إعــــلانات

“العـقــيـد لطــفي موّلني بألف درهـم وبوتفليقة ساعـدني على العـودة إلى الجزائـر”

“العـقــيـد لطــفي موّلني بألف درهـم وبوتفليقة ساعـدني على العـودة إلى الجزائـر”

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Tableau Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin-top:0cm;
mso-para-margin-right:0cm;
mso-para-margin-bottom:10.0pt;
mso-para-margin-left:0cm;
line-height:115%;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;}

هذه قصة رحلتي من فرندة إلى وجدة.. والأطباء الجزائريون كانوا يعملون وفق نظام استعلامات محكم 

“النهار” تنشر صورا نادرة للمجاهدة خدوجة ڤايد رفقة جميلة بوحيرد في وجدة

هن طبيبات وممرضات وقابلات أقسمن قسم إيبوقراط العظيم على التضحية بالنفس والنفيس من أجل تحرير الجزائر، عاقدات العزم على طرد الاستعمار الغاشم من أرض المليون ونصف المليون شهيد، لتنعم بالسلم والأمن الذي لطالما ولا تزال تتميز به الجزائر.سلاحهن كان إبرة ومشرطا، وأكياسا من المحاليل والحقن التي كن يعالجن بها المجاهدين واللاجئين الجزائريين، الذين لم يتمكن العدو من النيل منهم، لسبب وحيد هو إيمانهم القويّ باسترجاع الحرية التي سلبت من الجزائريين، من قبل عدو عجز عن كسر عزيمتهم وإيمانهم باستعداد فرنسا لأخذ الجواب.هي من جيل نوفمبر 1954، ضاقت ذرعا بالمستعمر الفرنسي وسئمت من جوره واستعباده للجزائريين، فقررت الإلتحاق بصفوف الثورة، هي المجاهدة تلمساني خدوجة، زوجة المرحوم ڤايد أحمد عضو مجلس الثورة، من مواليد 1933 بوهران، عاشت طفولتها بمدينة فرندة وقررت المشاركة في المقاومة ضد الاستعمار الغاشم منذ نعومة أظافرها، وسنها لم يكن يتجاوز آنذاك 12 سنة .بصدر رحب، سردت أرملة المجاهد ڤايد أحمد المدعو سي سليمان شهادات مثيرة حول كفاحها الثوري لـ«النهار»، وكيف كان العمل مع كبار قادة الثورة الذين حرروا الجزائر بفضل إرادتهم التي لم تتمكن فرنسا من كسرها.

خدوجة التلميذة النجيبة التي قررت محاربة فرنسا منذ الصغر

تروي المجاهدة خدوجة أنها بدأت دراستها الابتدائية في وهران لتكملها في فرندة في 1945، وهنا قرر والدها إلباسها الحايك بالنظر إلى خصوصية المنطقة، لتمتنع عندها عن الدّراسة احتجاجا على ذلك، رغم أنها كانت من التلاميذ النجباء، إلا أنها عدلت عن قرارها بعد ذلك وواصلت مشوارها الدراسي، لتتوقف مؤقتا بعد حصولها على شهادة التعليم المتوسط للطّور الأول. تقول المجاهدة خدوجة: «تعلمت العلوم والرّياضيات لوحدي من أجل اجتياز امتحانات الدخول إلى كلية الطب، وتمكنت في 1952 من افتكاك تأشيرة الدخول إليها في العاصمة، وبعد 3 سنوات من الدراسة كنت ضمن الدفعة الأولى من طلبة الطب الاجتماعي في الجزائر سنة 1955، كانت تضم آنذاك 6 طلبة فقط»، صمتت وواصلت: «في 1953 تزوجت بالرائد ڤايد أحمد وسافرت رفقته إلى العاصمة أين عمل كسكرتير لفرحات عباس، وبعد عامين من اندلاع الثورة التحقت به في القاعدة العسكرية بوجدة، تاركة ورائي طفليّ الرضيعين عند أمي، حدث ذلك بعد أن هددني الفرنسيون بإعدامي ذبحا، وهنا قررت مغادرة بيتي والالتحاق بصفوف المجاهدين والعمل في مجال الصحة، وقلت لعائلتي إنني ذاهبة للبحث عن مسكن للإيجار في وهران، ولكنني خرجت للجهاد». تنهدت المجاهدة وواصلتضحيت بفلذات كبدي لأنّ الواجب كان يدعوني، كنت أتقطع بداخلي عندما تركت طفلاي، ولكن هدفي آنذاك هو أن أضحّي اليوم من أجل أن ينعما غدا بجزائر حرة، ومن هنا انطلقت بحث رحلة طويلة عمّن يساعدني في الوصول إلى الخاوة».

