لا يروق لوالدي أن أعيش بما يرضي الله وأتحرر من الذنوب والمعاصي
تحية طيبة و بعد: لم أتصور أبدا أن حياتي ستتعقد إلى هذا الحد، إلى درجة أعجز فيها عن التفكير والتدبير، ولأنني بلغت هذا الحد من السلبية أجدني مجبرة على طلب العون والمساعدة، علما أني قطعت شوطا كبيرا مع المعاصي والذنوب وأخطاء بالجملة اقترفتها دون إرادتي وتلبية لرغبات الغير، حيث أنني أرغب الآن بالتوبة وترميم حياتي بعيدا عن تلك الشوائب التي علقت بالماضي .كنت منذ الصغر انصاع لطلبات ورغبات الغير بكل طواعية، لم أكن أناقش ولم أكن أعرف أهمية السؤال، لماذا وكيف أفعل ذلك؟ كنت بمثابة الآلة التي تسيرها الأهواء الخارجية، فلم أكن ألبي رغباتي الخاصة ولم أكن أسعى لتحقيق أحلامي وطموحاتي، لأنها لا تناسب مساعي الغير وإن كان فيها الخير والصلاح.هكذا نشأت وسط تلك الأجواء المشحونة بالأنانية وحب المصالح الشخصية، فكنت أنقل الكلام بين هذه وتلك مثلما تأمرني والدتي، وأسرق أغراض الغير بمساعدة والدي الذي كان يسعد بذلك ويطلب مني المواصلة مع تحري الحيطة والحذر، وعندما بلغت سن الزواج، فإن قرار أهلي كان لا بد منه، فتزوجت رجلا ثريا طلقني بمجرد أن تعرف على امرأة أخرى، أما علاقتي الثانية فكانت برغبة والدتي التي أصرت أن أتزوج قريبها المهاجر، فظل زواجي معلقا، كل منا يعيش في بلد إلى أن تخلى عني هو الآخر، بحجة تعذر الحصول على وثائق الإقامة.أصبحت امرأة مطلقة للمرة الثانية، وفي أنا عمر الزهور، وعندما تعرفت على الرجل الذي أحبني لنفسي وضحى بكل شيء من أجلي، وجدت أهلي يتربصون لنا، غايتهم تعكير صفو حياتنا، هما الآن يطالباني بالانفصال عنه لأنه لم يرق لهما ورفض الانصياع لما يرغبان به، وهذا ما سيجعله حسب ظنهم، يتخلى عني آجلا أم عاجلا، يطلبون مني ذلك ليس حبا أو خوفا على مصلحتي مثلما يدعون، ولكن لاستثمار حريتي في مشروع آخر قد يكون أبشع من سابقيه.سيدتي الفاضلة، أعيش تعيسة رغم أن الله وهبني الزوج الصالح المحب المخلص الذي رعاني وتفانى في حبي، فأنا لا أريد الانفصال عنه فهو والد ابني وشريك حياتي، لكن ما حيلتي مع أهلي فهل أتبرأ منهما وأشطب وجودهما بالقلم الأحمر.
ح/الجلفة
الرد:
عزيزتي، لقد تركت أمرك شورى بين أهلك، لكن بالمفهوم السلبي الذي جعل شخصيتك ضعيفة ومنقادة بكل طواعية وطيب خاطر، لأنك لم تحاولِ التحرر من تلك الأوضاع باستعمال العقل الذي جعله الله نعمة وفيصلا في هذه الأمور، بر الوالدين واحترامهما ليس معناه البتة أن تتركي لهما حرية السيطرة عليك وإخضاعك لإرادتهما فيما يُغضب الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد ورد في القرآن نصوص صريحة تدل على ذلك.ولأنه لا يمكننا تغيير الماضي، فإن من واجبنا استغلال الحاضر والتماس النتائج المرضية في المستقبل، يجب أن تكتسبي خبرة تسيير حياتك والتخطيط لمواقف الحياة بروية وحكمة وعقلانية مطلقة، وإيمان ثقيل بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فنهج الاستقلالية والقضاء على التبعية للغير سيخلصك من الشعور بالقهر والضياع، تأكدي أن الأوان لم يفت بعد، والأخطاء التي أقدمت عليها في الماضي يمكن تفاديها بعدم الوقوع فيها مرة أخرى، وإلا ستجدي نفسك منحصرة في زواية أهلك، زاوية بعيدة تماما عن المبادئ والأخلاق وتعاليم الدين الحنيف.عزيزتي، يبدو أنك غائبة كليا عن مجال العبادات والطاعات التي من شأنها أن تجعلك تعيشين في واحة من الراحة والطمأنينة، لذا أكثري من الاستغفار وترديد الأذكار لينظر إليك الله بعين الرحمة وهو الرؤوف بالعباد. يجب عليك أيضا أن توسعي دائرة تفكيرك، ليتسنى لك مواكبة الحياة، فأنت والدة لطفل يفتقد لخبرة الرعاية والتنشئة الصحيحة التي كانت غائبة عن حياتك، فكري مليّا وتيقّني أن فاقد الشيء لا يعطيه، وتعلمي قاعدة الاكتساب من أجل العطاء، عندها ستتغير حياتك إلى الإيجابية، أما قضية شطب العلاقة مع أهلك بالقلم الأحمر فإنها مستبعدة، جاهدي من أجل الحفاظ عليها بما يرضي الله واجتهدي أكثر في تحصيل سعادتك المفقودة، أعانك الله ويسر لك الخير وجعل من زوجك وابنك قرة عين لك.
ردت نور