هكذا بدّدت مؤسسة بريد الجزائر الملايير مع شركة مغربية لاقتناء عتاد غير مطلوب

الصفقة بين بريد الجزائر والشركة المغربية تمت بالتراضي وتضمنت طلبيات مبالغا فيها لاقتناء عتاد غير ضروري
كشف تقرير يحمل صفة «سري» أعده المفتش العام بوزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال في عهد الوزير السابق، موسى بن حمادي، عن جملة من التجاوزات «الخطيرة»، تمثلت في إبرام صفقات من طرف المدير العام لبريد الجزائر، محند العيد محلول، مع مؤسسة مغربية، تدعى «M2M»، وهي الصفقات التي كبدت مؤسسة بريد الجزائر خسائر بالملايير. وحسب ما ورد في التقرير السري الذي رفعه المفتش العام للوزارة بقاص رابح، الذي تحوز «النهار» على نسخة منه، فإن عملية التحقيق في الصفقات التي عقدتها مؤسسة بريد الجزائر مع الشركة المغربية للاتصالات، جاءت إثر شكوى رفعها المدير المركزي للمالية والمحاسبة بمؤسسة بريد الجزائر، «رحموني علي»، ضد المدير العام لبريد الجزائر محلول محند العيد، يتهمه فيها بالفساد واستغلال المنصب لقضاء مآرب شخصية، ومحاولة تعطيل مصالح المؤسسة لفائدة إحدى المؤسسات المغربية المسماة «M2M».وخلصت نتائج التحقيق الذي أمر به الوزير السابق إلى أن مؤسسة بريد الجزائر قامت بشراء تراخيص «ليسانس» لنظام «شركة سيماب»، وكذا توسيع رخص لخدمة «ماجيكس» للبطاقات المسبقة الدفع، وهي الصفقات التي تمت عن طريق التراضي مع المؤسسة المغربية، إذ بعد مشاورات بين الطرفين، تم الاتفاق على خصم مقداره 15 من المائة من قيمة الصفقة لشراء تراخيص «سيماب»، أما عرض تمديد رخص «ماجيكس» فلم يتم الحديث عنه مطلقا، لأنه لم يكن مبرمجا في جدول الأعمال .وكشف ذات التقرير أن مؤسسة بريد الجزائر تعمّدت تضخيم عدد من طلبيات المشتريات، التي رآها التقرير غير ضرورية، فمن 1300 ترخيص لشباك الصرف الآلي GAB، كانت الشركة تحتاج فقط 500 رخصة، أي ما يعادل 800 طلبية زائدة، ومن بين 4000 طلب توسيع نظام بطاقات الدفع الإلكترونية كانت، احتياجات المؤسسة لا تتجاوز 1000 طلبية، وهو ما يعني أن 3000 طلبية كانت زائدة عن اللزوم، مما كبّد المؤسسة مصاريف إضافية غير مبررة. وتحدّث ذات التقرير عن تنصيب المدير العام لبريد الجزائر محند العيد محلول فريق مشاورات جديد، بعدما قام بإبعاد الفريق الأول بحجة فشله، كما توصل المفتش العام لوزارة البريد إلى اكتشاف قيام مؤسسة بريد الجزائر بالاتفاق مع المورّد المغربي على خصم مقداره 20 من المائة فيما يتعلق بتراخيص نظام «سيماب»، أما فيما يتعلق برخص «ماجيكس» فلم تكلف إدارة بريد الجزائر نفسها عناء طلب تخفيض على العرض المقدم من الطرف المغربي، حيث خلصت نتائج التقرير إلى أن الأمر تم التستر عليه وإخفاؤه. وبخصوص سلسلة التجاوزات غير القانونية، فقد أشار التقرير إلى تعاقد مؤسسة بريد الجزائر بمبلغ 7 ملايير سنتيم مع الممون الفرنسي SFCE، بعد اكتشاف فواتير صفقات تعود إلى سنة 2004، لم يتم تخليصها لأسباب مجهولة، والتي طلب المورد المغربي من إدارة بريد الجزائر معالجتها فورا، باعتباره المكلف بتسيير التجهيزات التي اقتنتها إدارة بريد الجزائر من المؤسسة الفرنسية، كما كشفت عملية التحقيق أن مستحقات 7 ملايير التي كانت تطالب بها الشركة المغربية غير مبررة، وتعود أصلا لعقود مع شركات أخرى ضمن فترة ضمان، ما جعل 4 مديرين مركزيين يرفضون تسديد هذه الفواتير. كما اكتشف مفتش وزارة البريد وجود سوء تسيير وتبديد للمال العام في مؤسسة بريد الجزائر، أين تم طلب تراخيص لأجهزة غير متوفرة، كما تم طرح علامة استفهام حول دوافع إلغاء المحادثات مع المورّد المغربي، والتي أثمرت عن تحقيق خصم قدره 50 ٪ من مبلغ الصفقة المشار إليها.وبخصوص الاتفاقيتين الموقعتين بين مؤسسة بريد الجزائر والشريك المغربي، فكان التصديق عليهما من طرف لجنة الصفقات فقط، أما المديرية الفرعية المكلفة بمتابعة وتنفيذ تلك العقود فلم يتم إبلاغها، حتى أنها تجهل إبرام الصفقتين أصلا.
