاملة عن أهم الإصلاحات التي عرفتها المؤسسة الخاصة بالسجناء الرجال بموجب قانون تنظيم السجون الصادر سنة 2005، من قبل المدير محمد برجي، وخاصة حول مساعي الإدارة الى تمكين كل سجين من فرص التكوين والتعليم التي يكون قد فوتها من قبل .

لجنة تطبيق العقوبات تمكن 3 مساجين من إجراءات الإفراج المشروط
في قاعات التكوين التي كانت وجهتنا الأولى، وجدنا طابورا من المساجين أما قاعة  خصصتها المؤسسة لدراسة ملفات المساجين المنتظر استفادتهم من الإفراج المشروط، حيث تزامنت زيارتنا مع اجتماع سري للجنة تطبيق العقوبات للنظر في ملفات الإفراج المشروط للمساجين، وهي الهيئة التي قبلت ملفات 3 مساجين ينتظر فصل النائب العام فيها قريبا، وحسبما أفاد به قاضي تطبيق العقوبات بالمؤسسة فإن اجراءت العفو تتم بناء على عدة معايير أهمها دخول السجن لظروف قاهرة، السيرة والسلوك الحسن خلال فترة الاحتباس، إلى جانب قضاء أكثر من نصف مدة العقوبة.
بداية، تقربنا من المساجين الخاضعين لتكوين في الإعلام الآلي، أغلبهم لا يملكون مستوى تعليميا،  موزعين في قاعة هيئت للراغبين في التعليم، وجدنا عددا من الشباب والكهول من مختلف الأعمار منهمكين في التعلم من خلال الكتابة على الكراريس ثم إعادة الكتابة على الكمبيوتر، وأمام المشهد المثير للإعجاب فضلنا تجنبن الحديث وعدم كسر وتيرة انتباهم ، خاصة وأنهم كانوا جد مهتمين بالدرس.
بعدها تنقلنا إلى فرع تعليم النحت على الخشب، هنا كان  شاب في العشرينات من العمر ينحدر من حي شعبي من العاصمة، “سهيل . ز”، محكوم عليه في قضية سرقة، أكد أنه كان يعمل سابقا، في النحت على الخشب والصابون بموهبة شخصية خاصة، من خلال منحوتات صغيرة، وعند دخوله السجن بتهمة سرقة حكم عليه فيها بـ3 سنوات واصل هذه الموهبة ، وقال “أنا عصامي التعليم، وأعمل الآن على مساعدة الشباب الراغب في التعلم، وعندما أخرج سأعلم شبابا آخرين لأكسب رزقا حلالا، لدي محل صغير سأستغله لذلك”.
* “ف.ب” متابع في قضية إرهاب:  “زعماء القاعدة تكفيريون وخوارج وذهاب بوتفليقة عن الحكم سيلقي بنا في الهاوية”.
* مدير السجن: تكتلات أبناء الحومة وحب الزعامة صفات اخطر السجناء

الحرقة هي الموت وان شاء الله الرايس يشوف لينا في 5 جويلية
“عبد القادر.ع” ، شاب في 29 من العمر، يدخل لأول مرة السجن، ينحدر من ولاية وهران، يحمل جنسية جزائرية فرنسية، التهمة جنحة المشاركة في انتحال شخصية الغير، وعن سبب مجيئه الى هنا قال “قدمت وثائقي الخاصة لابن عمي حتى يسافر إلى الضفة الأخرى، وتم إلقاء القبض عليه قبل مغادرة الوطن، وحوكمت في هذه القضية، لقد ندمت على ارتكاب هذا الخطأ، لقد حاولت مساعدته على الموت”، تساءلنا عن السبب، فأضاف “أن الحرقة تعني الموت، ثم إن الشباب يموتون بنسبة 100 بالمائة، هم الخاسرون فلا أحد يضمن ما تخفيه الضفة الأخرى من البحر”. سهيل، عبد القادر، محمد،عمار، بن رقاع، وغيرهم من المحبوسين الذين تحدثت إليهم “النهار”، أكدوا أن يومياتهم كلها حديث عن إجراءات العفو الرئاسي التي ينتظرونها بفارغ الصبر، طمعا في أن يشملهم عفو الرئيس، بعد أن غابت العملية خلال مناسبة المولد النبوي الشريف، “رانا نستناو في عفو الرايس بالاك يكون في 5 جويلية خاطر ما كانتش لاقراص في المولود”، هي يوميات تطبعها حديث الشراع الجزائري المتواجد خارج السجون، هم على علم بكل كبيرة وصغيرة خارج الزنزانات، الحرقة، القاعدة، العفو الرئاسي، المساجين الجدد.

