المراركة أنقذونا من الجوع.. ومسؤولو البعثة الجزائرية ربي وكيلهم!
بقلم
شودار عبد الرؤوف

النهار تستقبل أولى دفعات الحجّاج العائدين وتنقل شهاداتهم عما عاشوه من جحيم في البقاع المقدسة:
امتزجت دموع الفرح بزيارة البقاع المقدّسة للحجّاج الجزائريين العائدين من هناك، بالمعاناة والتّهميش الذي لقوه بالمشاعر، خاصة على مستوى مشعر «منى»، حيث ذاق الحاج الجزائري الأمرّين، حسب روايات حجّاج التقتهم «النهار»، التي كانت في استقبالهم، أوّل أمس، بمطار «هواري بومدين».
وزاد من معاناة الحجّاج العائدين، أوّل أمس، تأخّر رحلتهم بأكثر من 4 ساعات لأسباب تقنية، قبل أن تحطّ طائرتهم القادمة من «جدة» بمطار «هواري بومدين»، بعد أكثر من 15 ساعة على الأقلّ من خروجهم من فنادقهم بمكة المكرمة، رغم أنّ بينهم شيوخا وعجائز تحمّلوا فوق طاقتهم، مما جعلهم يضعون عنوان «المتاعب» لرحلتهم إلى البقاع المقدّسة، الجميل فيها فقط أداء الرّكن الخامس في الإسلام. وقد عاد 335 حاج جزائري، أوّل أمس، من البقاع على متن الرحلة رقم «5490 sv» الخاصّة بالخطوط الجوية السعودية، حيث ومنذ وصولهم إلى مطار «هواري بومدين» والقيام بكامل إجراءات العبور، حتّى راح الحجّاج يسردون معاناتهم لكلّ من وقف في طريقهم أو سلّم عليهم مهنّئا بالحجّ. وكان مشعر «منى» نقطة سوداء بكلّ المقاييس، حسب حجّاج موسم 2017، فضلا عن نقائص أخرى في أوّل يوم لهم بالمشاعر المقدّسة والصّعود إلى «عرفات»، خاصة من سوء معاملتهم من قبل المنظّمين وسوء التنظيم وغيرها من الأمور الكارثية التي نقلتها «النهار»، في هذا التقرير عن أولى الرّحلات، وصولا إلى الجزائر…
«السطوب» للتوجّه إلى «عرفة» وسوء التنظيم يطبع العملية
بعد وصول الحجّاج إلى قاعة انتظار الأمتعة، التقت «النهار» بالحاج «محمّد» الذي اتّجه نحونا مباشرة، بعد معرفة هويّتنا، وشرع في سرد ما عاشه خلال موسم «الحج 2017»: «لا شيء جيّد لم نذهب للحجّ وإنّما إلى التعذيب»، مشيرا إلى أنّ الموسم طبعه سوء التنظيم وقلّة الإمكانيات: «كلّ البعثات كانت أحوالهم جيّدة، كلّ حجّاج العالم أدّوا مناسك الحج في ظروف محترمة، إلاّ نحن فقد كنّا في محتشدات ومررنا بلحظات عصيبة وكأنّك في معتقل للتّعذيب». وأضاف الحاج «محمّد» «تخيّلوا، لقد تنقلت أنا وكثيرون إلى غرفات يوم التروية بـ-السطوب- ومشيا على الأقدام، بسبب سوء التنظيم وضعف خبرة المؤطّرين، فلم يخبرنا أحد بوقت انطلاق الحافلة المخصّصة لنقلنا إلى عرفات».. «وقد قام شاب مصري بدفع تكاليف نقلنا على متن شاحنة إلى جبل عرفات، بعدما طلب منّا صاحب الشاحنة في البداية 20 ريالا لكلّ حاج، من أجل نقلنا إلى مشعر عرفات». وقد قال حاج آخر، بأنّ الحجّاج الجزائريين «تعرّضوا لإهانة كبيرة من طرف المنظّمين والقائمين على البعثة أو الوكالات السياحية»، مضيفا أنّ «الأمور لم تكن تبشّر بالخير منذ البداية، أي حتّى قبل صعودنا إلى المشاعر، غير أنّ المعاناة الحقيقية بدأت في طريقنا من عرفات إلى منى».