12 مليارا في مهب الريح..!
وجاء في التقرير أن مدير الشبكة المالية والعمليات البريدية، قام يوم 19 سبتمبر 2011 بمراسلة رئيس لجنة الصفقات وأعضاء اللجنة المركزية للصفقات، يطلب منهم تخفيض عدد التراخيص «ليسانس» في دفتر الأعباء، بسبب وجود مبالغ غير مبررة في كمية الطلبيات، لذلك طلب استقدام 500 ترخيص للشباك الآلي للصرف، بدلا من 1300 ترخيص، كما طلب استقدام 1000 ترخيص فقط بدلا من 4000 لأنظمة بطاقات الدفع الإلكترونية، مما يوفر للمؤسسة مبلغ 12 مليار سنتيم كاملا.
المدير العام لبريد الجزائر يرفع تقريرا إلى الوزير
من جهته، رفع المدير العام لبريد الجزائر تقريرا إلى الوزير موسى بن حمادي، في شهر نوفمبر 2011، يبرر فيه جميع ما أقدم عليه من صفقات وقرارات، ولخص تقريره المكون من 7 صفحات، عبر إبراز مدى تطور عملية تحسين الخدمات بالأرقام، كما حاول تبرير جميع قراراته التي قال إنها نابعة من التشريع والقوانين والنصوص المعمول بها. واتهم المدير العام في ذات التقرير، مدير المالية والمحاسبة المركزي بعرقلة المؤسسة وتعمّد عدم تسديد مختلف الفواتير، مثل 16 مليار ديون شركة «آيتاك سيستام»، كما اتهمه بعجزه عن تطبيق المحاسبة التجارية في مختلف مكاتب البريد، والتي ينص عليها القانون 03/2000، وكذا عدم رفعه لتحفظات مفتشي الحسابات وغيرها من التجاوزات، التي اعتبرها المدير العام محند العيد محلول، تصب في خانة محاولة مدير المالية والمحاسبة تشويه صورة المؤسسة وسمعتها.
محند العيد محلول المدير العام لبريد الجزائر لـ النهار : الفضيحة ورثتها عن سابقي والمفتش العام بالوزارة أثار التقرير لأنه يريد منصبي
قال المدير العام لبريد الجزائر العيد محلول، أنه ورث ملف الصفقات المبرمة مع الشركة المغربية عن سابقه منذ سنة 2005، وأنه ليس مسؤولا عن الشروط والإمتيازات التي استفادت منها هذه المؤسسة، كما أنه لم يعد في إمكانه تعطيلها بعد وصوله إلى رأس البريد، لأن ذلك لن يكون في مصلحة المؤسسة رغم الضرر الذي ألحقته هذه الإتفاقيات بها. وأضاف محلول في اتصال مع «النهار» أمس، أن التقرير الذي رُفع إلى الوزير من قبل المفتش العام للوزارة، غرضه كيدي يهدف إلى الإطاحة بشخصي من على رأس مؤسسة البريد، رغم أنه يعلم جيدا بأننه ليست لي أي يد في هذه الإتفاقيات، التي تم إبرامها في عهد المدير العام السابق، وتم التوقيع عليها من قبل لجان خاصة مكلفة بدراسة الصفقة آنذاك.وأشار محلول إلى أنه لو كان هناك أي دليل ضدي في هذا التقرير، لما تأخر الوزير في إقالتي و اتخاذ الإجراءات اللازمة، كما قال بأن الملف على مستوى المصالح الأمنية، ولو كان لديها أي دليل ضدي أو أمور تهدد مصلحة المؤسسة لباشرت في تحقيقاتها. وأكد المدير العام لمؤسسة بريد الجزائر، بأن القضية شخصية بينه وبين المفتش العام للوزارة، الذي قال بأن يسعى لأخذ مكانه على رأس بريد الجزائر والتقرب من الوزير.