هل يوجد فرقا بين تنظيم الكيان الداعشي و الكيان الصهيوني

لم أكن أتصورُ في خيالي أو يخطر على بالي أن عندما تحسّرت “غولدا مائير”، رئيسة وزراء العدو السّابقة، على ما قام به النّبي موسى عليه الصلاة و السلام حين جاء باليهود إلى المنطقة الوحيدة في الشّرق الأوسط والتي، بحسب تعبيرها، لا تملك الثّروة النّفطيّة، غير أنه في مطلع الألفيّة الثّانية تبيّن أن في بلاد كنعان ثروة هائلة من الغاز خارج الأراضي التي استولى عليها الإحتلال الصّهيوني، فأدرك أن عليه السّيطرة على العالم من بوابة الإقتصاد والغاز فكان هذا الأخير محفّزًا للحروب المتنقّلة من أقصى العالم إلى أدناه.وبعد أن كانت الولايات المتّحدة، العرّاب الأبرز للكيان الصّهيوني، والتي تعتبر أنها القوة الأحادية في الكون بعد إنهيار الإتحاد السّوفياتي، باتت تدرك أن الغاز هو العقبة التي تقف بوجه توسّعها وهيمنتها على العالم، إذ أن مصدر الطّاقة هذا هو أمل البقاء على هذا كوكب من منطلق أنه “صديق للبيئة والطّبيعة”، وفيه تكمن الاستراتيجية الدّولية المستدامة للحفاظ على التّربة والماء والهواءبيد أن المعضلة التي تعانيها الولايات المتّحدة هي أن روسيا صاحبة إحتياطي الغاز الأكبر في العالم يقدّر بأكثر من 44 تريليون متر مكعب، وتستخدم موسكو الغاز كورقة قوّة في أوروبا حيث أن 70 بالمئة من الصّادرات الرّوسية نفطية وأنابيب الغاز تذهب الى أوروبا، المستورد الأول للغاز في العالم وحوالى 40% منه من روسيا. وهذا ما يجعل موسكو قادرة على الضّغط على القارة العجوز سياسيًا من خلال الغاز، ما أثار استفزاز واشنطن وتل أبيب ودفعهما إلى إيجاد خطّة بديلة تطيح بالغاز الروسي والسيطرة الروسية بعد أن تمكّنت أميركا من معالجة معضلة إيران، صاحبة ثاني إحتياطي نفطي، فقطعت الطريق أمام مشروع حقل غاز “بارس” من خلال فرض عقوبات على المصارف التي تموّل المشروع لدى الإتحاد الروسي.وفي هذا السّياق، أدخلت تركيا نفسها في قانون اللعبة لتتخلّص من الهيمنة الروسية كونها تستورد 60 % من الغاز الروسي، واندفعت في مشروع خط أنابيب”نابوكو”، المدعوم أميركيًا وأوروبيًا والذي سينقل الغاز الطّبيعي من تركيا إلى النمسا، عبر بلغاريا، ورومانيا، والمجر وسيكون إتجاه الغاز من منطقتين: بحر قزوين في آسيا الوسطى والشّرق الأوسط من غزّة، مرورًا بلبنان ثم حلب السورية وتركيا ومنها إلى أوروبا. وبهذا ستكون أنقرة ضربت عصفورين بحجر واجد: تمكّنت في الحصول على نسبة من الغاز وعطّلت الصّادرات الروسية من جهة، وحقّقت إنجازًا سياسيًا لطالما دأبت إلى الوصول إليه وهو الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي من جهة أخرى
“حينما تكون داعش” وسيلة حرب الغاز
إنطلاقًا ممّا ذكر أعلاه، فهمتُ أن “الولايات” المتّحدة الأميركيّة عليها صناعة كيان يمنكه أن يدمّر المنطقة العربيّة ويضعف قادتها أو يطيح بهم ويقسّمها إلى دويلات متناحرة طائفيًا يكون بزرع كيان طائفي متطرّف يحمل راية الإسلام يطلق عليه تسمية “ISIS” والتي عرفت بـ”الدّولة الإسلامية في العراق والشّام” أي “داعش” ولكنها في الواقع “Israeli Secret Intelligence Service” أي جهاز الاستخبارات السّرّية الإسرائيلية. وبالتّالي، تؤدي “داعش” وظيفتها بموازاة المخطّط الغربي الإسرائيلي من حيث الإرهاب والدّمار وارتكاب المجازر والتّرهيب؛ ويبدو جليًا أنه منذ بروز هذه الظّاهرة، لم يتعرّض هذه التّنظيم لأي يهودي في العالم لا بل كان سيفه موجّه نحو المسلمين والمسيحيين والأقليات الطائفيّة، عدا الطاّئفة اليهوديّة.
