هكذا تنبأ صدام بتنظيم داعش

من بين التطورات ذات العواقب المؤثرة خلال السنوات العشرين المنصرمة، كان انتشار الفكر السلفي في دول الخليج العربي.
ذلك الفكر الذي يسعى إلى إعادة المؤمنين إلى نمط أكثر تقشّفا من الإسلام، على غرار ما كان سائدا في زمن الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم».
كان تفهم صدام للتهديد السلفي ووجهات نظره تجاه التهديد الإرهابي المستوحى من إيران وروابط إيران بمتطرفي الشيعة العراقيين، تتسم بالواقعية وبُعد النظر، وكان يعتبر العراق خط الدفاع العربي الأمامي ضدّ الفرس الإيرانيين، وحصنا سنيا في وجه الأغلبية الشيعية الساحقة في إيران، غير أن صدام، مع حلول تسعينيات القرن الماضي، بات يرى انتشار السلفية في العراق وبات يسمع عن تكوين خلايا من السلفيين في بلاده.
وقال الدكتاتور العراقي صدام أثناء استجوابه متنبئا: «سوف ينتشر الفكر السلفي في الأمة العربية بسرعة تفوق كل التوقعات، ويعود ذلك إلى أن الناس سيعتبرون السلفية فكرا ونضالا. سيصبح العراق ساحة قتال لكل من يريد حمل السلاح ضدّ أمريكا، أما الآن فهناك ساحة قتال حقيقية تتيح المجابهة المباشرة».
الإطاحة بصدام خلّفت فراغا في السلطة حوّل الخلافات الدينية في العراق إلى حمام دم طائفي، ظلّ الشيعة لفترة من الزمن يغضون النظر عن فظائع الزرقاوي بقيادة السنة، آملين في نيل السلطة من خلال صناديق الاقتراع، ولكن، مع تزايد أعداد القتلى، تدخلت الميليشيات الشيعية في القتال.
في ديسمبر 2010 اندلعت شرارة الانتفاضات الديمقراطية المعروفة باسم «الربيع العربي» في تونس، قبل أن تنتشر في ٢٠١١ إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين، ثم جاء «الشتاء العربي» بانقلاب عسكري في مصر وحروب أهلية في ليبيا واليمن وسوريا.
اندلعت الحرب الأهلية في سوريا في مارس 2011 حين أمر الرئيس بشار الأسد بقمع عسكري للاحتجاجات ضدّ حكمه.
في البداية كان المتمردون السنة المعتدلون هم الذين يعارضون الحكومة، ثم انضمت إليهم حركة «الإخوان المسلمين» السنية الأكثر تطرفا، من دون أن تقترب مما كنا سنشاهده من «داعش». (السنة يشكّلون ثلاثة أرباع عدد السكان في سوريا، بينما لا تمثّل طائفة العلويين التي ينتمي إليها الأسد أكثر من ١٠ من المئة من السوريين).
مع نهاية عام 2012 كان النزاع قد اجتذب وحدات من تنظيم «القاعدة» ومقاتلين من «داعش»، الذين انشقوا نتيجة خلافات حول مسائل تكتيكية وقيادية، بعد ذلك بخمسة أشهر، أعلن تنظيم «داعش» عن قيام «دولة الخلافة»، مستخدما تسجيلات «فيديو» لعمليات ضرب الأعناق والإعدامات الجماعية - أي إباحية العنف – لاجتذاب آلاف المتطوعين من الشرق الأوسط والغرب، أما الباقي، فهو بمثابة تاريخ يثير الاشمئزاز: مئات الآلاف من القتلى في سوريا، مع تشريد نصف عدد سكانها البالغ عددهم ١٧ مليون نسمة، وضم «داعش» لمساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا إلى «دولة الخلافة»، واتساع حرب متعددة الأطراف باتت تشارك فيها الولايات المتحدة وتركيا و«حزب الله» – الميليشيا الشيعية التي تدعمها إيران – والأهم منها روسيا.
هل كانت هذه السلسلة من الأحداث ستحصل لو بقي صدام أو خليفة له في السلطة؟، إن الجواب سيبقى في عالم الغيب والتكهن.
من المؤكد أنه لو لم يُحل الجيش العراقي لما كان العديد من كبار ضبّاطه سينضمون إلى «داعش» ليزوّدوا هؤلاء الجهاديين بخبراتهم العسكرية المميّزة، ولاستخدام هذا الجيش القوة لاحتواء التوترات الطائفية في العراق، لذا يمكن القول إن العالم العربي، لو لم يتم الغزو الأمريكي، لكان سيبقى هادئا محبطا تحت قبضة أنظمة دكتاتورية في العراق وسوريا ومصر وليبيا.
دعم صدام لسنوات عديدة الإخوان المسلمين في سوريا، هل كان يفعل ذلك لكونهم يتبنون مبادئ مشتركة معه؟، الحقيقة، لقد قام صدام بذلك لكون الإخوان يعارضون الأسد، منافسه على قيادة الحركة البعثية.
لو كان عملاء من الإخوان قد سعوا إلى قيادة تمرد ضدّ صدام، لسارع إلى القضاء عليهم.
لم يكن صدام مفكرا ولم يكن من بين الذين ينظرون إلى العالم من زاوية واسعة، كان محتارا بشكل خاص في شأن الولايات المتحدة التي كان يعتبرها أهم مصدر إزعاج له، ومن كان سيلومه؟، كانت الحكومة الأمريكية متذبذبة بشكل ملفت في موقفها تجاه صدام، فلقد ساندته في الحرب العراقية – الإيرانية، ووقفت ضده في حرب الخليج وحرب العراق. ربما كان ذلك التباين في المواقف عاملا مهما في دفع صدام إلى اتخاذ سلسلة من الخطوات الخاطئة التي وضعته ضمن قائمة واشنطن للأشخاص الواجب الإحاطة بهم مع حلول موعد تولي إدارة «جورج بوش» الابن السلطة في 2001 لا أقول ذلك لإعفاء صدام من اللوم، فلقد ارتكب عددا كبيرا من الأخطاء الجسيمة.