ما بقاش بالون .. ولازم الفريق الوطني يشرفنا ويرجع لأيام زمان

وأوضح جل من تحدثنا إليهم أنهم من المتتبعين للأخبار الوطنية خاصة المعلقة بالرياضة وكرة القدم والفريق الوطني، الذي قال معظمهم أنه ليس في حالة جيدة، محمد 26 سنة، ينحدر من حي شعبي بالعاصمة، يقول  “ما بقاش بالون، ولازم الفريق الوطني يشرفنا ويرجع لأيام زمان”، معظم الشباب يتابع مباريات البطولة والكأس، كل حسب انتماءاته، “ماذابينا يطلع النيفو شوية باش ننافسوا على جميع الأصعدة”، هي كلمات قالها عبد القادر وفي كلامه رغبة في التغيير إلى الأحسن.
في القاعة المجاورة شباب وكهول يعزفون على الآلات الموسيقية، ويرددون ألحانا عاصمية، وبالصدفة كانت تخص الواقع الجزائري، هي ألحان عمر الزاهي، عن الوطن والندم على الفراق، اغتنمنا الفرصة وسألناهم عن رأيهم في الحرقة وأهم ما يرغبون فيه، أجمعوا على أن الحرقة تعني الموت، وان الفرق بينهما معدوم نهائيا، هم شباب ينتظرون بفارغ الصبر عفوا من رئيس الجمهورية، خلال شهر جويلية المقبل. عمار، قال أنه أول مرة يدخل السجن، لاحظنا ملامح الندم عليه، وهو يفكر حاليا في الطريقة التي سيحصل من خلالها على العمل، “أكثر ما يهمني هو طريقة إدماجي في المجتمع لقد تلطخت أوراقي، لم اقن مسبوقا قضائيا ولم أجد عملا فما بالك الآن،  فالمؤسسات لا تقبل أشخاصا غير مسبوقين، ونحن كيف سيكون مصيرنا.. ” يسكت ويطأطئ رأسه “والله غير ندمت على الغلطة اللي درتها.. غلطة حياتي”.
يتدخل محمد، 24 سنة، ليروي قصة أخيه الذي غاب عن المنزل منذ ما يزيد عن السنة، “أخي هاجر بطريقة غير شرعية، من عين تيموشنت، عائلتي اتصلت بالمسؤول عن نقلهم، فقال انه تكفل بإرسال 3 قوارب “زودياك” اثنان منهما لم يظهر عنهما أي خبر، أما الثالث فقد وصل ، غير أن أصحابه يعانون الأمرين ويرغبون في العودة إلى ارض الوطن”، هي شهادات حية نقلتها عائلة السجين إلى الابن الذي دخل السجن منذ 6 أشهر. ودعنا الفرقة الموسيقية، وقبل أن نطأ باب الخروج، استوقفنا كهل في الـ50 من العمر، قائلا “إن شاء الله ربي يطلق سراحنا، وان شاء الله الرايس يشوف لينا عندنا وليدات بره، غلطنا وندمنا وان شاء الله ربي يداوي لحوال”.

4 حالات سيدا .. غياب للجرب ، والحالات النفسية سببها القلق
توجهنا بعدها إلى قاعة العلاج شبه الطبي، قاعة نظيفة مجهزة بأحدث التقنيات تشبه عيادة مصغرة، تحوي عددا من المكاتب الخاصة بالفحص العام وأخرى لطب الأسنان، وتوزيع الأدوية، وقبلها إلى مخبر التحاليل، الذي يتم فيه تقديم جميع التحليلات، إلى جانب قاعة للعلاج النفسي، حيث تلقينا معلومات كاملة عن مختلف الحالات المرضية التي يعاني منها المساجين، وقالت رئيسة مصلحة الصحة بالمؤسسة، التي يعمل تحت مسؤوليتها 8 أطباء في مختلف التخصصات، أن كل سجين يقصد المؤسسة يمر على مختلف المصالح ليتم تسجيله في ملف خاص، ويخضع لمراقبة دورية كل شهر للفحص الكلي، إلى جانب التكفل بعلاجه في حالة المرض، موضحة انه في بعض الحالات تصل أسعار الأدوية إلى 1 مليون سنتيم، تتكفل بها المؤسسة، كما أشارت إلى أنه حاليا يوجد على مستوى المؤسسة 4 حالات سيدا، آخرها  تم تحويلها من سجن الشلف الشهر الجاري، 58 مدمنا على المخدرات، 59 حالة ربو، و27 حالة سكري، إلى جانب 7 حالات صرع، مع تسجيل 4 حالات جرب الشهر الفارط تم القضاء عليها نهائيا.
وقالت الأخصائية النفسانية أنها تتلقى يوميا حالات عديدة بطلب من المساجين الراغبين في العلاج، وأشارت إلى أن اغلب حالات العزلة أو الانهيار تنجم عن الحصر والقلق بسبب التفكير الزائد، أو في حالة سماع المحبوسين لأخبار سيئة عن العائلة والأقارب، موضحة أن هناك حالات عصبية خاصة، تضاف إلى حالات المدمنين، من جانب آخر أبرزت أن المؤسسة تكفلت بإنشاء لجنة خاصة تعنى بشؤون المدمنين أطلق عليها اسم “لجنة مكافحة السموم” انطلقت أشغالها منذ شهرين، تتكفل بمساعدة الراغبين في التخلص من الإدمان على محاربته.
اكبر سجين “ا.محمد” 69 سنة
اصغر سجين “م. نور الإسلام” 18 سنة وشهرين
أقدم سجين “عبد القادر.ش” متواجد بالسجن منذ 10 سنوات محكوم عليه بالإعدام في قضية قتل عمدي.
احدث سجين “رابح.ص” 35 سنة دخل السجن 09 أفريل الجاري صباحا بتهمة الضرب والجرح العمدي.
اخطر سجين “غ.ع” دخل السجن منذ 6 أشهر وتعتبر هذه المرة الثالثة التي يدخل فيها إلى سركاجي.
السجن يضم 46 متهما في قضايا الإرهاب

