ثوار ليبيا يهينون الجزائر دولة وشعبا ووزارة الخارجية غارقة في قصاصات الجرائد

كشفت التطورات الأخيرة التي عرفتها الساحة في الجزائر بشأن ما يعرف بالملف الليبي، عن وهن كبير أصاب الدبلوماسية الجزائرية، جراء استمرارها تفضيل سياسة الصمت على الإساءات التي يوجهها قادة المعارضة في ليبيا للجزائر دولة وشعبا يوميا، والاكتفاء مقابل ذلك بالانشغال بإعداد وتحرير البيانات الصحافية، لتأكيد هذا الخبر أو تكذيبه.فقد كان يوما الأربعاء والخميس الماضيين حافلان بالنشاط الدؤوب لوزارة الخارجية الجزائرية، ليس من ناحية العمل الدبلوماسي الذي يعطي الجزائر حقها ويضعها في درجة ثقلها ووزنها إقليميا ودوليا، وإنما من جانب العمل الصحافي عبر البحث عن برقيات وأخبار لتكذيبها، دون تقديم موقف واضح وحازم إزاء ما يجري في ليبيا، حتى كادت وزارة الخارجية تختزل في خلية إعلام مهمتها جمع قصاصات الأخبار وبرقيات وكالات الأنباء وقراءتها! وبلغ الأمر حد سكوتها عن رفع علم دولة بنغازي فوق مقر سفارة ليبيا بالجزائر، رغم أن ذلك السلوك لا شرعي سواء من الناحية القانونية ولا حتى من ناحية العرف الدبلوماسي، ذلك لأن رفع علم دولة فوق مبنى سفارة تمثلها في دولة أخرى، يعني اعتراف هذه الأخيرة بها وبنظامها الحاكم فيها، ويكفي المقارنة بين ما جرى في الجزائر وما حدث في روسيا لاكتشاف خطورة الموقف الذي أوصلتنا إليه سياسات ومواقف وزارة الخارجية، إن كان لها مواقف أصلا. ففي روسيا أعلن الطاقم الدبلوماسي الذي يمثل سفارة ليبيا في موسكو، عن انضمامهم لـ”ثوار” ليبيا، كما أعلنوا عن اعترافهم وولائهم للمجلس الانتقالي، غير أن الملتحقين بركب المعارضة الليبية لم يرفعوا علم دولة بنغازي فوق مقر السفارة، لأن روسيا وما أدراك ما روسيا لم تعترف بعد بالمجلس الانتقالي، وبالتالي فإن رفع العلم الليبي الجديد فوق التراب الروسي، سيكون بمثابة إهانة لروسيا دولة وشعبا. وبالعودة إلى التكذيبين الأخيرين اللذان صدرا عن الناطق باسم وزارة الخارجية الجزائرية، فإن الأول كان لتكذيب مضمون برقية نشرتها وكالة ”يو بي”، حملت تصريحا منسوبا لمصدر دبلوماسي جزائري، تحدث بليونة وتساهل عن موقف الجزائر من المجلس الانتقالي، مشيرا إلى إمكانية اعترافها به في وقت لاحق. وفي اليوم الموالي، أصدرت وكالة رويترز برقية أخرى منسوبة لمسؤول جزائري رفيع المستوى، تحدث فيها بشكل منطقي عن رفض الجزائر الإعتراف بالمجلس الانتقالي، ما لم تستجب لشرط واحد، تلخص في توجسات ومخاوف أمنية، حيث طالب المتحدث -حسب البرقية- قادة المعارضة الليبية، بتقديم التزامات وتعهدات بمحاربة تنظيم القاعدة على التراب الليبي. ولأن حديث المسؤول الجزائري هذه المرة كان صريحا وواضحا وخلا من الديماغوجية، فإنه أصاب صميم الموضوع، لدرجة أن المجلس الانتقالي الليبي رد بطريقة سريعة، فضحت عجزه عن تلبية الشرط الجزائري، رغم بساطته وسهولة تلبيته. لكن الغريب هو أن وزارة الخارجية سارعت في اليوم الموالي، إلى تكذيب ما جاء في برقية رويترز، بعدما كذبت في وقت سابق برقية وكالة ”يو بي”، مع العلم أن مضموني البرقيتين كانا متناقضين، لدرجة أن أحدهما مثل موقفا لينا متساهلا تجاه المعارضة الليبية والثاني مثل موقفا صارما ومنطقيا، كونه حرص على ضمان أمن واستقرار الجزائر، ومع ذلك فقد رفضتهما وزارة الخارجية كليهما. وبقدر ما يكشف اكتفاء وزارة الخارجية بتكذيب كل ما يقال دون تكليف نفسها إيضاح الصورة وربما الانتقال من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل، افتقادها لتصور ورؤية بشأن كيفية التعامل مع الوضع، بقدر ما تكشف قضية عدم تفاعلها وردها على حادثة رفع علم دولة بنغازي فوق السفارة الليبية بالجزائر، إهمالها المسائل المعنوية ذات المدلول والمغزى الكبير، خصوصا عندما يتعلق الأمر بسيادة الجزائر على أراضيها. وبالحديث عن سيادة الدولة وكرامة الجزائريين، هل كان الموقف مع ثوار ليبيا سيكون نفسه اليوم لو أن الجزائر ردت منذ الوهلة الأولى على اتهاماتهم بتحذيرات شديدة اللهجة لا يختلف في قراءتها اثنان؟