بداية الرحلة من وهران للوصول إلى وجدة

بعد برهة أجهشت السيدة ڤايد بالبكاء، عندما راودتها ذكريات ما قاسته مع المستعمر وانفصالها عن فلذات أكبادها مجبرة، إذ لم يتم أصغرهم سنة واحدة، وقالت: «وصلت إلى وهران على متن حافلة، أذكر أنه كان لدي قريب يعمل في الميناء، وعبرت له عن رغبتي في الجهاد، فرد علي بأنه سيهتم بالأمر، وهنا كان يجب علي الرحيل إلى الجنوب كي لا يجدني الفرنسيون، ولا سيما أنني كنت محل بحث من قبلهم، بعد فترة أخطرني قريبي أنه وجد الطريقة التي سأحقق بها حلمي، وقال لي أن هناك شخصا يدعى ميلود من سعيدة سيقوم بالمهمة»، وأضافتكان ميلود يقوم بشحن السمك من الميناء باتجاه الصحراء على متن شاحنة، وكان أخوه يعمل ظاهريا كشرطي لدى سلطات الاستعمار، ولكنه فعليا كان يعمل لصالح المجاهدين، وهنا تكتشفون كيف كان المجاهدون يعتمدون تنظيما محكما لإنجاح الثورة، عازمين على مواصلة الكفاح المناهض للإمبرياليين الفرنسيين».

صندوق جمبري.. رشوة لعساكر فرنسيين!

واصلت محدثتنا قائلة: «بعد لقائي بالمدعو ميلود كشف لي بأننا سننطلق من أرزيو باتجاه سعيدة ثم بوقطب للوصول إلى عين الصفراء، وأذكر أن ذلك تزامن مع خريف 1956، صادفنا عند مدخل سعيدة حاجزا لعساكر الإستعمار، فما كان من السائق سوى أن قام بتضليلهم، حيث منحهم صندوقا مملوءًا بالجمبري حتى لا ينكشف أمري، فغمرتهم الفرحة قائلين جمبري في الصحراء.. رائع، فتركونا نمر بسلام».

أطباء مجنّدون لخدمة الثورة في كلّ الولايات

وأضافت المتحدثة: «عند وصولي إلى بوقطب، وجدت نظام اتصال آخر، حيث التقيت بالسيد قاضي بوبكر الذي كان يعمل ساعيا للبريد في مكتب بوقطب، وكشفت له عن نيتي في الجهاد، فرد علي: سوف نرى، قضيت الليلة آنذاك عند عائلته، وفي اليوم الموالي توجهت عن طريق الحافلة إلى جيري فيل بالبيض، أين بحثت عن عيادة الدّكتور صبحي، وعند وصولي إلى العيادة، سألت عن الطبيب، فردت علي سيدة متقدمة في السن بأنه لا يعمل اليوم، فصارحتها بغرض الزيارة، فقالت لي إنه من المستحيل رؤيته، وبعد إلحاح طويل، تمكنت من التحدث إليه، لأقضي أسبوعا كاملا في عيادته، وبعد انقضاء إضراب 8 أيام، أرسلني الطبيب إلى مشرية عن طريق الحافلة، وهناك التقيت بأحد إخوة بوعلام باقي وهو من كبار المجاهدين، حيث استقبلني بحفاوة كبيرة، فقضيت الليلة عنده، ليرسلني بدوره إلى المجاهد خلادي الذي كان يقيم في عين الصفراء، وعلى حد علمي كان سيناتورا ويعمل لصالح نظام الثورة».

التنكر في هيئة امرأة بدوية وعقد زواج مزور للمرور إلى وجدة

واصلت المجاهدة قصتها بالقول: «ما أذكره هو أنه بعد 3 أيام، اهتدى المجاهدون إلى فكرة تنكري في هيئة امرأة بدوية لتمويه الفرنسيين، وهناك تزوجت بموجب عقد مزور باسم مزيف لا أتذكره حتى أتمكن من دخول المغرب، امتطيت الحصان وصدقوني لم يكن من السهل قطع الحدود، حيث سرنا طويلا حتى وصلنا إلى أحد المغارات، أين أخدنا خلالها قسطا من الراحة، لقد كان غذائي حبة بطاطا «خضراء»، أعطاني إياها زوجي المزيف، ولا أروي لكم ما حل بي عندما اضطررت إلى شرب مياه راكدة مليئة بالجراثيم، كنت أرى الديدان تتحرك فيها، لكن كان يجب أن أبقى حية لبلدي وعائلتي.

