الرُهاب المدرسي.. توتر طفولي وهاجس يثقل كاهل الأولياء

يعاني الكثير من الآباء والأمهات من خوف أطفالهم من المدرسة وعدم رغبتهم بالذهاب إليها، وهو ما يُعرف “بفوبيا المدرسة”.
وهي حالة من الخوف والتوتر غير العقلاني والمفرط تسيطر على الطفل متمثلة في البكاء أو الصراخ أو النوم أو ادعاء المرض، لأسباب متعددة ومختلفة.
فمنها النزاعات العائلية، وصعوبة الحفاظ على الأداء الدراسي الجيد، ورفض الزملاء أو المعلمين للطفل نفسه. أو حتى تغيير المدارس في كثير من الأحيان يمكن أن يكون سببا رئيسياً.
ويحصل هذا خصوصاً في السنوات الأولى من الدراسة، وهنا يحتار الآباء والأمهات فيما يمكن فعله، هنا من يحتوي الأمر.
لكن في الغالب وقد يخطئ البعض في التصرف ويجعل طفله أكثر خوفاً وأكثر نفوراً من المدرسة. فيرفض الذهاب إليها للمرة الأولى، أو حتى العودة إليها مرة أخرى.
وأمام هذا الرفض يجب أن يتصرف الآباء بحكمة كبيرة لاحتواء الأمر، فالمسألة متعلقة بمستقبل الأطفال، وتحصيلهم العلمي.
وفي عدد اليوم اخترنا تسليط الضوء على هذا الموضوع خاصة ونحن على عتبه الدخول المدرسي. علنا نساعد من يعانون من هذه المشكلة مع أطفالهم. لكن قبل تقديم النصائح الإرشادات اقرؤوا معنا هذه التدخلات.
السيدة أم جواد من العاصمة :
“خوفا على مكانته في قلوبنا.. كان يرفض المدرسة”
أنا ام لطفلين، الأول بنت تبلغ من العمر 8 سنوات، وطفل لديه سنتين، ابنتي حظيت بدلال كبير من طرف كل العائلة. أحببناها ولازلنا نفعل.
لكنها وبحكم صغر سنها تعتقد أن المولود الجديد جاء ليأخذ مكانها في قلوبنا. وحصل أن تزامنت ولادته بدخولها للمدرسة أول مرة، حتى أنني أذكر جيدا ما قالته يومها.
قالت: أنتما تريدان أن أذهب للمدرسة لتذهبوا مع البيبي للتنزه، فرفضت حينها الالتحاق بها. ومنذ ذلك اليوم أصبح الذهاب إلى المدرسة أمراً مريراً بالنسبة لها.
صارت تكره أن تترك البيت، وينفرد المولود الجديد باهتمامنا بينما هي في القسم.
وهذا ما يتكرر معنا كل سنة، لذلك أنصح كل سيدة تجد نفسها في الموقف أن تتحدث مع طفلها بصراحة وبشكل منفرد. وتشرح الأمور له بهدوء.
لأنني إلى يومنا هذا أعاني كثيرا من نفور إبنتي من الدراسة، فحتى نتائجها ليست جيدة.
لكن هذه السنة قمت بخطوة جميلة، فقط أخذتها إلى طبيبة نفسية والأوضاع متحسنة والحمد لله.
السيدة ليلى من الشرق الجزائري:
“بسبب ذكرى سيئة لأول يوم له في الدراسة.. أعاني معه كل سنة”
من جهتها أعربت السيدة ليلى عن أسفها الشديد لما تعرض له ابنها منذ ثلاث سنوات، وحيث كانت أول سنة له في التعليم،.
لكنه حمل منها ذكرى سيئة، بقيت تلازمه إلى حد الآن، حيث قامت المعلمة بتعنيفه والسخرية منه أمام التلاميذ. لنطقه أحد الحروف بطريقة خاطئة.
ما أثار ضحك زملائه في القسم كله، لتضيف قائلة: حقا أمر حساس للغاية أن تجرح شخصا أما الملأ. فما بالك طفل لا تزال شخصيته في مرحلة التكوين، وتقوم بإحراجه أمام أطفال آخرين.
من الممكن أن يكون سبب خوف طفلك من المدرسة هو ما مر به من تجارب سيئة، لهذا أوجه كلمتي للمعلمين.
فقد يحدث أن لا تعامل المعلمة طفلك باحترام وحنان، أو أن يتعرض طفلك للضرب من المعلمة أو من أحد زملائه.
فتتسببون في عقد قد لا يتخلصون من أثرها، وقد تبقى عالقة في ذاكرتهم وتؤثر بالتالي على مستقبلهم.
كما كنت أرتكب خطأ جسيم فبحكم أنني عاملة كنت كثيرا ما أتأخر لاصطحاب ابني، وكنت كل يوم أجده يبكي.
وهذه السنة قررت تغيير الكثير من روتيني حتى أضمن لابني بحول الله سنة دراسية جيدة”
السيدة أمينة من وهران:
“بسبب مشاكلنا الأسرية …إبني بات يعاني من الرهاب”
أنا إنسانة إنهزامية أمام أبنائي، حيث أن الضغط الذي أحياه بين أهل زوجي وهذا الأخير. جعلاني أسيء التصرف مع الأبناء بشكل كبير.
ما شكل لديهم خوفا رهيبا أثر على مردودهم العلمي. فأصبحوا يخافون المدرسة وحتى الذهاب إليها.