ومن بين التّصريحات الصّاخبة التي أطلت في الآونة الأخيرة هي تلك للقائدُ العامّ السابق للقوات الاميركية في أوروبا والقائُ العامّ لحلف شمال الأطلسي “الناتو” حتى العامِ 2001 ويسلي كلارك التي كشف فيها اَنَ تنظيم “داعش” هو صناعةٌ أميركيةٌ بتمويلٍ من أصدقائِها وحلفائِها بهدَفِ القضاءِ على حزبِ الله” ولا يمكن غير لداعش أن تواجهه لأنها متطرّفة سبق ذلك تصريح ضابط الإستخبارات البريطانيّة “تشارلز شويبردج” في مقاله الذي نشرتح صحيفة الغارديان و الذي أفصح أن واشنطن تقف وراء ما يحصل في سوريا والعراق وليبيا وأنها صنعت داعش بالتعاون مع المخابرات الأميركيّة وضغطت على بعض دول الخليج كي تسلّحها تموّلها، فضلاً عن مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بعنوان “خيارات صعبة” عن فترة إدارتها لوزرارة الخارجية من 2009 إلى 2013 والذي فجّرت فيه مفاجأة أن بلادها أسست داعش بغية تقسيم المنطقة العربية والمغرب العربي لتصبح السيطرة لهم خاصة على منابع النّفط والمنافذ البحريّة
ما الهدف من كل ما خطّط له؟ الغاز لا محالة.. فقد قدّرت هيئة المسح الجيولوجية الأميركية أن الغاز في حوض البحر المتوسط أو حوض بلاد الشام يصل إلى حوالى 3500 مليار متر مكعب، تم تقدير الغاز في قطاء غزة بحوالى 2،3 تريليون قدم مكعب، وبعد أن تم مسح أكثر من 70% من المياه اللبنانية تبيّن أنه في العشرة بالمئة فقط من المياه التي تم تحليليها، يوجد 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، ناهيك عن سوريا التي يصل حجم الغاز فيها إلى عشرة أمثال ذلك الموجود في الأراضي الفلسطيني المحتلة أي في مركز غاز قارة الذي ينقّب فيه الروس حاليًا ويعتبر الأهم في المنطقة. إضافة إلى ذلك، يشير الخبراء الإقتصاديون إلى أن الغاز المصري الاحتياطي غير مستغل وأن الكمية في حوض النيل أكثر بعدة اضعاف من الأربعين تريليون متر مكعب الذي وجد في الأراضي المحتلّة وقطاع غزة وجزيرة قبرص
فالغاز شكّل النّقطة المركزية في هذا الصّراع ولهذا كانت سوريا البداية، كونها ستكون إمّا إنطلاقًا للحروب أم مشروعًا للسلام في الشّرق الأوسط من مبدأ أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الطاقة النّظيفة، لذا تم إنفاق المليارات من الدولارات لأنه يتوقع أن ينتج أرباحًا خيالية في المقابل مع سقوط الأنظمة وهيمنة واشنطن وتل أبيب وأنقرة وبعض دول الخليج على المنطقة بأكملها وعلى غازها في الدّرجة الأولى. بيد أن هذا المخطّط المدروس بحذافيره أحبط بشكل غير متوقّع من خلال صمود النّظام السّوري وقتال حزب الله إلى جانبه ودعم حلفائه في خط الممانعة لأنهم على يقين بأن سقوط النّظام في دمشق سيكون سقوطًا لهم ولاقتصاداتهم المستقبليّة وثرواتهم وبرامجهم وانتصارًا للمشروع الصّهيوني. تمثّلت الصّدمة الأخرى بالهزيمة النّكراء التي لحقت بالعدو الإسرائيلي جراء عدوان السبعة أسابيع التي شنّها على قطاع غزة، حيث لم يستطع التوغّل شبرًا واحدًا في القطاع لا بل كانت إنجازاته بدكّ غزّة وتدميرها وارتكاب المجازر بحق أطفالها ونسائها وشيوخها
من هنا، تأتي أهميّة رد الإعتبار كبيرة للجيش الإسرائيلي الذي يعتبر نفسه “لا يقهر”، إذ كثرت تصريحاته التي يزعم فيها اقتراب العدوان الجديد على القطاع، وبأن الحرب الأخيرة لم تجدِ نفعًا مع المقاومة بل جعلتها تطوّر قدراتها القتالية وتزيد منظومتها الصّاروخيّة وهدفهم ضرب حركة “حماس”، لكن توقيت المعركة يتوقّع أن يحسم مع نتائج الإنتخابات الإسرائيلية في هذا الشهر “مارس” ومع تطوّر مجريات الأمور على السّاحة السّورية
ففي المدى المنظور، ستكون السّاحة الشّرق أوسطيّة حلبة للحروب وستكون غزّة، لب القضيّة الفلسطينية حاليًا، مسرحًا لضربات العدو الإسرائيلي من جديد من أجل الوصول إلى مبتغاه والسيطرة على الغاز وعبره على الغاز اللبناني والسوري وتصديره إلى أوروبا لتغطية العجز من الغاز الروسي.
كل الحقوق محفوظة للكاتب.