زعماء القاعدة تكفيريون وخارجون عن السلطان
ومن بين الموجودين في الغرفة الخاصة بالمساجين المتابعين في قضايا الإرهاب، تكلمنا مع “بن رقاع.ف”، سجين منذ سنة تمت جدولة قضيته في الشهر الجاري، تكلم عن السياسة، وعن العهدة الثالثة، وقال “أنا مع العهدة الثالثة 100 بالمائة لأن ذهاب بوتفليقة عن الحكم سيلقي بنا جميعا في الهاوية”، مضيفا “أنا متابع وفي لأخبار الوطن والعالم، وسمعت ما تكلم عنه الظواهري بخصوص الجزائريين الذين يموتون في العمليات الإرهابية، ولا أوافقهم الرأي، أنا من السفلية العلمية وكل من ينتمي لهذا المذهب ضد التكفير، وكل من الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي وبن لادن، وأبو مصعب عبد الودود من المكفرين، وهذا لا يجوز شرعا، لأنهم من الخوارج، والدين يحرم الخروج عن ولي الأمر، ليؤكد “هذه عقيدتي وأنا مقتنع بها، التكفير لا يجوز شرعا وما يدعيه الآخرون خروج عن الحاكم والسلطان المحرم شرعا”.  أما عن أجواء الزنزانة الخاصة بالمتهمين في قضايا الإرهاب، فقال المتحدث أن هناك اختلافا كبيرا بين الموجودين فيها لاختلافهم في الأفكار، المعني قال انه من المتتبعين للشأن الوطني، وأشار إلى أن يوميات الجزائريين أصبحت لا تخلو من الحديث عن الهروب إلى الضفة الأخرى، “الحرقة التي صارت من يومياتنا، إنها قتل للنفس التي حرم الله قتلها”.

تكتلات أبناء الحومة وحب الزعامة لدى اخطر السجناء
توجهنا إلى اخطر سجين بالمؤسسة، والذي تم تحديده من قبل المسؤولين بناء على المشاكل التي يتسبب فيها، المدير أكد انه يحب الزعامة، وأشار إلى وجود تكتلات بين “مساجين الحومات”، كل حومة ترغب في السيطرة، غير ان المسؤولين يتابعونهم ويفرقون بينهم في حالة وجود شك في نيتهم أو رغبتهم في الزعامة والتحكم في باقي المساجين. “ع.غ” يدخل السجن للمرة الثالثة على التوالي، يظهر من خلال ملامحه بعض الغموض، أسنانه كلها مهشمة، إلى جانب جملة من الخدوش على وجهه، “راني هنا خاطر هاذي هي مكاتيب ربي، وكل واحد يجوز مكتوبه، على كل حال الدعوة هنا مليحة وكل شي مليح”، ثم يضيف بلهجة عاصمية “إن شاء الله يعفو علينا الرايس، هذا وش رانا نستناو”.
وقال المدير ان اخطر القضايا التي قد يدخل بعض أصحابها السجن هي الرغبة في الانتقام من سجين آخر بداخل السجن، وأشار إلى وجود بعض المناوشات بين بعض المجموعات والمساجين المنحدرين من منطقة واحدة، خاصة وأن باب جديد يضم بشكل أكبر العاصميين المنحدرين من الأحياء الشعبية التي تعرف الكثير من المناوشات بين شبابها، مؤكدا ان المتهمين في القتل العمدي كثيرا ما يكونون من أهدإ المساجين في الوقت الذي يحتل المتهمون في قضايا تكوين جماعات أشرار المرتبة الأولى من حيث الخطورة، كما ذكر المتحدث وجود حالة واحدة لمعوق أصيب بإعاقة مباشرة بعد ارتكابه لجريمة قتل تم  سجنه على اثرها، حيث يخضع للرعاية الطبية على أيدي المختصين، كما تم منحه كرسيا متحركا ليساعده على التنقل بين جنبات السجن.
وقد أبدى المسؤولون عن السجن بعض القلق عن مصير كل المتربصين الذين حالما يخرجون من المؤسسة العقابية، حيث أوضح المدير أنه من الضروري التعاون والتنسيق بين مختلف الهيئات لتمكين المحبوسين من فرصة في العيش الكريم وتجنيبهم العودة إلى السجن، مشيرا إلى أن معظمهم يعودون إلى المؤسسة بسبب عدم حصولهم على ما توفره هذه المؤسسة خاصة مشكل البطالة الذي يواجهونه بسبب سوابقهم العدلية، داعيا المؤسسات العمومية والخاصة الى المساهمة في إدماج خريجي السجون.

رابط دائم : https://nhar.tv/WOac3
إعــــلانات
إعــــلانات