«كنّا وسط القمامة.. وحنفيتان فقط لكلّ 600 حاج بمنى»
وخلال جولتنا وسط الحجّاج الذين كانوا يهمّون بلقاء ذويهم الذين كانوا في انتظارهم خارج المطار، استوقفتنا حاجّة أخرى تدعى «السيدة ريو»، أين راحت تصوّر معاناتها خلال موسم الحجّ، قائلة «كنّا وسط القمامة ولم تكن هناك مياها بمنى داخل دورات المياه، ولا حتّى من أجل الوضوء أو النظافة»، مشيرة إلى أنّ كلّ الحجّاج عانوا بـ«منى»، مستدركة «هل تتخيّل أن يتشارك 600 حاج بضعة مراحيض وحنفيتين للمياه!؟». وأردفت الحاجّة «كنّا نحن حجّاج خيمتين كاملتين، أي قرابة 600 شخص نتشارك في 5 أو 6 مراحيض وحنفيتين، مما خلق طوابير لا متناهية لقضاء الحاجة أو الوضوء أو حتّى الاغتسال». وقال حاج آخر، واصفا ما عايشه بـ«منى» «كنّا نقيم داخل محتشدات بمنى، فلا شيء يوحي بأنّنا حجّاج بداية من المساحة المخصّصة لكل حاج من أجل الراحة والنوم، إلى ضرورة حراسة هذا المكان وإلاّ فلن تجده إن غفلت عليه طرفة عين».. «لا يمكن المرور بين الحجّاج داخل الخيمة ولا حتّى بين الخيام إلاّ على أجساد الحجّاج الذين يفضّلون في كثير من الأحيان الأروقة على الخيمة التي تجعلك تتصبّب عرقا».
ومن جهته، الحاج عز الدين، قال إنّ الخيم المخصّصة للجزائرين هي الأسوأ بين كافّة البعثات الأخرى: «لقد كان كلّ حجّاج العالم أحسن منّا، كلّهم أمضوا أيّامهم في منى في أحسن الظروف إلاّ نحن»، مؤكّدا أنّ الخيم التي كانت أمامهم هي للبعثة الكويتية والمغربية، مضيفا «لماذا يكون الحجّاج الكويتيون أو المغاربة أحسن منّا؟ لماذا كانت خيمهم ومنظّموهم أحسن من خيمنا ومنظّمينا؟»، مصرّا على أنّ الحجاج الجزائريين كانوا داخل علب مغلقة وكان البعض منهم ينام خارج الخيمة أو في الممرّات الموجودة بين الخيم الأخرى، لضيق المساحة.
«حجّاج مغربيون قدّموا لنا الطعام.. ووجبات البعثة الجزائرية لم تكن تكفي»
وقال، من جانبه، الحاج عز الدين، في حديثه إلى «النهار»: «من أسوأ الأمور التي عشناها في حجّ هذا الموسم على مستوى مشعر منى، الوجبات المقدّمة للحجّاج الجزائريين، والتي لم تكن تكفي لإطعام أعضاء البعثة.. كان حجّاج مغاربة يقتسمون معنا وجباتهم، بسبب الطوابير التي كانت تقام لأجل الظّفر بوجبة تسدّ بها رمقك».. «ولم تكن نوعية الطعام بالتي تستحقّ أن يقف الحاج للظّفر بها أوقاتا طويلة أمام الطوابير، لكن الجوع وانعدام خيارات أخرى يدفعنا إلى ذلك، رغم أنّ الوجبات التي تقدّم لنا لم تكن تحفظ بشكل جيّد أو كما ينبغي، وعلى ذكر ذلك فقد تعرّض 85 حاجا إلى تسمّم غذائي بالبقاع المقدّسة، وكنت أنا من بين المصابين -يضيف الحاج عز الدين-»، مشيرا إلى أنّ الطبيبة التي عاينته أكّدت بأنّها أخطرت أعضاء البعثة بأنّ الوجبات التي تقدّم للحجّاج غير صحية، غير أنّ أحدا لم يأخذ ذلك بعين الاعتبار.
وأضاف نفس المتحدّث، من ذات المنبر: «الظروف التي عاشها الحجّاج الجزائريون كانت أسوأ ممّا تصوّرناه، وعند حديثنا إلى المرشدين يردّون بعبارة واحدة: هذا هو الحجّ ولازم تصبروا»، مؤكّدا بأنّ حجّاج باقي البعثات كانوا في أحسن حال ولا يمكن مقارنتهم بوضعية الحجّاج الجزائريين بأيّ حال من الأحوال، مردفا «لقد أهانونا.. فلماذا يكون الآخرون أحسن حالا منّا في كلّ شيء؟».
«المناوشات وسوء المعاملة طغت على طبيعة العلاقة بين الحجّاج وأعضاء البعثة»
وتحدّث حاج آخر إلى «النهار»، عن جانب من جوانب الحجّ يتكرّر في كلّ مرّة، قائلا «حتّى الحجّاج لم يكونوا في مستوى المسؤولية ولم يحترموا صفة كونهم سفراء للجزائر بالخارج، فقد أظهروا سلوكيات غير لائقة وأكّدوا بأنّ هذه الرحلة التي قادتهم إلى البقاع المقدّسة لأداء فريضة الحج لم تغيّر فيهم أيّ شيء»، مشيرا إلى أنّ «مشاهد الشجارات والمناوشات كانت تطبع يوميات الحجّاج مع أعضاء البعثة الجزائرية، عبر كافّة مراحل أداء الفريضة، سواء بمكة أو المدينة وحتّى بالمشاعر»، موضّحا «كانت تنشب بين الحجّاج شجارات لأتفه الأسباب، ودائما كان الكلام الفاحش حاضرا في هذه المشاجرات، من دون أيّ احترام للحجّاج الآخرين أو المكان الذي يتواجدون فيه».
رابط دائم :
https://nhar.tv/11REx