سي سليمان تعرّف عليّ بواسطة خط يدي

بعد راحة قصيرة، واصلت المسير إلى غاية مدينة فقيق الحدودية، الواقعة ضمن نطاق المنطقة الثامنة، لأجد نفسي عند حاكمها، قصدتني فتاة لم يكن يتجاوز سنها 14سنة، ووضعتني في غرفة، ثم ذهبت وعادت مرة أخرى لتطلب مني أن أكتب على ورقة اسمي ولقبي وسبب وجودي هناك، وهي طريقة اعتمدها المجاهدون للتأكد من هويتي عن طريق الخط، وإذا كنت فعلا زوجة سي سليمان، أتذكر أنني بقيت محتجزة في الغرفة إلى غاية صلاة المغرب، إلى أن سمعت كلاما منخفضا،  وفجأة  فتح  باب الغرفة وهنا كانت المفاجأة، لقد كان زوجي  سي  سليمان، يحمل  على كتفيه رشاشا، صراحة اندهشت كثيرا. استرجعت المجاهدة تلمساني أنفاسها وواصلت: «بعد 15 يوما، جاء رجل من وجدة يدعى سي محمد نزار، أخذني بالسيارة إلى وجدة حيث أقمت عند عائلته التي هاجرت من تلمسان، كان ذلك في عام 1957، وبأمر من العقيد لطفي وُجِّهت إلى الأعمال الطبية، لأنني كنت حاملة لشهادة في الطب الإجتماعي، آنذاك اتصلت بالدكتور، عبد السلام هدام، الذي كان مكلفا بشؤون المهاجرين والجرحى، وكانت له عيادة خاصة تعالج جرحى حرب التحرير بالمجان، ومن هنا انطلق جهادي رفقة الخاوة، بعد فترة وصلتني برقية من العقيد لطفي طالبا مني العودة إلى الإدارة المركزية بوجدة.

العقيد لطفي فتح لي أول مركز طبي إجتماعي للاجئين

كانت لدي رغبة في الكفاح بوجدة في مجال تخصصي، فقام الشهيد لطفي بمنحي هبة تقدر بـ1000 درهم مغربي، من أجل فتح مركز طبي إجتماعي خاص بتقديم المساعدات الإجتماعية للاجئين الجزائريين، وكان بذلك أول مركز يتم فتحه خلال الثورة، وأصبحت له 10 فروع على طول الحدود مع المغرب، لقد كنا نتلقى المساعدات من العديد من الجهات، وكان ضمن مهامنا استقاء المعلومات من اللاجئين الجزائريين وصياغة تقارير للجبهة.

بومدين منحني أسطوانة لفيروز وبوتفليقة منحني شاحنة للعودة إلى الوطن

أثناء تواجدي بوجدة، التقيت بالكثير من القادة والرؤساء الجزائريين، على غرار الرئيس الراحل، هواري بومدين، بحكم علاقته الخاصة بزوجي المرحوم سي سليمان، علي منجلي، وكذا بوتفليقة بالإضافة إلى مدغري وشريف بلقاسم الذين كانوا يتوافدون باستمرار على منزلي لزيارة الجنود، وكان ذلك البيت ملكا لعائلة العقيد لطفي، التي رحلت إلى الدار البيضاء، أذكر أن بومدين منحني أسطوانة لفيروز «سنرجع يوما»، وكان يقول لي سنعود يوما إلى الجزائر، وستطرد فرنسا من دون رجعة .في 1957 التقيت مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في وجدة، كان من بين القيادات التي كانت دائما تزورنا بالبيت، بحكم أنّه كان مكلفا بالإتصال والعلاقات بقيادة الأركان، ويقوم بزيارات كثيرة إلى الخارج لتوزيع بيانات القيادة، كما كانت له لقاءات كثيرة هناك لا أعلم أهدافها. مرّت السنين وجاء اليوم الموعود، الجميع عاد للاحتفال بنشوة الإنتصار، إلا أنا وهنا قصدت بوتفليقة الذي جهّز لي شاحنة مكنتني من الدخول إلى الجزائر، ولكن بوثائق مزورة، انتظرت أن أرى زوجي، لكنه بمجرد وصولي إلى تيارت، سمعت على أمواج الإذاعة خبر سجن «ڤايد أحمد» في الولاية الثانية في 1962، رغم ذلك توجهت في اليوم الموالي إلى مركز التصويت من أجل الإستقلال، ورغم أنني كنت سعيدة جدا، إلا أن الحزن تملّكني طيلة 15 يوما بعد الاستفتاء، إلى أن تلقيت مكالمة هاتفية من أحد أصدقاء زوجي يخبرني بإطلاق سراحه، طالبا مني مرافقته إلى غليزان لإحضاره، وهنا كانت نهاية رحلة سنوات من العذاب كلّلت بالإستقلال، وأخذ الحرية التي لم يكن لفرنسا أن تعطينا إياها يوما.  

رابط دائم : https://nhar.tv/oJ4qB