معتقدين أنني سأعاقبهم إن تحصلوا على نتائج سيئة، ولي ابن دوما يقول لي: “ماما لا أريد الذهاب للمدرسة حتى لا يضربك بابا”.
وكنت أجهش بالبكاء لما يقول ذلك، فأدركت بعد مرور السنين وبعد أن تحسنت الأوضاع قليلا. أن التنشئة الاجتماعية السليمة تلعب دوراً كبيراً في تقبل الطفل للمدرسة أو خوفه منها.
لذلك أنصح كل أم وأب من خلال هذا المنبر -وأنتم مشكورين على إثارة الموضوع- أن ينتبهوا لما يقولونه في المنزل.
ولأن ينتبهوا لتصرفاتهم خاصة أمام الأولاد، وخاصة لأن ينتبهوا لما يقوله أبناؤهم عن المدرسة.
وأن يحرصوا على جعل البيت مكانا آمنا لينشأ الطفل بنفسية متوازنة ويلازمه الشعور بالأمان في أي مكان. حتى يرى أن المدرسة مكاناً محبباً وجميلاً.
كلمة لابد منها:
كانت هذه تدخلات أمهات عانين من فوبيا الدخول المدرسي مع أولادهم.
وفي هذا الصدد نقول: من المهم أن يمهد الوالدان لذهاب الطفل للمدرسة قبل فترة كافية من التحاقه بها.
ويجب أن يكون هذا التمهيد عن طريق إخباره عن المؤسسة التربوية ووصفها كمكان جميل وآمن.
ويمكن للوالدين أيضا أن يعرضا صوراً لأطفال يستمتعون بوقتهم في المدرسة.
ومن المهم إظهار الجوانب التي تجذب الأطفال في المدرسة كالألعاب واللوحات الملونة وغيرها.
لذا ابحث جيداً على المواقف التي تعرض لها طفلك وتأكد أن تهدأ من روعه وأن تعالج المشاكل وأن تشرح له أن هذه الأمور لن تتكرر.
كما ننصح بما يلي:
**الحوار:
من المهم أن يتصارح الطفل والوالدان وأن يتم الحديث عن هذه المشكلة ومناقشتها بهدوء، لأنها الطريقة الأمثل لمعرفة الأسباب التي أدت إلى خوف الطفل من المدرسة ورفضه الذهاب إليها، كما تسمح هذه الطريقة بتعزيز ثقة الطفل بنفسه حيث يجد أنّ والديه يعاملانه كشخص كبير وناضج، ومن المهم عدم إجراء هذا الحوار أمام إخوة الطفل أو أحد من أقاربه، بل يجب أن يكون على انفراد، ويجب على الوالدين بعدها اتخاذ خطوات لحل المشكلة.
**الصبر:
كذلك،فمن غير المعقول أن نحبب للطفل المدرسة بين عشية وضحاها، فالأمر قد يأخذ أيام، بل شهور، وربما سنوات، وفي هذه الفترة يجب على الوالدين أن يكونا صبورين، ليبثوا فيه الأفكار الإيجابية عن المدرسة، ويمكن لأحد الوالدين أن يرافق طفله إلى المدرسة، حتى يشعر بالأمان، ويكتشف أنه لا يوجد شيء يدعو للخوف من المدرسة.
**أما إذا كان سبب الرهاب المدرسي لدى الطفل هو غيرته من مولود جديد في البيت، هنا على الوالدين إظهار حب واهتمام أكبر للطفل المتمدرس، وعدم الانشغال عنه أو إهمال متطلباته، ويستحسن أن تتحدث الأم إلى طفلها، وتخبره بمقدار حبها له واهتمامها به كي لا يشعر بالغيرة من المولود الجديد.
**وإن كان لموقف محرج أو ذكرى سيئة، ننصح الوالدين بالتواصل مع معلمة الطفل أو مع المسؤولة في المدرسة لتراقبه ، وتمنحه الاهتمام اللازم وتشجعه على حب المدرسة، ويمكن للمعلمة كذلك أن تمدح الطفل أمام أقرانه وزملائه، أو تجعله قائداً في الصف مما يساعد على شعوره بالأهمية والاستحقاق، فتصبح المدرسة بالنسبة إليه مكاناً يحب الذهاب إليه.
**يجب أيضا على الوالدين الالتزام بمواعيد الانصراف من المؤسسة التربوية، لأنّ التأخر على الطفل يؤدي إلى خوفه ورهبته من المدرسة.
**كما ننصح -في حال توفر الإمكانات- أن يلتحق الطفل بروضة قبل المدرسة بحيث تكون الروضة مكاناً للعب والتعلم في ذات الوقت، فهذا يهيئ الطفل لجو المدرسة ويجعله اجتماعياً فلا يرهب المدرسة.
خاتمة، يُقال “إذا عُرف السبب بطُل العجب”، فمن المهم أن يتعرف الوالدين عن سبب خوف الأطفال من الذهاب إلى المدرسة حتى تتم معالجته مبكراً، فالعلاج المبكر يساعد على تفوق الطفل في الدراسة والإبداع في المدرسة، أما إهمال المشكلة فإنه لن يزيد إلا من كره الطفل للمدرسة مما يؤدي إلى تراجع مستواه التعليمي، وتحطيم ثقته بنفسه، وقتل النزعة الإبداعية التي بداخله، وبالتالي فشله لاحقا.
مع تحيات معدة الصفحة، وتمنياتنا بالتوفيق للجميع بحول الله.