إعــــلانات

إغفال الجوهر والاهتمام بالقشور.. قضى على الألباب والعقول!

إغفال الجوهر والاهتمام بالقشور.. قضى على الألباب والعقول!

همس في أذني أحد المعلّمين قائلا ونحن في مقهى وسط المدينة .. أنظر يا صاحبي إلى هذا المحل الخاص بالبيتزا والڤرنطيطا كيف تتدافع نحوه الناس؟، وأنا فتحت مكتبة لم أبع في ظرف سنة كاملة كتابا واحدا، حتى سارعت إلى غلقها نهائيا!؟.. فشتان إذا بين ثقافة البطون وثقافة العقول، فهمّ الجميع اليوم هو ملء بطونهم أولا وليحدث بعدها ما يحدث، وهذا هو الواقع الصحي الصرف، شئت أم أبيت، وفي غالبية المدن الجزائرية إلا من رحم ربك.

لقد أردت أن أشير إلى هذا الموضوع بعدما شاهدت «فيديو» يعرض إحدى مهازل المركز الثقافي في «عين الخضراء»، حين تحوّل هذا المرفق الهام إلى وكر للتبوّل أكرمكم الله، ثم أضاف صديقي بأن الولايات والمدن الكبرى، أصبحت تتنافس على ثقافة الأطباق والأكلات الشعبية ليس إلا.

فمن عيد «الزفيطي» إلى معرض «المطلوع» إلى مهرجان «الشخشوخة» وآخر لـ«الدوبارة» وغدا ربما يأتي عيد «الزعرور» و«النبق» ويليهما مهرجان «الڤرنطيطا» و «البغرير» وهكذا دواليك!

كل هذا يحدث في زمن غاب فيه الإنتاج الفكري والإبداع بمختلف ألوانه وأشكاله، وبرز للوجود الإنتاج المطبخي، فإلى سنوات خلت، كان على أقل تقدير هناك حركية في المسرح والموسيقى والرسم والمجلات الأدبية والأخرى الحائطية، داخل المؤسسات التربوية أو داخل دور الشباب والمراكز الثقافية، لكن بعد أن تخلت الوزارة عن هذه المرافق الهامة، حدثت الكوارث تلو الكوارث، ويحدث هذا على الرغم من وجود آلاف المبدعين والمبدعات في شتى الابتكارات والاختراعات.

والسؤال هنا أين ستذهب هذه الطاقات اليوم وأين ستُصقل مواهبها، إذ هي وجدت نفسها في عزلة تامة ومفصولة عن هذه المراكز، التي كانت عبارة عن أحضان وورشات لتطوير الإبداع وإيوائها، بل رعايتها حتى تتفتق وتأتي بالجديد في شتى مجالات الحياة؟ وما الذي أصاب هذا البلد الحبيب حتى صارت الناس تتسابق فقط على ما يملأ بطونها ونزواتها، حتى لا نقول شهواتها؟!.

إنها حقا معضلة ما بعدها معضلة يصعب الخروج من نفقها المظلم إن لم تتبدل السياسات الفوقية وتتجدد، وإلا سوف تزداد حدة هذه المهازل ويصعب علينا جميعا الوصول إلى أنصاف الحلول على أقل تقدير.

لقد صار النشاط الثقافي في قبضة وسلطة الجهات الوصية والرسمية، بدليل أنه لا يظهر إلى الوجود إلا بعد أن يقترب موعد قدوم هذا الوفد أو ذاك، فلم يعد هناك نشاط دائم ودؤوب أو حركية حيّة ومستمرة لفائدة دفع المواهب والطاقات الخلاقة نحو الأمام، بل شعار الجميع هو الشعب يريد هكذا، وكأن بالنشاط الفكري أو العلمي والأدبي من هموم النخب فقط، والذي وجب التوجه نحوه هو العادات والتقاليد الشعبوية.

إنه واقع مريد فعلا وجد من يشجّعه ويرفع من قيمته إلى درجة الإعلاء من شأنه واعتباره بمثابة الحقيقة المثلى، وخوفنا كل الخوف أن يكون ذلك مقصودا ومبرمجا من باب سياسة تخدير الشعوب، أما إذا كانت القواعد والجبهات الاجتماعية تريد ذلك حقا، فلا يسعنا هنا إلا أن نقول فلندعها تدفع الثمن، لأنها هي من اختارت هذه البهارج العابرة، وويل لأمة إذ هي غفلت عن جواهر وألباب أزماتها، فاهتمت بالقشور وتركت ما ينير لها السبيل نحو نهضتها وصناعة حضارتها بكلتا يديها!.

رابط دائم : https://nhar.tv/4xTT4
إعــــلانات
إعــــلانات