متن العقيدة الواسطية حلقة 8.. إثبات العلو لله عزّ وجل مع قربه من عباده

وليس معنى قوله: {وهو معكم}، أنه مختلط بالخلق، فإنّ هذا لا توجّهه اللغة، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان.
وهو سبحانه فوق عرشه رقيب على خلقه مهيمن عليهم، مطّلع عليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته، وكل هذا الكلام الذي ذكره الله - من أنه فوق العرش وأنه معنا – حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يُصان عن الظنون الكاذبة، مثل أن يُظن أن ظاهر قوله {في السماء} أن السماء تظلّه أو تقلّه، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان، فإن الله قد وسع كرسيه السموات والأرض، وهو يمسك السموات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره.
وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب، كما جمع بين ذلك في قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»، وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيّته لا ينافي ما ذكر من علّوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عالٍ في دنوه قريب في علوه.
ومن الإيمان بالله وكتبه، الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف، لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا، لا إلى من قاله مبلغا مؤديا، وهو كلام الله حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف من دون المعاني ولا المعاني من دون الحروف.
وقد دخل أيضا فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله، الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوا ليس من دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يُضامون في رؤيته، يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى.